رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اشتعال الأزمات بين «أصحاب القروض» و«البنوك» بعد قرار تأجيل السداد 6 أشهر

نقود
نقود

«مبادرة لتأجيل سداد أقساط القروض لمدة 6 أشهر».. كان ذلك العنوان متصدرًا جميع وسائل الإعلام قبل 7 أشهر، بالتحديد في 15 مارس الماضي؛ لتخفيف العبء على المواطنين، إثر تفشي جائحة كورونا، التي قضت على الأخضر واليابس في جيوب المواطنين، ورغم فرحة المقترضين بالمبادرة آنذاك، إلا أنه ومع بدء تحصيل البنوك المصرية الأقساط المؤجلة، «أتت رياح المبادرة بما لا تشتهي سفن المقترضين»، لا سيما بعدما اكتشف العملاء ارتفاع نسبة الفائدة المستحقة عليهم، على حد قول المتضررين.

وارتفاع نسبة الفائدة دفعت المتضررين، إلى التحرك لرفع شكاوى للبنك المركزي ضد البنوك، وتطور الأمر إلى الدعوة إلى وقفة احتجاجية أمام مكتب العام المستشار حمادة الصاوي بل تحرك البعض لرفع دعوى بطلان عقد أو قضية تعويض عن الأضرار المادية المادية والمعنوية المترتبة على الإجراءات الجائرة، على حد قولهم.

هدفها التخفيف

وقال المتضررون من قرار تأجيل الأقساط: «من المفترض أن المبادرة هدفها التخفيف على المواطنين بعد آثار الجائحة، ولكن ما حدث العكس حيث تم إغراق العملاء في الديون»، متابعين: «البنوك لم تنفذ تعليمات رئيس الجمهورية وقرار البنك المركزي، فهي مبادرة لصالح الشعب نتيجة ظروف كورونا».

وكان البنك المركزي المصري، قرر في 15 مارس الماضي، تأجيل استحقاقات العملاء تلقائيا لمدة 6 أشهر، إلا في حالة طلب العميل خلاف ذلك، مع عدم تطبيق عوائد تأخير أو غرامات إضافية على التأخر في السداد.

واستعدت البنوك العاملة في السوق المحلية الشهر الماضي، لاستئناف تحصيل أقساط القروض المؤجل سدادها، وقامت البنوك بإبلاغ عملائها ببدء تحصيل أقساط القروض المؤجلة بجانب الفائدة المقرر، من خلال إرسال رسائل نصية عبر المحمول للعملاء الذين استفادوا من مبادرة البنك المركزي لتأجيل سداد أقساط القروض.

وقال طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، إن قيمة أقساط القروض المؤجلة تبلغ 2.3 تريليون جنيه، وهو مبلغ ضخم جدا وتم تأجيل سداده لمدة 6 أشهر بسبب فيروس كورونا، لمساندة عملاء البنوك من المقترضين بسبب التداعيات السلبية لفيروس كورونا، مؤكدًا أن مد المبادرة لمدة 6 شهور أخرى صعب جدا.

تعليمات وتسهيلات

ويُشار إلى أن التعليمات التي أرسلها جمال نجم نائب محافظ البنك المركزي المصري، للبنوك، في 16 أبريل الماضي، تتضمن في حالة تطبيق القرار يتعين أن تتم رسملة قيمة العوائد المحتسبة خلال فترة التأجيل البالغة 6 أشهر على المبلغ المتبقي من التسهيل، ليتم سدادها مع الاستحقاقات خلال المدة الجديدة للتسهيل، وبما يتناسب مع قدرة العملاء على السداد، ومع التأكيد على عدم مطالبة العملاء بقيمة العائد المؤجل مع أول استحقاق بعد فترة التأجيل، مع التأكيد على ضرورة الالتزام التام بما سبق وإبلاغ العملاء بالتكلفة وطريقة سدادها.

وشملت التعليمات أنّ الاستحقاقات الائتمانية الواردة بالتعليمات هي جميع المبالغ مستحقة الدفع لجميع التسهيلات الائتمانية سواء تسهيلات قصيرة الأجل أو أقساط قروض حالية أو مستقبلية بالإضافة إلى العوائد، بحيث يتم ترحيل كافة استحقاقات العملاء وجداول السداد تلقائيا بداية تاريخ صدور التعليمات ولمدة 6 أشهر مع إخطار العملاء بأيٍ من وسائل الاتصال المتاحة.

وتسري التعليمات على جميع العملاء سواء المنتظمين أو غير المنتظمين من الأفراد والمؤسسات، شاملة شركات التأجير التمويلي، والتمويل العقاري، وشركات التخصيم، والشركات المتوسطة والصغيرة، وتشمل استحقاقات التسهيلات الممنوحة بكافة أنواع الضمانات، وكذلك عملاء المبادرات الصادرة عن البنك المركزي المصري.

وتتضمن تسهيلات الأفراد ما يلي، القروض الاستهلاكية؛ وهي القروض الشخصية، والبطاقات الائتمانية، والقروض بغرض شراء سيارات للاستخدام الشخصي، والقروض العقارية للإسكان الشخصي، وتسري التعليمات على التسهيلات الائتمانية الجديدة التي تم منحها اعتبارا من تاريخ صدور التعليمات.

المتضررون

ومن ناحيتها، تواصلت جريدة «النبأ» مع عدد من المتضررين من قرار تأجيل تحصيل أقساط القروض لمدة 6 أشهر، حيث قال أحمد حبيب، مدير فرع في شركة أرما للصناعات الغذائية: «أنا خدت قرض شخصي من أحدى البنك، في 1- 1- 2016، ومن المفترض سداده في 84 شهرا على 7 سنين، وبعد قرار تأجيل سداد القروض أصبحت الزيادة المستحقة عليا 100%».

وأضاف: «أنا كنت بدفع 2050 جنيهًا قسط شهري، وبعد التأجيل ارتفع القسط إلى 2615 جنيهًا، وأنا المتبقي ليا 44 شهرًا في الأقساط، والزيادة بما يعادل الضعف ما يتم دفعه».

وتابع: «تواصلت مع البنوك أكثر من مرة لمعرفة سبب الزيادة، وما تم تفسيره هو أن البنوك حسبت الفائدة المؤجلة على المبلغ المتبقي لكل عميل وضربها في أعلى نسبة فائدة موجودة وهي 18.5% على سنة».

وواصل: «المبادرة كان هدفها حماية المواطنين من الضرر وآثار جائحة كورونا ولكن اللي حدت العكس تمامًا، وهذا اضطرنا إلى رفع قضية على البنوك لأخذ حقنا، وتقديد عدد من الشكاوى بالبنك المركزي»، على حد قولهم.

ولم يختلف الحال كثيرًا مع أكرم عبد الملاك، صاحب «مقلة» بالإسكندرية، والذي قال: «أنا أخذت قرض 75 ألف جنيه، وبالفائدة بقى 110 آلاف جنيه، وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي وبدفع قسط شهري 3565 جنيهًا، وبعد قرار التأجيل أصبح القسط 4480 جنيهًا».

وأضاف: «كنت واخد القرض علشان أفتح المقلة، بالإيجار، ولكن ظروف كورونا دمرت المجال، أصبح المحل خاويا من البضاعة ومغلقا منذ 10 أيام، لا يوجد فيه غير رفوف فارغة، لا أستطيع سداد متطلبات البيت والأطفال وخاصة مع قرب دخول المدارس، وأصبحت أعيش على الديون، ومش لاقي أكل أنا وأسرتي».

وتابع: «روحت أتفاوض مع البنك لتخفيف الفائدة أو تأجيلها أو أخذ قرض جديد لسداد القروض القديمة، ولكن رفض البنك التفاوض بشكل صريح، البنوك بتموتنا أكتر ما إحنا ميتين من أزمة كورونا».

فيما قال أحمد ناصف، مهندس بوزارة الكهرباء: «ما يتم عمله في البنوك مخالف لتعليمات البنك المركزي، الذي أكد تأجيل سداد القروض بدون أي غرامات أو عوائد تأخير».

وأضاف: «أنا واخد قرض إسكان اجتماعي يتم سداد 600 جنيه شهريًا، وإجمالي ما تم تأجيله لمدة 6 أشهر مبلغ 3600 جنيه؛ ونتيجة التأجيل تمت زيادة مبلغ 90 جنيهًا على القسط الشهري علما بأن قرض الإسكان الاجتماعي لمدة 20 عاما، أى سيترتب على هذه الزيادة مبلغ 1000 سنويا أي 20 ألف مدة 20 عامًا».

وتابع: «هذا بالإضافة إلى احتساب قسط لمدة 6 شهور في نهاية القرض، حيث إن آخر قسط بقيمة 2000 جنيه وبالتالي سيتم تحصيل مبلغ 12 ألف جنيه، أي أن إجمالي المبالغ نتيجة الاشتراك في المبادرة 32 ألف جنيه، هل هذا يعقل؟».

وواصل: «أنا عملت شكاوى لأكثر من جهة منها الميل الشخصي لرئيس الجمهورية، والبنك المركزي، فالمفترض أن المبادرة لصالح الشعب نتيجة ظروف كورونا، وليس العكس».

وبدأت صرخات «الحاج عثمان» أحد الموظفين بجامعة بورسعيد، هو وكل زملائه في الارتفاع؛ نتيحة الأضرار التي ألحقت بهم من تحصيل البنوك فوائد على رصيد المديونية مقابل تأجيلها 6 أشهر.

وتابع: «أنا كنت بدفع القسط شهريًا، وفوجئت برسالة بالزيادة، ولما سألتهم قالوا لي: كنا بنشيل المبلغ في حسابك».

ويضرب طلعت عبد العليم، رئيس قسم الترقيات بجامعة الأزهر، «كفًا على كفٍ» من تطبيق المبادرة عليه؛ لأنه لم يتم إخطاره بأن المبادرة ستشمله بشكل تلقائي، وعليه التوجه إلى الفرع لإلغاء التطبيق.

وقال: «أنا كنت بأخد إيصال كل شهر، والقسط كان 538 جنيها، ودلوقتي بقى 594 جنيها لغاية القسط لسنتين قدام، يعني زيادة 1600 جنيه، يرضي مين ده!».

أما بالنسبة لـ«خالد سيد»، موظف بجامعة القاهرة، الذي لم يحصل على المتبقي من راتبه بعد الخصومات، قال: «دا أنا حجزوا على باقي مرتبي بعد ما خصموا قسط القرض بالفائدة، وفوقهم 600 جنيه فيزا مشتريات».

واستنكر المهندس، علي مصطفى، أحد المتضررين من ارتفاع نسبة الفوائد، بعدما وجد نفسه أمام أمر واقع بتأجيل دفع الأقساط طيلة فترة المبادرة.

وأضاف: «بعدين خدمة العملاء والكول سنتر في البنوك لم نجد منهم رد واضح، ونسألهم يقولوا هو دا النظام»، بحسب وصف علي.

وتابع: «البنك مزود عليا 32 ألف جنيه، مع أن إجمالي قسطي الشهري 7 آلاف جنيه في 6 شهور، وخدمة العملاء تقول ده سيستم».

دعوى ضد البنوك

وقال شوقي الشاذلي، أحد المتضررين، ومحام متبرع برفع دعوى ضد البنوك، حديثه عن الأزمة: «المبادرة ساعدت على مضاعفة الفائدة مرتين، وهو الأمر اللي ساعد على دبلرة الفوائد مرتين الأولى عند منح القرض والثانية عند انتهاء فترة تأجيل الأقساط»، بحسب وصفه.

وأضاف: «قرارات البنوك خالفت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، لاسيما وأنه كان يجب على البنوك احتساب الفائدة لجملة الأقساط المؤجل سدادها فقط لمدة الـ 6 أشهر».

ضغوط المقترضون، دفعهم إلى سلك الطريق القانوني بعدما فشلت المفاوضات الفردية والمناشدات عبر وسائل الإعلام، وبدأت خطة تحركهم بالشكاوى في الفروع الرئيسية للبنوك، وتلتها شكاوى في البنك المركزي، ثم إنذارات على يد مُحضر في المحاكم التابعة لها الفروع الرئيسية.

‏وغضب المتضروين من احتساب الفائدة على رصيد المديونية، والتي وصلت إلى 100%، جعلهم يفكرون في رفع دعوى بطلان عقد أو قضية تعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي ترتبت على الإجراءات، ولكن الأمر متوقف على تكاتف أكبر عدد من المتضررين لرفعها، على حد قولهم.

شكوى في البنك المركزي

وفي هذا السياق، قال يوسف زكي، أحد محامين المتضررين من قرار التأجيل، إنه تم رفع شكوى جماعية إلى البنك المركزي يوم الأحد الموافق 11 أكتوبر، وسيتم تصعيدها إلى النائب العام بعد ذلك».

وأضاف: «لو على رفع الفائدة إحنا مش معترضين على إننا ندفع فائدة الـ6 أشهر المتفق عليها في العقد مع ترحيلهم... ولكن معترضين أن فائدة بعد التأجيل المفترض تكون 11%، وهما يقروها على العميل 90%».

وتابع: «اللي حصل غير رحيم ولا ده قرار رئيس الجمهورية ولازم نأخد إجراءات سريعة وفورية قانونية ضد هذا الأمر».

جهل المواطن

وردًا على شكوى العملاء المتضررين، قال الدكتور فخري الفقي، عضو مجلس إدارة البنك المركزي، إن جهل المواطن وعدم وعيه بالتعامل مع الجهاز المصرفي، هو سبب الأزمة، لاسيما وأن المبادرة يتم تطبيقها بشكل تلقائي على كل أصحاب القروض، ويستثنى منها من طلب عدم الاستفادة منها.

وتابع: «المفروض البنوك ادت مهلة للعملاء اللي مش عايزين المبادرة بأنهم يقدموا طلب عدم الاستفادة منها، اللي ما قدمش شملته المبادرة بكل شروطها».

وواصل: «ما أثار غضب المقترضين اعتقادهم أن المبالغ المحصلة منهم هي غرامات، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، ما فيش حاجة اسمها غرامات، ما تمت إضافته فوائد المبالغ اللي تم تأجيل سدادها مدة الـ 6 أشهر».

لابد من الفائدة

بينما أكد عاكف المغربي، نائب رئيس بنك مصر، ضرورة وجود فائدة على التأجيل ولاسيما أن قيمة مبلغ القروض يتعدى 3 تريليونات جنيه، وبالتالي في حالة عدم إضافة فائدة على لمدة التأجيل 6 أشهر المُقررة في المبادرة، ستعلن جميع  البنوك إفلاسها.

وتابع: «البنك المركزي قال إن الأقساط تمتد لمدة 6 أشهر للأفراد والشركات عدا المتناهي، دون غرامات تأخير أو عمولات إضافية».

وأشار إلى أنه لما كانت الفائدة سارية وفقًا لتعليمات البنك المركزي، قررت بعض البنوك على رأسها بنك مصر، إلى ترحيل الفائدة، على أن تكون على إجمالي قيمة المبلغ المستحق على العميل وليس على قيمة القسط الشهري، والتي تختلف نسبتها ما بين 5% للشركات الصغيرة، وتتراوح ما بين 8 إلى 23.5% للقروض الشخصية، باختلاف البنوك».

واختتم عاكف المغربي حديثه، بأنه تخفيفًا على المقترضين، لجأ البنك إلى إجرائين الأول: زيادة قيمة القسط الشهري، والثاني: مد فترة السداد.

البنوك مجبرة 

وعلق الدكتور وائل النحاس، محلل أسواق المال، أزمة أصحاب القروض مع البنوك، قائلًا إن فكرة تأجيل القروض في مصر كانت خطأ منذ البداية؛ لأنه أثر بالسلب على الموازنة العامة للدولة، وتسبب في تراكمات لبعض التجار وأصحاب القروض.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن أزمة ارتفاع نسبة الفوائد على أصحاب القروض ليس لها حل، متابعًا: «البنوك أخذت الفائدة من العملاء مركبة؛ نتيجة تجميد مبلغ القروض خلال 6 أشهر».

وأِشار «النحاس»، إلى أن تراجع البنوك عن نسبة الفائدة شبه مستحيل، قائلًا: «لسبب أن هناك أموال مودعين تسدد لها فوائد، حيث إجمالي هذه الفوائد ما يقرب من 1.2 تريليون جنيه جنيه، إذا لم تحصلهم البنوك من أصحاب القروض كيف ستسدد للمودعين فوائدهم؟».

وأكد محلل أسوق المال، أن الإسراف في أخذ القروض والتوسع فيه أمر غير مستحب، وخاصة القروض الاستهلاكية، موضحًا أنه ستكون هناك صعوبة في استرجاع هذه الأموال إلى الجهاز المصرفي على المدى البعيد وخاصة مع استمرار أزمة كورونا.