من «الألف للياء».. قصة الخروج المُذل لـ«عبد اللطيف المناوى» من فضائية «الغد».. تقرير
لم يكن الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي يدرك في أكثر الحالات سوءًا أن يخرج «خروجًا مذلًا» من رئاسة فضائية «الغد» الإخبارية التي كان يتولى مسئولية إدارتها منذ انطلاقها في 2015، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وكتب «المناوي» الفصل الأخير في رئاسته لهذه القناة بيده، وكأنه «دبور وزن على خراب عشه».
منذ ما يقرب من أسبوعين، تسببت حملة إعلانية لفضائية «الغد» في ضجة كبيرة على موقعي التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، و«تويتر»، بعد أن ضمت تلك الحملة التي كانت تحت شعار «الصورة بكل الأبعاد»، «بنرات» كبيرة تحمل صورة على خامنئي، المرشد الأعلى لـ«الثورة الإيرانية»، وهو يلتقط صورة «سيلفي»، وكان هذا الإعلان تمهيدًا لبث فيلم «الإرهابي» الذي يهاجم سياسة «دولة الملالي» في المنطقة العربية.
وكرد على «تفكيك» وزارة الداخلية للحملة الإعلانية الخاصة بفضائية «الغد»، خرج الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي في تصريحات نقلتها عنه صحيفة «المصري اليوم» الخاصة، قال فيها: «إن البانر الدعائي للقناة الذي ظهر فيه على خامنئى، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والرئيس الترك رجب طيب أردوغان، جاء ضمن حملة إعلانية تنفذها القناة للمرة الثانية، وتعتمد فيها على أشخاص وأحداث؛ لرصد التفاصيل بشكل تعبيري مختلف من خلال الصورة، والقناة بريئة من الترويج للمرشد الإيراني وأردوغان».
وأضاف:«فكرة إعلان أردوغان عبرنا فيه عن أطماعه في استعادة عرش السلطان العثماني، وفي الخلف صورة عبدالله جولن، العدو الرئيسي له والصورة الثانية لخامنئي وتدل على الأطماع الإيرانية التي تستهدف السيطرة على منطقة الخليج.
وأوضح «المناوي»، أنه لم يكن يهدف للدخول في صدام مع أحد، ولكن الهدف الأساسي هو القيام بحملة إعلانية جاذبة للجمهور، لافتًا إلى أنه قدم في الحملة أفكاراً مبتكرة، وأنه يتبع مدرسة يحاول من خلالها تقديم صورة مختلفة، وجاذبة من خلال معطيات الأحداث.
لم يقتصر الرد على حديث الكاتب الصحفي «عبد اللطيف المناوي»؛ بل أصدرت فضائية «الغد» بيانًا قالت فيه «إن قوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية أزالت حملة إعلانية تابعة للقناة من شوارع القاهرة».
وقال البيان:«في سابقة هي الأولى من نوعها، نفذت قوات أمن تابعة لوزارة الداخلية حملة إزالة واسعة لرسائل إعلانية ضخمة لصالح قناة الغد الإخبارية».
أزمة «البنرات الإعلانية» التي دشنتها فضائية «الغد» لم تنته برد الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي على اللغط وسوء الفهم اللذان أحدثهما بنرات «خامنئي وأردوغان»، ولكن تطورت الأمور سريعًا داخل القناة التي قرر المسئولون عنها استبعاد «المناوي» من منصبه؛ بسبب المشاكل التي نشبت حول الحملة الإعلانية الأخيرة للقناة.
وكان المسئولون عن فضائية «الغد» يرون أن «المناوي» يمتلك من الخبرة الإعلامية ما كان يحميه من السقوط في «فخ الهجوم» الذي تعرضت له القناة بسبب الحملة الإعلامية التي رفعت صور «خامنئي وأردوغان»، منوهين إلى أن هذه الحملة تسببت في مشكلات كثيرة للفضائية الإخبارية، بعد حالة الغضب الجماهيري ضد القناة، واتهامات الترويج لـ«خامنئي».
بعد رحيل الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي من رئاسة «الغد»، تولت الإعلامية هنادي جابر، مسئولية إدارة القناة.
عندما انطلقت قناة «الغد»، دشن القائمون عليها موقعًا إلكترونيًا إخباريًا، وقالت مصادر لـ«النبأ»، إن عبد اللطيف المناوي استعان بأحد أصدقائه من جريدة «الأهرام» لرئاسة تحرير الموقع الإلكتروني للقناة.
وأضافت المصادر، أن هذا الصحفي جلب مجموعة من الصحفيين لتأسيس موقع إليكتروني ينافس به المواقع الإلكترونية المصرية، ولكن الممولين للقناة أخبروه أنهم لا يريدون موقعًا إخباريًا ينافس، ولكن موقع «الغد» ما هو إلا «نافذة إعلامية» للتخديم والدعاية للبرامج الإخبارية التي تبثها القناة.
وأشارت المصادر إلى أن رئيس تحرير الموقع لم يجد مفرًا سوى الاستقالة من المنصب، والعودة لجريدة «الأهرام» مرة أخرى.
في عام ،1981 أنهى «المناوي» ذلك الفتى الذي كان يمتلئ حماسة وحبًا لمهنة الصحافة حياته الدراسية، حصل على بكالوريوس الصحافة من «إعلام القاهرة»، وانطلق في دروب مؤسسة «الأهرام» العريقة، محررًا صغيرًا متدربًا، ولكن تلك الرحلة لم تكن طويلة، التحق الشاب بمجلة «الأهرام الاقتصادي»، وسريعًا انضم لنقابة الصحفيين عام 1984، ثم عمل مديرًا لتحرير جريدة «الشرق الأوسط» بالقاهرة، وتزوج من الإعلامية الشهيرة رولا مصطفى خرسا.
التحول الكبير في حياة «المناوي» بدأ مع «فورة» الحزب الوطني المنحل، وبزوغ نجم جمال مبارك في الحياة السياسية، وظهور مشروع التوريث رسميًا.
بين ليلة وضحاها، أصبح «المناوي» من رجال جمال مبارك المقربين، و أحد الأذرع الإعلامية لنظام مبارك؛ لاسيما بعد توليه مسئولية قطاع الأخبار بالتليفزيون، بدعم ورعاية من وزير الإعلام الأسبق «صفوت الشريف».
من هنا، تحول عبد اللطيف المناوي إلى «بوق إعلامي» للنظام السياسي الذي كان يسيطر على الحياة السياسية قبل اندلاع ثورة يناير، وكان يقدم برنامجًا أسبوعيًا ضخمًا إلى جانب نخبة من الإعلاميين والصحفيين الذين ظهروا بقوة في هذه الفترة السياسية، مثل الكاتب الصحفي عمرو عبد السميع الذي كان يقدم برنامح «حالة حوار»، والكاتب الصحفي عبد الله كمال «توفي منذ ما يقرب من عامين»، الذي كان رئيسًا لتحرير «روز اليوسف» الجريدة والمجلة، وأسامة سرايا، رئيس تحرير الأهرام وقتها، و ممتاز القط، رئيس تحرير «الأخبار» الأسبق.
لعب صفوت الشريف دورًا كبيرًا في تصعيد «المناوي» إلى رئاسة قطاع الأخبار، وفي نسج علاقاته مع رموز ورجال نظام «مبارك» الذي نجح «المناوي» في إجراء سلسلة من الحوارات معه.
مع اندلاع ثورة يناير، طالت التغييرات اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وضغط الثوار للخلاص من كل رجال «مبارك»، ومنهم عبد اللطيف المناوي، الذي كان يعتقد أن علاقاته بقيادات المجلس العسكري ستحميه من الخروج من رئاسة قطاع الأخبار، ولكن تحت ضغط الثوار، تمت الإطاحة به من المنصب قبل أن يلغي الفريق أحمد شفيق، أخر رئيس وزراء في عهد «مبارك»، وزارة الإعلام «نهائيًا».
لفترة طويلة، ظل «المناوي» بعيدًا عن الأحداث السياسية، واكتفى بكتابة المقالات في جريدتي «الأهرام» و«المصري اليوم»، ولكن مع اندلاع أحداث «30 يونيو»، والإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، وترشح عبد الفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة «رسميًا»، بدأ الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي رحلة الظهور الثانية له، من خلال الانضمام لحملة «السيسي» الانتخابية؛ حيث اعترف بمشاركته في الحملة بـ «شكل تطوعي»، مؤكدًا أنه «لن يتولى منصبًا رسميًا في الحملة»، ولكن الحقيقة أنه كان يتولى مسئولية الإشراف على اللجنة الإعلامية في الحملة الانتخابية.
تولى عبد اللطيف المناوي مسئولية فضائية «الغد» التي بدأ التخطيط لبثها بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم، وقيل وقتها إن تمويلها إماراتي بمشاركة القيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، وقائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، ثم خرج هؤلاء فيما بعد لنفي علاقتهم بهذه القناة.
وتعد «الغد»، أول قناة إخبارية عربية تنطلق من القاهرة وتقدم تغطية إخبارية وتحليلية شاملة للمشاهد العربي حول العالم.