الصفعة.. وفاة «صفقة القرن» على يد «السيسي» و«سلمان»
منذ وصول الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في
الولايات المتحدة الأمريكية في بداية 2017، والحديث عن ما يسمى بـ«صفقة القرن» لحل
الصراع العربي الإسرائيلي لم يتوقف، لاسيما بعد توقيع الرئيس الأمريكي على مرسوم
يفضي بنقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وقد
رفضت كل من مصر والسعودية القرار الأمريكي بشدة في حينه.
فقد أعربت مصر عن استنكارها للقرار الأمريكي، ورفضها لأية آثار
مترتبة عليه، وأكدت الخارجية المصرية في بيان لها على أن اتخاذ مثل هذه القرارات
الأحادية يعد مخالفاً لقرارات الشرعية الدولية، ولن يغير من الوضعية القانونية
لمدينة القدس باعتبارها واقعة تحت الاحتلال، وعدم جواز القيام بأية أعمال من شأنها
تغيير الوضع القائم في المدينة.
وأعرب بيان وزارة الخارجية عن قلق مصر البالغ من التداعيات المحتملة لهذا
القرار على استقرار المنطقة، لما ينطوي عليه من تأجيج مشاعر الشعوب العربية
والإسلامية نظرا للمكانة الروحية والثقافية والتاريخية الكبيرة لمدينة القدس في
الوجدانين العربي والإسلامي، فضلا عن تأثيراته السلبية للغاية على مستقبل عملية
السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تأسست مرجعياتها على اعتبار أن
مدينة القدس تعد أحد قضايا الوضع النهائي التي سيتحدد مصيرها من خلال المفاوضات
بين الأطراف المعنية.
كما أصدر الديوان الملكي السعودي بياناً عبر فيه عن استنكار المملكة
وأسفها الشديد للقرار الأميركي بشأن القدس لما تمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب
الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس.
وتابع بيان الديوان الملكي: «إن هذه الخطوة وإن كانت لن تغير أو تمس
الحقوق الثابتة والمصانة للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة، ولن
تتمكن من فرض واقع جديد عليها، إلا أنها تمثل تراجعا كبيرا في جهود الدفع بعملية
السلام».
واختتم البيان:«المملكة تؤكد على أهمية إيجاد حل عاجل ودائم للقضية
الفلسطينية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة والمبادرة العربية، ليتمكن الشعب
الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة».
ومنذ أيام قليلة أكدت صحيفة «القبس» الكويتية على أن الإدارة الأمريكية فشلت في الحصول على تأييد مصر والسعودية لدعم ما يسمى بـ«صفقة القرن».
ونقلت الصحيفة عن مصادر فلسطينية مطلعة قولها، إن مصر والسعودية
أبلغتا الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضهما لاقتراح أمريكي بعقد مؤتمر إقليمي في
القاهرة أو الرياض لإطلاق «صفقة القرن» منهما، كما أبلغتا واشنطن عدم تأييدهما
للصفقة بوضعها الحالي، في ضوء الرفض الفلسطيني الشديد لها، وطالبتا بإجراء تعديلات
جوهرية عليها.
وأضافت المصادر للصحيفة الكويتية، أن الإدارة الأمريكية التي فشلت في
كسب تأييد أهم حليفين عربيين لها في المنطقة لدعم «صفقة القرن»، خاصة فيما يتصل
باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، تعكف على إجراء تعديلات تسمح
بإعادة تعريف حدود القدس، من خلال ضم بعض أحياء القدس المكتظة بالسكان
الفلسطينيين، إلى البلدات الواقعة شرق المدينة، كي تقام عليها العاصمة الفلسطينية
العتيدة، على أن يتم تدويل البلدة القديمة التي تقع فيها مقدسات الديانات السماوية
الثلاث، بما يسمح بحرية الوصول والعبادة لإتباعها.
رغم هذا الموقف المعلن والواضح من أكبر دولتين عربيتين تجاه القدس
والقرار الأمريكي، إلا أن المزاعم عن تواطئهما مع الإدارة الأمريكية بشأن القدس لم
تتوقف طوال الفترة الماضية، حتى جاءت القمة العربية الأخيرة التي عقدت في مدينة
الظهران السعودية لتضع النقاط فوق الحروف، وتكشف كذب هذه الادعاءات، وتؤكد على
موقف البلدين التاريخي من القدس والقضية الفلسطينية.
حيث أكد البيان الختامي للقمة على بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي
بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والتأكيد على أن القدس ستبقى عاصمة فلسطين
العربية، والتحذير من اتخاذ أي إجراءات من شأنها تغيير الصفة القانونية والسياسية
الراهنة للقدس، باعتبار أن ذلك سوف يؤدي إلى تداعيات مؤثرة على الشرق الأوسط
بأكمله.
كما تمسك القادة العرب بجميع بنود مبادرة السلام العربية التي طرحتها
المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، والتي تنص على ضرورة إنهاء
الصراع العربي الفلسطيني على أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية
المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 م وعاصمتها القدس الشرقية.
كما عبر القادة العرب، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك
سلمان بن عبد العزيز، عن رفضهم لكل الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تهدف
إلى تغيير الحقائق على الأرض وتقويض حل الدولتين، ومطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ
جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس، والمؤكدة علي بطلان كافة الإجراءات الإسرائيلية
الرامية لتغير معالم القدس الشرقية ومصادرة هويتها العربية الحقيقية، ومطالبة دول
العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري
للشئون الخارجية حلل أهم قرارات القمة العربية الأخيرة، وخاصة القرارات المتعلقة
بالقدس الشريف، والتي أثارت الكثير من الجدل.
قال «حسن»، أن القمة العربية التي عقدت في الظهران السعودية لم تنجح
في تحقيق المأمول منها، وعلى رأسه تحقيق الوفاق العربي وإنهاء حالة الفرقة التي
تعيشها الدول العربية، لاسيما في ظل وجود دول لها وزن سياسي كبير مثل مصر
والسعودية، مشيرا إلى أن القمة استخدمت ما يعرف بـ«الذكاء السياسي»، من خلال إبراز
الملف الفلسطيني الذي يحظى باهتمام الرأي العام العربي والعالمي، لاسيما بعد
الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل وإخراجها من المفاوضات، ومسيرات العودة
الكبرى في قطاع غزة، للتغطية على الفرقة العربية.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق لـ«النبأ»، أن القمة قدمت دعما
سياسية كبيرا للقضية الفلسطينية، منه إطلاق اسم «قمة القدس» عليها، ورفض القرار
الأمريكي الخاص بنقل السفارة الأمريكية
واعتباره مخالفا للشرعية الدولية، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في
إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، بناء على المبادرة العربية التي تم
طرحها في قمة بيروت عام 2002، مشيرا إلى أن موضوع القدس غطا على كل الملفات
الأخرى، وخاصة الملف السوري، لافتا إلى أن الدولة الوحيدة التي تحدثت عن الأزمة
السورية بوضوح وصراحة هي مصر، منوها أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تناول الملف
السوري بتوازن ووضوح، عندما رفض العدوان الثلاثي، ورفض استخدام الأسلحة الكيماوية،
لاسيما وأن مصر موقفها ثابت من استخدام الأسلحة الكيماوية، فهي ترفض استخدام هذه
الأسلحة بأي شكل من الأشكال.
وتابع عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن قرارات القمة العربية
المتعلقة بالقدس وفلسطين أكدت على أن صفقة القرن التي كان يتم الحديث عنها طوال
الفترة الماضية مجرد «حمل كاذب»، مشيرا إلى أن كل ما تسرب عن هذه الصفقة تم رفضه
من الفلسطينيين والدول العربية ، وفي مقدمتها مصر والسعودية، وكلها كانت بالونات
اختبار، لافتا إلى أن كل قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إسرائيل تؤكد
على أنه ليس في نيته مخالفة الإسرائيليين.