الطريق لعزل «ترامب»
منذ وصوله إلى سدة الحكم، في 20 يناير 2017، يواجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتهامات مختلفة؛ كان أبرزها فوزه بالانتخابات ممثلاً عن الحزب الجمهوري، أمام غريمته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، حيث تفيد تقارير بوجود خروقات في الانتخابات، وتدخل روسي لصالح فوز ترامب.
وزادت مخاطر عزله بعد إدانة مدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت
بالاحتيال، واعتراف محاميه الشخصي السابق، مايكل كوهين، بخرق قوانين تمويل الحملات
الانتخابية.
وأخيرا اتهمت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، رئيس الولايات
المتحدة، دونالد ترامب، بالتورط في "عملية تستر" و"عرقلة لتحقيق العدالة"،
في تجاوز قد يصل حد إعلان عزله.
وقالت بيلوسي، في تصريح أدلت به، اليوم الأربعاء، خلال فعالية لمركز التقدم
الأمريكي: "يكمن الأمر في أن هذا الرئيس (ترامب)، وحسب الرؤية العامة في المجتمع،
يعرقل تحقيق العدالة وهو متورط في عملية تستر، ما يمكن أن يمثل تجاوز يصل حد العزل".
وقبل ذلك، أعلنت بيلوسي، التي تعتبر زعيمة للديمقراطيين في الكونغرس،
بعد اجتماع مع مجوعة أعضاء المعسكر الديمقراطي: "لا أحد فوق القانون بمن في ذلك
رئيس الولايات المتحدة. ونعتقد بأنه متورط في عملية تستر".
ورغم اتهامها ترامب بإخفاء معلومات فإن بيلوسي
لفتت إلى أن اتخاذ خطوة لبدء إجراءات عزل الرئيس قبل انتخابات 2020 تحمل مخاطر سياسية،
خاصة أن مثل هذه الخطوة لن تمر في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون.
وقالت إنها تفضل مواصلة التركيز على تثقيف عامة
الناس من خلال المحاكم وتحقيقات الكونغرس "لتوصيل الحقيقة والواقع إلى الشعب الأمريكي"،
بدلاً من القفز إلى عزل الرئيس.
من جانبه، نفى ترامب هذا الادعاء بشدة، متهما الديمقراطيين وخاصة زعمائهم
في الكونغرس، بالسعي لتقسيم الولايات المتحدة، ناصحا إياهم بالعمل على وضع القوانين
بدل التركيز على "اصطياد الساحرات".
وألغى ترامب، على خلفية هذا التوتر، اجتماعا مع الديمقراطيين حول مشروع
الميزانية للبنية التحتية الأمريكية.
ويخوض الديمقراطيون الذين يسيطرون على مجلس النواب صراع قوة مع ترامب،
بشأن مدى قدرتهم على التحقيق معه في الوقت الذي يماطل فيه الرئيس في المثول للتحقيق
أمام لجان بالكونغرس في عدد من القضايا.
وتتعلق التحقيقات بشبهة عرقلة ترامب لسير العدالة خلال تحريات المحقق
الخاص، روبرت مولر، بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وأيضا التحقيق في أمواله
وشركاته.
وتصاعدت طلبات الديمقراطيين بمساءلة ترامب، يوم الأربعاء، بعد أن تجاهل
المستشار في البيت الأبيض، دون مكغاهن، طلب استدعاء يوم الثلاثاء من اللجنة القضائية
بالمجلس للمثول أمامها للشهادة.
وبحسب القوانين الأمريكية، يستطيع مجلس النواب إعلان عزل رئيس الولايات
المتحدة في حال ثبوت انتهاكاته وتأكيد ذلك من قبل مجلس الشيوخ، لكن تاريخ البلاد لم
يشهد بعد سابقة من هذا النوع.
أخطاء قاتلة
ومن خلال تتبّع الصحافة الأمريكية يتضح أنها سجّلت على ترامب سلسلة من
الأخطاء التي ارتكبها، وخالف بها الأعراف والتقاليد السياسية والاجتماعية والبروتوكولية
التي لم يقع بها أسلافه، إلى جانب أخطاء في الممارسة السياسة وطريقة اتخاذ القرارات.
أول هذه الأخطاء وصفه دول العالم الثالث بـ"الدول القذرة"،
في اجتماع حول الهجرة مع أعضاء مجلس الشيوخ، في يناير 2018، وهو ما أثار ضجّة وردود
فعل واسعة ضده.
استخدام ترامب لموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" للإعلان عن
الكثير من قراراته وسياساته من الأمور المستغربة التي لم يُقدم عليها أي من الرؤساء
السابقين، فضلاً عن الساسة الأمريكيين البارزين.
فضلاً عن هذا نشر ترامب الكثير من التغريدات التي تحمل هجوماً حاداً على
مسؤولين سابقين وصف بعضهم بـ"الكلب"، ووصف الممثلة ستورمي دانيالز بـ"وجه
الحصان".
الأمريكيون بدورهم وجّهوا الكثير من النقد لرئيسهم؛ بسبب إظهاره عدم حبّه
للسيناتور جون ماكين، بعد انتشار نبأ وفاته، في 25 أغسطس 2018، حيث منع مسؤولي البيت
الأبيض من نشر بيان يُشيد بالبطولات التي حققها في خدمة أمريكا.
ومن وجهة نظر الصحافة الأمريكية كان عليه أن يتعامل مع وفاته بطريقة مشرّفة
تتناسب مع منصبه كرئيس للولايات المتحدة، وتتناسب مع مكانة ماكين، الذي يعتبره الأمريكيون
أحد أبطالهم.
إهانة ترامب لمؤسسة الاستخبارات الأمريكية في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي،
فلاديمير بوتين، في يوليو 2018، كانت خطيئة كبيرة من وجهة نظر الساسة الأمريكيين، إذ
قال رداً على سؤال عن التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية: إن "الرئيس
بوتين يقول إن روسيا لم تقم بذلك، ولذا ليس لدي أي سبب لاتهامهم بذلك".
وكانت الاستخبارات الأمريكية وجّهت أصابع الاتهام لـ12 من ضباط المخابرات
الروسية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2016.
وانتقد سياسيون بارزون في الولايات المتحدة التصريحات ودفاع ترامب عن
موسكو، وعبّر قادة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن صدمتهم بسبب التشكيك في دقّة
ما قالته وكالات الاستخبارات الأمريكية.
على الصعيد الخارجي اعتُبر تعامل ترامب مع قضية مقتل الصحفي السعودي،
جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، أكتوبر 2018، غير متوافق مع
القيم الأمريكية؛ حيث ظهر كمحامٍ للسعودية، يدفع عن ولي عهدها محمد بن سلمان التهم،
وكان أول من نسب القتل إلى من وصفهم بـ"المارقين"، مستبقاً الحكومة السعودية
في دفع تهمة القتل عن قياداتها العليا.
من جهة أخرى أثار الانسحاب من سوريا وأفغانستان صدمة مراقبين ومحللين
أمريكيين، إذ اعتبروا القرار من أكبر الأخطاء التي ارتكبها ترامب عام 2018؛ على اعتبار
أنه يصبّ في مصلحة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وحلفائة الإيرانيين، وفي مصلحة
حركة طالبان، الطرف الأقوى في أفغانستان، التي يرجَّح أنها ستسيطر على الحكم بعد خروج
القوات الأجنبية.
أسباب تدعو للعزل
ازداد خطر العزل على الرئيس الأمريكي بعد انتخابات الكونغرس، في نوفمبر
الماضي، حيث تمكّن الديمقراطيون من الحصول على غالبية المقاعد في مجلس النواب، وقال
عضو الكونغرس من الحزب الديمقراطي، آدم شيف، إن الرئيس الأمريكي قد يواجه عقوبة السجن
بسبب جرائم فيدرالية.
وذكرت قناة "سي إن إن"، في ديسمبر الماضي، أن ترامب يخشى عزله
من السلطة بعد حصول الديمقراطيين على الغالبية.
وما يزيد من احتمالات عزله تأكيد الاتهامات الموجّهة إليه حول دفعه أموالاً
لشراء صمت النساء اللواتي كان على علاقة معهن.
بالإضافة إلى هذا فإن شبهة علاقة ترامب بموسكو ما زالت قيد التحقيق، وقد
أعلن أندرو ماكيب، الذي يتولى بالوكالة رئاسة "إف بي آي"، الأحد (17 فبراير
الماضي)، لقناة "سي بي إس" الأمريكية، أن مساعد وزير العدل حينها، رود روزنشتاين،
كان قلقاً جداً بشأن الرئيس وقدراته ونواياه.
وأضاف أنه كان شخصياً "قلقاً جداً لمستقبل التحقيق الدقيق حول شبهات
التواطؤ بين موسكو وفريق حملة ترامب، في 2016"، مشيراً إلى "محاولة روزنشتاين
عزل ترامب استناداً إلى الدستور الأمريكي".
وكان الرجل الثاني في وزارة العدل سيعتمد على التعديل الذي أُدخل على
المادة 25 من الدستور الأمريكي عام 1963.
هذا التعديل يتيح عزل الرئيس قبل انتهاء ولايته، في حال أبلغ "نائب
الرئيس وغالبية الموظفين الرئيسيين في الوزارات التنفيذية، أو أعضاء هيئة أخرى يحددها
الكونغرس بقانون، رئيس مجلس الشيوخ المؤقت ورئيس مجلس النواب، تصريحهم الخطّي بأن الرئيس
عاجز عن القيام بسلطات ومهام منصبه".
العزل في الدستور
وبموجب الدستور الأمريكي، يمكن عزل الرئيس في حال أُدين بالخيانة أو الرشوة
أو جرائم كبرى أخرى.
ويتطلّب العزل أن يصوّت مجلس النواب بالأغلبية، بعد تصويت بأغلبية الثلثين
في مجلس الشيوخ، ولم يحدث أن عُزل أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.
لكن هذا المصير هدّد عدداً من الرؤساء، ومنهم الرئيس الديمقراطي آندرو
جونسون؛ بسبب عزله وزير الحزب الجمهوري إدوين ستانتون، بعد الحرب الأهلية، دون موافقة
من الكونغرس، وهو ما اعتُبر انتهاكاً للقانون الفيدرالي.
ونجا جونسون، في تصويت مجلس الشيوخ عام 1868، حين صوّت ضده 35 نائباً
مقابل 19، وكان عزله يتطلّب 36 صوتاً.
وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، وبعد الكشف عن فضيحة "ووتر غيت"،
وتورّط الرئيس ريتشارد نيكسون في التجسس على الديمقراطيين، وفي محاولة منه لإنقاذ نفسه،
أقال نيكسون المحقّق في القضية، أرشيبالد كوكس، وهو ما أدى إلى رد فعل عكسي جعل عزل
نيكسون أمراً حتمياً، ما دفعه إلى الاستقالة تجنّباً لهذا المصير.
في عام 1998، استُخدمت إجراءات العزل ضد الرئيس بيل كلينتون؛ بسبب كذبه
في فضيحة مونيكا لوينسكي، وصوّت مجلس النواب لصالح عزل كلينتون، لكن الديمقراطيين نجحوا
في إنقاذه بمجلس الشيوخ.
وصِيغ قانون العزل في الدستور الأمريكي بميثاق "فيلادليفيا"
عام 1787، بناءً على اقتراح بنجامين فرانكلين، أحد أهم وأبرز مؤسسي الولايات المتحدة؛
كطريقة للإطاحة بالرؤساء المكروهين.
في سبتمبر 2018، قال استطلاع للرأي، إن 60% من الأمريكيّين لا يُوافقون
على أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبأنّ نصفهم تقريبًا يؤيّدون فكرة عزله.
وحسب الاستطلاع، الذي أجرته صحيفة (واشنطن بوست) و(إيه بي سي نيوز)، فإنّ
36% فقط من الأمريكيين، يوافقون على أداء ترامب في البيت الأبيض.
وشمل الاستطلاع الجديد 1003 أشخاص بالغين، في الفترة الممتدة بين 26 و29
آب/ أغسطس، كما اعتبر 49% من المستطلعين أنّ الكونغرس يجب أن يُطلق عمليّةً لعزل ترامب،
بينما قال 46% إنهم سيعارضون ذلك.
وعبّر 53% من المستطلعين عن اعتقادهم بأنّ الرئيس الأمريكي عرقل سير العدالة
بمحاولته التدخّل في التحقيق الذي يُجريه المدعي الخاص روبرت مولر حول وجود تواطؤ محتمل
بين روسيا وفريق حملة ترامب الانتخابية.
في المقابل، اعتبر 35% من الأمريكيّين، أنّ الرئيس لم يسع إلى التدخّل
في هذا التحقيق، وقال 63% من الذين شملهم الاستطلاع إنهم يدعمون التحقيق الذي يُجريه
مولر، بينما أبدى 29% معارضتهم له.
ووفقًا للاستطلاع نفسه، فإنّ الأرقام أفضل بالنسبة إلى ترامب في ما يتعلّق
بالاقتصاد، ذلك أنّ 45% من المستطلعين يؤيدون إدارته للاقتصاد (45% لا يؤيّدونها).
وتختلف شعبية الرئيس الجمهوري بشكل كبير حسب التوجهات السياسية: 78% من
الجمهوريين يوافقون على أدائه، في حين يُعارضه 93% من الديمقراطيين و59% من المستقلين.
في آخر استطلاع للرأي أجرته واشنطن بوست و(إيه بي سي نيوز) في نيسان/ أبريل، وافق 40% من الأمريكيين على أداء ترامب، بينما عبّر 56% منهم عن رفضهم لهذا الأداء.
المصدر: وكالات+ روسيا اليوم+ الخليج أونلاين