عملية حرق «10» وزراء فى حكومة مصطفى مدبولى
وسط الحديث عن ضرورة إجراء «إصلاحٍ سياسي» بعد المظاهرات المحدودة جدًا التى خرجت فى عدة مناطق فى الـ«20» من الشهر الماضي، ظهرت مطالبات جدية بضرورة إجراء تغييرٍ حكومي؛ لامتصاص الغضب المكتوم والكامن فى صدور ملايين المواطنين؛ خاصةً مع توجيه انتقاداتٍ لعدد من الوزراء فى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى.
من أبرز من تحدثوا عن هذا الأمر، الكاتب ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم»، والصحفى المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي قال فى لقاءٍ تليفزيوني: «إنّ مصر فى حاجة إلى حكومة يغلب عليها الوزراء السياسيون ومجموعة اقتصادية قوية».
وربما يكون حديث «رزق» تمهيدًا لإجراء تغييرٍ حكومى حتى ولو كان محدودًا؛ لاسيما أن رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم» قريب من دوائر صنع القرار، ولا يُقدم على إعطاء هذا التصريح إلاّ بالاستناد إلى معلومة من «مطبخ» القرارات الرئاسية، فضلًا عن أنّ «ماكينة» التغيير الحكومى «دارت» بشدة خلال الأيام الماضية.
عند الحديث عن الحكومة وأدائها، لابدّ أن نبدأ برئيس مجلس الوزراء وهو الدكتور مصطفى مدبولى، فقد مثّل اختياره فى هذا المنصب خلفًا للمهندس شريف إسماعيل، تطبيقًا عمليًا لوجهة نظر الرئيس عبد الفتاح السيسي فى اختيار «رئيس الحكومة»، وهي التي تعتمد على اختيار «المسئول الفنى» المتخصص أكثر فى مجاله، والذى يمتلك حلولًا سريعةً للأزمات بناءً على قاعدة معلوماتٍ دقيقةٍ؛ خاصةً أنّه لا وقت لتجريب «الوزراء السياسيين» الذين تكون طريقة عملهم تعتمد على «المستقبليات» أكثر، بمعنى أقرب الاعتماد على الحلول البعيدة المدى أو التى تعتمد على «المغامرة والتجريب»، وهى نفس الطريقة التي اتُبعت فى تعيين المهندس إبراهيم محلب، والمهندس شريف إسماعيل فى رئاسة الحكومة.
لكنّ تعيين «مدبولى» فى هذا المنصب لم يسلم من النقد؛ خاصة أنّ كثيرين يرون أنّ نجاحه فى «ملف الإسكان» لا يعنى النجاح فى رئاسة الحكومة، ويطالب البعض بتعيين «شخصية اقتصادية» أو سياسية فى هذا المنصب، فضلًا عن أنّ هذا المنصب الرفيع كبير على «مدبولى» المتخصص أساسًا فى الإنشاءات، وهى وجهة النظر التي طُرحت بعد المظاهرات المحدودة التى شهدها الشارع مؤخرًا.
أما أعضاء الحكومة نفسها، فمنهم «10» وزراء تتعالى صيحات الغضب ضدهم، بحجة أنهم «اتحرقوا» ويجب تغييرهم.
على رأس قائمة هؤلاء: علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية؛ بسبب التخبط الشديد فى الملف الخاص بحذف المواطنين من البطاقات التموينية طبقا لفئات حددتها الوزارة، لدرجة أنّ «السيسي» نفسه خرج وطمأن المواطنين المدرجين بمنظومة الدعم التمويني، بأنه يتابع إجراءات تنقية البطاقات بنفسه.
وكتب الرئيس السيسي عبر صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك»: «في إطار متابعتي لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودي الدخل فإنني أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها».
وأضاف الرئيس: «أقول لهم اطمئنوا لأنني أتابع بنفسي هذه الإجراءات وأؤكد لكم أن الحكومة ملتزمة تمامًا باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء وفي إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة».
وتدخل الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، فى قائمة «الوزراء المغضوب» عليهم؛ بسبب أزماتها مع العاملين فى القطاع الصحى والصيادلة، وكذلك الدكتورة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، التي هوجمت بشدة بعدما نشر صحفي مصري في كندا على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، مقطعًا مصورًا ظهرت فيه «مكرم» وهي تتحدث إلى الجالية المصرية في كندا، قائلة: «لأننا ما عندناش غير بلد واحدة مصر اللى بتضمنا كلنا، ومصر اللي بتقربنا كلنا، ومهما اتغربنا ومهما روحنا وجينا، هتفضل البلد دي ساكنة في قلبنا، ومنستحملش ولا كلمة عليها، أي حد يقول برة كلمة على بلدنا.. يتقطع».
وفى القائمة أيضًا: الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، خاصةً مع وجود انتقاداتٍ وتخبطٍ شديدٍ فى الملف الخاص بـ«النظام التعليمي الجديد»، وتصريحه بأن ضعف التمويل الخاص يُعيق تنفيذ هذا النظام.
وكذلك الدكتور عز الدين أبو ستيت، وزير الزراعة؛ لوجود مطالب برلمانية بضرورة «تجديد الدماء» فى هذه الوزارة.
أما الدكتورة رانيا المشاط، وزير السياحة، فظهر حديث، خلال الفترة الماضية، عن ترشيحها لمنصب حكومي رفيع، وفى هذه الحالة فمن الممكن أن تغادر «الحكومة».
ومن الأسماء الأخرى التي يمكن الإطاحة بها: الدكتور محمد عبد العاطى، وزير الموارد المائية والرى، لاسيما بعد فشل المفاوضات الخاصة بـ«سد النهضة»، وكذلك الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة للبيئة، ووزير الاتصالات عمرو طلعت، ووزير الصناعة والتجارة عمرو نصار.
بدوره، أكدّ اللواء محمد غباشى، القيادي فى حزب «حماة الوطن»، أنّ البلد يمر بظروفٍ خاصةٍ، وهناك العديد من الجهات المعادية التى تتربص بالوطن، فضلًا عن التحديات الأمنية والاقتصادية، مشيرًا إلى أنّه يجب أن يكون الأشخاص الذين يتولون المسئولية فى الحكومة لديهم «وعى سياسي»، أو سياسيون يمتلكون خبراتٍ بالوزارات التى يديرونها مثل «التعليم» و«الصحة» وغيرها من الحقائب.
وقال «غباشى» لـ«النبأ» إنّ هناك وزراء من أصحاب الخبرات العلمية، يُدلون بتصريحاتٍ ليست مناسبةً للظروف السياسية التى يمر بها الوطن، مضيفًا أنّه لابد من عودة «وزارة الإعلام»؛ لأنّ هذا الملف يحتاج إلى شخصٍ متابعٍ للأحداث، ولديه القدرة على إدارة الأزمات، لاسيما أنّ الإعلام المصري يجب أن يواجه الحملات الخارجية التى تُشن ضد الدولة المصرية.
وأشار القيادي في حزب «حماة الوطن» إلى أنّ الدكتور مصطفى مدبولى «شخص طموح»، لافتًا إلى أنّ رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي هو صاحب قرار اختيار أو تعيين «شخصية سياسية» فى رئاسة الحكومة، وأنّ هذا الأمر يُحدد طبقًا للظروف التى تمر بها الدولة.
فى نفس السياق، أكد اللواء عبد الرافع درويش، رئيس حزب «فرسان مصر»، أنّ الدولة في حاجة إلى حكومة سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي حاجة إلى وزراء سياسيين، بحيث لا يقتصر الكلام في السياسة على رئيس الجمهورية فقط، كما أن هناك حاجة إلى حكومة تتمتع بالشفافية وطرح المشاكل والحلول مع الشعب والتواصل معه.
وأضاف «درويش» لـ«النبأ» أنّ الحكومة السياسية مهمة جدا لمصر في هذا الوقت بالذات، لاسيما وأن الشرق الأوسط يموج بالمتغيرات الخطيرة، وبالتالي مصر في حاجة إلى حكومة تشتبك مع كل الملفات السياسية المهمة الداخلية والخارجية، حكومة تعمل على تقوية العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وتعمل على استيعاب قطر وتركيا وإيران وضمهم لصالح مصر، والتعاون معهم في محاربة الإرهاب، من أجل الحد من خطورتهم على الأمن القومي المصري، نحتاج إلى حكومة تعمل على حل المشاكل مع الدول بالطرق السياسية، حكومة تعمل على تهدئة الأجواء بين مصر وبعض الدول العربية والإسلامية.
وشدد رئيس حزب «فرسان مصر»، على ضرورة أن يكون هناك حكومة تضع العدالة الاجتماعية على رأس أولوياتها، لاسيما وأن هذا الملف غائب عن الحكومة الحالية، وبالتالي مصر في حاجة إلى حكومة تركز على العدالة الاجتماعية والاهتمام بقضايا الشباب وتنمية الهوية الوطنية لدى الشباب، من أجل مكافحة الإرهاب.
وأشار إلى أن السبب الرئيسي في ارتماء الشاب في أحضان الجماعات الإرهابية هو غياب العدالة الاجتماعية وعدم تأهيل الشباب فكريا وعسكريا وعدم الاهتمام بقضايا الشباب.
ولفت إلى أن الهوية الوطنية غير موجودة بشكل كافٍ بسبب غياب العدالة الاجتماعية، وبالتالي مصر في حاجة ملحة إلى حكومة تهتم بالفقراء ومحدودي الدخل، مثلما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما قام بتمليك المصانع للعمال وتوزيع الأراضي الزراعية على الفقراء، لاسيما وأن 40% من الشعب المصري الآن تحت خط الفقر وأغلبهم من الطبقة المتوسطة التي تقاس بها قوة الدولة وقوة الأمة.
ولفت رئيس حزب «فرسان مصر» إلى أنّ إشراك الشعب والشفافية في حل مشكلات البلد يمثل حائط صد أمام الإرهاب، كما يمنع المظاهرات، ويمنع التشكيك في الحكومة والدولة، مشيرا إلى أن عدم وجود تواصل بين الحكومة والشعب يؤدي إلى وجود حاجز بينهما، وانتشار الشائعات، وعدم تصديق الإعلام المصري، وعدم تصديق الحكومة، وتصديق الإعلام الخارجي.
ولفت «درويش» إلى أنّ الوزارة القادمة تتطلب وجود وزير ري سياسي يتكلم ويقول الحقيقة للشعب ويشارك الشعب في أي قرار يتم اتخاذه بخصوص هذا الملف الحيوي والهام بالنسبة لمصر والشعب المصري، مؤكدا على أن مصر في حاجة إلى حكومة تكون قادرة على القضاء على الفساد، وهذا يحتاج إلى الشفافية.
من ناحيته، يقول المستشار يحيي قدري، القيادي السابق في حزب «الحركة الوطنية المصرية»، إنه يؤيد تشكيل حكومة ذات «حس سياسي» الفترة المقبلة، مشددا على ضرورة أن يكون رئيس الوزراء سياسيا من الطراز الأول، حتى يكون قادرًا على التعامل مع كل الملفات والقضايا المهمة والشائكة، ويكون قادرًا على اختيار وزراء يتمتعون بـ«الحس السياسي»، وهذا مطلب ملح تحتاجه مصر الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن عدم وجود أحزاب سياسية لها ثقل سياسي في الشارع المصري يصعب من مهمة تشكيل حكومة سياسية.
وأكدت الدكتورة مارجريت عازر، عضو مجلس النواب، أنها ليس لديها علم عن وجود تعديل وزاري مرتقب، لكنها مع فكرة ضرورة وجود «وزراء سياسيين» الفترة المقبلة، مؤكدة أن مصر تحتاج إلى هؤلاء، مشيرة إلى أن «الوزير السياسي» يستطيع التواصل مع الشارع ويستطيع صياغة القرارات المناسبة في الوقت المناسب، مشددة على ضرورة وجود مجلس استشاري من السياسيين للرئيس، يضم ساسة من كل التيارات وأعضاء محتكين بالشارع ويعرفون مشاكل الشارع.
وعن تقييمها لأداء الحكومة الحالية بقيادة الدكتور مصطفى مدبولي، قالت عازر إن الحكومة الحالية كلها «تكنوقراط» وليست حكومة سياسية، لكنها ارتكبت الكثير من الأخطاء التي جعلت الشارع المصري غير راضٍ عنها، مشددة على ضرورة أن يكون لدى الوزير القادم إستراتيجية لتنفيذ خطط الدولة بما يرضى الشارع المصري، مؤكدة على أن وزيرة الصحة الحالية تفتقد للرؤية السياسية، وتفتقد الذكاء السياسي في التعامل وفي صياغة الموضوعات، كما أن وزير التربية والتعليم الحالي الدكتور طارق شوقي لديه إستراتيجية طويلة المدى، والشعب غير قادر على استيعابها.