المدارس والطلاب.. الأمانة أولًا
سنكتشف فى القريب العاجل أن تداعيات فيروس كورونا لا تتوقف فقط على الأمراض التى تصيب جسم الإنسان، ولكنها ستؤدى إلى تراجع المستوى العلمى والتعليمى لغالبية سكان العالم، والسبب عدم قدرة التلاميذ والطلاب على اللقاء المباشر والتفاعل الإنسانى الطبيعى مع معلميهم وأساتذتهم.
نتذكر أن الحكومة قررت إنهاء الموسم الدراسى الحالى فى نهاية إبريل الماضى لسنوات النقل من رياض الأطفال حتى الصف الثانى الثانوى باستثناء الشهادتين الإعدادية والثانوية، بسبب تزايد إصابات كورونا. وبالفعل انعقدت الامتحانات فى ٢٦، ٢٧، ٢٨ إبريل الماضى، وبعدها بدأت الإجازة الصيفية.
بعض التلاميذ فرحوا بهذا القرار بوهم أنه سيحررهم من قيود المدرسة والمذاكرة والاستيقاظ المبكر، وهم لا يعلمون أنهم سيدفعون ثمن ذلك باهظا فى المستقبل من مستواهم العلمى والتعليمى.
فى اليوم التالى لصدور القرار، فوجئت زوجتى باتصال من المدرسة التى تتعلم فيها ابنتاى الصغيرتان، الأولى فى الصف الرابع الابتدائى والثانية فى الصف السادس يخطرها بأن المدرسة قررت استكمال الموسم الدراسى عبر التعليم عن بعد أو «الأونلاين». احترامى لهذه المدرسة وأصحابها والمشرفين عليها زاد كثيرا بعد هذه الخطوة، وكنت أتمنى أن أذكر اسم هذه المدرسة والقائمين عليها باعتبارها نموذجا إيجابيا وهادفا جدا، لكنها أصرت خلال نقاش قبل أيام على ألا أفعل، قائلة إنها تتمنى أن أركز على فكرة تأدية الأمانة لأن ما فعلته مدرستها هو حق للتلاميذ عليها، لأنهم حينما دخلوا المدرسة فقد توقعوا هم وأهاليهم أن يحصلوا على المنهج المتكامل وبالتالى ما فعلته ليس منة أو منحة من المدرسة.
فى تقدير هذه المربية الفاضلة أنه لو أن كل مدرسة خاصة أو عامة أدت ما عليها من أمانة فسوف يقفز التعليم المصرى إلى مراحل متقدمة، ولو تم تطبيق نفس المنهج فى الحياة عموما فسوف تصبح مصر فى مقدمة الأمم.
فى تقدير هذه السيدة ــ التى تنتمى إلى عائلة عريقة ومرموقة ومعروفة بالاستثمار المفيد والناجح فى المدارس والجامعات وحب العلم والتعليم ــ أنه وبسبب ظروف كورونا فقد حدث خلل كبير فى تحصيل التعليم فى العالم كله تقريبا. المشهد كان غريبا، والنتيجة قد تكون مرعبة فى المستقبل، أما الأخطر فهو غياب الوعى لدى عدد كبير من الأهالى وأولياء الأمور، الذين لا يدركون أن استمرار التعليم بأى وسيلة هو فى مصلحة أولادهم، ومصلحة مستقبلهم، حتى يكونوا قادرين على مواجهة الحياة والعمل حينما يتخرجون من المدارس أو الجامعات..
انتهى اقتباسى من كلام هذه المربية الفاضلة، وأقول لو أن كل أو أغلب أصحاب ومديرى المدارس يفكرون بهذا المنطق، فسوف يصبح التعليم المصرى عالميا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
سمعت عن نماذج أخرى لمدارس فعلت الأمر نفسه، لكنها للاسف نماذج قليلة جدا، خصوصا أن المدارس الخاصة والدولية لا يزيد عددها عن ١٣٪، فى حين أن ٨٣٪ من المدارس الحكومية أغلقت أبوابها بمجرد الإعلان عن انتهاء الموسم الدراسى فى نهاية إبريل، ولا يمكن أن نلومهم كثيرا، لأنهم ينفذون تعليمات حكومية رسمية، ثم إن هناك وباءً شديدا كان يفتك بالناس فى هذه الفترة الصعبة التى تم اتخاذ القرار فيها.
لكن المشكلة الحقيقية التى يفترض أن تلفت انتباه الجميع، بناء على كلام مديرة وصاحبة المدرسة التى بدأت بها، هو كيف يمكننا أن نعوض هذا الجيل عن حظهم السيئ جدا علميا وتعليميا؟!
هذا الجيل، وفى ظل انتشار إدمان الموبايلات يفرح كثيرا لأن الموسم الداسى ينتهى مبكرا كما حدث هذا العام، أو يتم إجراء بحث مختصر وشكلى لكل المواد معا، كما حدث فى العالم الماضى.
ونعلم جميعا أن هذه الإجراءات كانت اضطرارية ومعقولة مقارنة بدول أخرى، لكنها لا تعنى أن الطلاب حصلوا على الحد الأدنى اللازم من التعليم.
سيقول البعض إن التعليم «الأونلاين» قد حل المشكلة، وهذا الكلام فى رأيى خاطئ بنسبة تريليون فى المائة. هو ساهم فى حل جزء بسيط من المشكلة، وكل خبراء التعليم فى العالم يقولون إن فلسفة التعليم ليست فقط إتاحة المعلومات والمناهج على منصات إلكترونية، رغم أهميتها، ولكن هناك أهمية قصوى للذهاب إلى المدرسة والتفاعل بين التلميذ والمعلم، ليس فقط على المستوى التعليمى، ولكن على المستوى الشامل اجتماعيا وإنسانيا وتربويا ورياضيا وفنيا.
شكرا لنموذج هذه السيدة، وأتمنى أن نبحث عن طريق لنقنع الجميع بأن يطبقوا نفس المنهج، إذا استمرت كورونا، لا قدر الله.
نقلا عن "الشروق"