رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدكتور محمد حمزة يكتب: الأنبياء في مصر والرد العلمي على دكتور زاهى حواس

النبأ

إن الظهور المتكرر في وسائل الإعلام وتكرار نفس الأقوال والمعلومات المغلوطة أحيانا والمنقوصة أحيانا أخرى والسطحية أحيانا ثالثة؛ بل وتدخل في نطاق الفتاوى أحيانا رابعة من شأنها أن تهدم ولا تبني؛ وتقوض ولا تدعم؛؛ وأن تزلزل الثوابت الراسخة؛
وأن تشكك في الرموز وبالتالي فإنها تؤثر في دعائم الشخصية المصرية وأركانها المعروفة منذ آلاف السنين؛ ومن ثم تكون أثارها السلبية على الهوية والأمن القومي المصري كبيرة؛ ومن ذلك ما يردده العديد من أصحاب الوجوه المكررة في وسائل الإعلام المختلفة في الداخل والخارج وكأنهم هم المتحدثون الرسميون عن علوم تخصصية بحتة لها قواعدها ومناهجها السليمة الأصيلة ومنها التاريخ والآثار والأديان ومقارنة الأديان والفقه وبعض هؤلاء يفترض أنهم
من المتخصصين في هذه العلوم ومنهم دكتور زاهي حواس ودكتور سعد الدين الهلالي ولكن أكثرهم من غير المتخصصين في هذه العلوم ومنهم الأطباء والمحامون والإعلاميون والهواة وعشاق التاريخ والآثار ومنهم يوسف زيدان ووسيم السيسي ووليد فكري ولميس جابر وإبراهيم عيسى وخالد منتصر؛ ويحلون للبعض أن يطلق عليهم صفة المفكرين والتنويريين والليبراليين الجدد؛ ونحن لسنا ضد هؤلاء ولأولئك ما داموا يلتزمون ويتمسكون بالمنهج العلمي السليم ويستعينون به وبقواعده؛ وليسوا من الذين يرغبون في الشوط والشهرة فيركبون التريند حتى ولو كان ذلك على حساب العلم ونتائجه سواء التي تم حسمها أو تلك التي لاتزال في انتظار الحسم وفقا لما سوف يكتشف من أدلة أثرية أو تاريخية أو وثائقية.

وتطبيقا على ما نقول حسبنا أن نركز في مقالنا هذا على ما ذكره الرجل الأشهر في الآثار المصرية في العالم وهو د زاهي حواس فهو لا يترك مناسبة أو فرصة في الصحافة والإعلام والندوات والمؤتمرات دون أن يردد ويكرر دون ملل القول بأنه لا يوجد في الآثار أو الكتب التاريخية ما يثبت وجود الأنبياء في مصر وخاصة سيدنا إبراهيم وسيدنا يوسف وسيدنا موسى؛ وأنه ما فيش دليل على وجود بني إسرائيل في مصر وان ما يقال عن خروج سيدنا موسى واليهود من مصر تكهنات لا يوجد عليها دليل؛ وفي مناسبة أخرى نراه يناقض نفسه ففي برنامج مني الشاذلي يذكر أن سيدنا يوسف تعلم في جامعة أون؛؛ وبالتالي كيف ينكر وجود سيدنا يوسف في مصر ويثبته في ذات الوقت؛ ثم يا د زاهي أين هي الكتب التاريخية التي تشير إليها؛؛ وماذا تقصد بتلك الكتب؛؛ وهل لدينا كتب تاريخية في مصر القديمة قبل العصر الصاوي 663 ق م_525 ق.م، والجواب بالنفي قطعا فإن الكتب التاريخية وجدت في مصر بدءا من العصر الصاوي وما تلاه من خلال المؤرخين والعلماء الإغريق ثم تزايدت خلال العصرين اليوناني الروماني ومن أهم الكتب في تلك الفترة كتاب مانيتون السمنودي 284 ق م وعنه في القرن الأول الميلادي كتاب يوسيفوس اليهودي المتوفي 98 م وفيه إشارات عن اليهود والهكسوس اماالكتب المقدسة وعلى رأسها التوراة والإنجيل أو العهدين القديم والجديد ففيها إشارات تاريخية كثيرة عن مصر وبني إسرائيل والأنبياء وكذلك القرأن الكريم.

إذن لدينا كتب تاريخية من القرن السابع قبل الميلاد وما تلاه وبعضها أكد وجود بني إسرائيل في مصر؛ ولدينا الكتب المقدسة الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن الكريم فقد أشارت إلى الأنبياء والي وجودهم في مصر وعلى ذلك يا د زاهي قولك بأنه لايوجد في الكتب التاريخية ما يثبت وجود الأنبياء وبني إسرائيل وخروجهم من مصر غير سليم علمي ولا يستقيم مع الواقع التاريخي والديني الثابت والراسخ منذ آلاف السنين ومن ثم ما كان يجب عليك أن تتلفظ بهذا القول الذي كلايمت للعلم ومنهجه السليم بصلة.

وتنطبق نفس الشيء على قولك بأنه لايوجد دليل في الآثار على وجود الأنبياء وبني إسرائيل في مصر وان خروجهم مع سيدنا
موسى -عليه السلام-  مجرد تكهنات لايوجد عليها دليل (علما أنك تناقض نفسك بنفسك فقد أشرت في مناسبات عديدة بأن لوحة مرنبتاح بالمتحف المصري هي الدليل الوحيد على وجود بني إسرائيل في مصر وان خروجهم منها كان قبل مرنبتاح ولكن غير معروف اسم الفرعون حتى الآن وقد قمنا بالرد العلمي على ذلك من قبل).

وهذا القول ما كان يجب أن يصدر منك وأنت الرجل المتخصص الأشهر والأبرز في العالم لأنه يخالف المنهج العلمي السليم والأدلة الأثرية المتاحة والمعروفة والمتداولة حتى الآن؛ وبالتالي لا يجوز منك ولا يحق لك أن تطلق أحكاما عامة ليست من المنهج العلمي السليم في شيء وينقضها وينتقص منها بل وينفيها ما هو متوافر ومتاح من أدلة أثرية معروفة

وعلى ذلك فإن الحديث عن هذا الموضوع يجب أن يتم تناوله وفقا للمنهج العلمي السليم من جانبين وذلك على النحو التالي؛؛
الجانب الأول؛ هل توجد أدلة أثرية تؤكد حقيقة الوجود التاريخي للأنبياء في مصر أو صلتهم بها؛ والجواب نعم توجد مناظر ونقوشا وبرديات تؤكد صلة أنبياء الله ورسله وخاصة إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى عليهم السلام بمصر ووجودهم بها فترة من الزمن ومنها بردية وساكار ففي الجزء المتعلق بعهد خوفو فيها حديث عن معجزة إحياء الموتى حيث استطاع أحد السحرة عزل رأس إوزة عن جسدها ثم أعادها ثانية عن طريق بعض التعاويذ السحرية فهذه القصة صدى
لمعجزة سيدنا إبراهيم حين طلب من ربه أن يريه كيف يحيى الموتى فأمره الله -سبحانه وتعالى-  بأن يأخذ 4 من الطير وأن يجعل على كل جبل جزء منهم ثم ادعهن يأتينك سعيا (البقرة/ 260).

وفي الجزء المتعلق بعهد سنفرو في نفس البردية أي وساكار نجد كبير الكهنة يقوم ببعض التعاويذ السحرية حتى انشقت البحيرة إلى نصفين فظهرت حلية الجارية في الجزء الذي انحسرت عنه المياه؛ فهذه القصة صدى لمعجزة سيدنا موسى عندما انفلق البحر له أثناء مطاردة فرعون وجنوده له ولبنى إسرائيل؛ وهناك أيضا بعض الأدلة الأثرية لقصة تحويل العصا إلى ثعبان من عصر الدولة الحديثة وفي بردية ايبو ور وسنوهي بعض الإشارات التي كانت صدى لمعجزات موسى -عليه السلام-  ومنها تحويل ماء النهر إلى دم وظهور الضفادع على التحف الخزفية في عصر الدولة الحديثة ومنها ما اكتشفه بتري عام 1905 م؛ ومن المعروف أن الدم والضفادع كانا من بين الضربات العشر التي عاقب بها الله فرعون وقومه.

وربما يعثر في المستقبل على أدلة أثرية للضربات الثمان الباقية. ومن الأدلة التي تؤكد حقيقة الوجود التاريخي لسيدنا يوسف عليه السلام لوحة المجاعة بجزيرة سهيل أسوان من عهد بطلميوس الثاني 284- 246 ق.م وتسجل أحداث المجاعة في عهد الملك زوسر من الأسرة الثالثة وهي مجاعة السنوات السبع العجاف؛ ومنها بردية الأخوين والتي كانت صدى لقصة يوسف وإمرأة العزيز؛ ومنها كتاب تفسير الأحلام وتأويلها وكان ذلك صدى لموضوع تفسير الاحلام لسيدنا يوسف عليه السلام.

كذلك ورد على بعض الأدلة الأثرية من عصر الهكسوس الإشارة إلى اسم يعقوب وهو ما يعد صدى لاسم نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ووالد يوسف والأسباط -عليهم السلام- أجمعين.

وبعد فهذه الأدلة الأثرية من المناظر والنقوش والبرديات وإن كانت تؤكد حقيقة الوجود التاريخي لهؤلاء الأنبياء في مصر؛ إلا أنها لا تحدد الزمن أو العصر التاريخي لهم سواء من حيث عصر اي اسرة من الاسرات المصرية القديمة ولا عهد اي ملك من ملوك تلك الاسرات وهذا ما يقودنا إلى الجانب الثاني في تناولنا لهذا الموضوع.

الجانب الثاني؛ هل توجد أدلة يقينية لهؤلاء الأنبياء تثبت العصر التاريخي لهم ولزمانهم وفي عهد اي من الاسرات والملوك دخلوا مصر وأقاموا فيها، ثبت في الجانب الأول أن الوجود التاريخي للأنبياء في مصر حقيقة تؤيدها بعض الأدلة الأثرية التي تم الربط بينها وبين بعض الأحداث المرتبطة بقصص هؤلاء الأنبياء ومعجزاتهم إلا أنها غير محددة التاريخ فبعضها من الدولة الحديثة أو العصر البطلمي والأحداث ترتبط بملوك الدولة القديمة؛ وبعضها من الدولة الوسطى وعصر الهكسوس؛ وبعضها من الدولة الحديثة وهو الأمر الذي لم يحسم العصر التاريخي أو زمن وجود هؤلاء الأنبياء بصفة عامة ولا في عصر اي من الاسرات واي من الملوك بصفة خاصة وبالتالي لدينا ثلاث نظريات رئيسة حول هذا الموضوع وهي 1_ عصر الدولة الوسطى الاسرتين11_12(2066_ 1781ق م) 2_ عصر الهكسوس (1675_1567 ق م او1650_1590 ق م) 3_عصر الدولة الحديثة(1549_1069)، وهناك آراء ونظريات أخرى شاذة ويغلب عليها الشطط والخيال؛ بل وتدخل في باب الغرائب والعجائب.

وعلى  ضوء ما تقدم فإن الأدلة الأثرية المعروفة حتى الان تؤكد حقيقة الوجود التاريخي للأنبياء في مصر وصلتهم بها خاصة إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى عليهم السلام أجمعين؛ ولكنها لم تحسم زمن وجودهم وفي عهد اي من الاسرات أو الملوك؛ وبالتالي فعلينا أن ننتظر المزيد من الاكتشافات الاثرية والأدلة اليقينية من المناظر والنقوش والبرديات التي لا تكذب ولا تتجمل حتى يمكن حسم هذا الموضوع برمته من حيث الزمن والعصر واسم الملوك المعاصرين لكل نبي من أنبياء الله ورسله الذين وطئت أقدامهم مصر وشرفت بهم (علما أن نسبة الآثار المكتشفة حتى الآن لا تتجاوز ال 30% مما يعني ان70 ٪ ماتزال مدفونة في باطن الأرض في إنتظار من ينفض الغبار عنها ويكتشفها وربما تلعب الصدفة الدور الأكبر والأهم في الاكتشافات الأعظم والأشهر ومنها مايتعلق بتاريخية وجود الأنبياء في مصر).

وبعد هذا هو المنهج العلمي السليم لكل من يتصدي لدراسة هذا الموضوع الشيق والشائك في ذات الوقت في ظل قلة ونقص بل وندرة الأدلة الأثرية المعروفة حتى الآن.

أما القول الذي يردده المستشرقون الجدد ومن يقتفي أثرهم ويسير على نهجهم من العلمانيين والملحدين واللادينيين وهو إنه لا تاريخ دون أثار فقول لايمت للعلم بصلة فإن غياب الدليل الأثري لاينفي وقوع الحدث هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن إطلاق أحكام عامة كما هو الحال عند زاهى حواس وأمثاله حول هذا الموضوع لايمت للعلم ومنهج السليم بصلة ولا يتسق مع الأدلة الأثرية المتوافرة رغم قلتها.

فيا دكتور زاهى كفاك ما وصلت إليه بطريقة أو بأخرى واحفظ تاريخك إن كان لك تاريخ حقيقي حقا؛ ودعك من الظهور المتكرر في وسائل الإعلام المختلفة المقرؤءة والمسموعة والمرئية ؛ ولا تركب التريند والشو من خلال إطلاق أحكام عامة غير علمية وتكرارها مرارا ودون ملل عبر كل الوسائط والوسائل.

يا دكتور زاهى استوب وكفي؛ ويا وسائل الإعلام الوجوه المكررة استوب وكفى؛ ويا غير المتخصصين إذا لم تلتزمو ا بالمنهج العلمي السليم وتستعينوا به فناقل العلم كحامله نقول لكم استوب وكفى؛ ويا أيها المؤرخون والعلماء من اهل التخصص والخبرة أين أنتم؛ واين دوركم وواجب كم الوطني الوظيفي؛ لماذا تركتم الأمر لغير اهله؛؛؛ فلا نقول لكم استوب بل نقول لكم Go Ahead.