خطة الإخوان لتوريط الدولة فى «فخ» تبكير الانتخابات الرئاسية
حالة من الجدل والتضارب الواسع حول نية الدولة في إجراء الانتخابات الرئاسية خلال الربع الأخير من العام الجاري بدلًا من الانتظار إلى موعدها الطبيعي في الربع الأول من العام المقبل 2024.
وانتشرت تلك الأنباء كالهشيم في النار والتقطها عدد من القوى السياسية وسط خلاف واسع حول توصيف تلك الأزمة، فالبعض يرى أن الرئيس السيسي ينوي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بينما اعتبرها الجانب الآخر أنها مجرد تبكير لموعد الانتخابات وفقًا للمواد الدستورية المنظمة للعملية الانتخابية.
قصة تلويح الرئيس بالانتخابات المبكرة واستقالة حكومة «مدبولى» فى 2022
الصيد في الماء العكر
وكعادة الإخوان لم يتركوا تلك الفرصة إلا بالخروج منها بمكاسب سياسية تعزز من عودتهم للمشهد مُجددًا، واصطادت الأبواق الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في ماء الشائعات العكر، مشيرين إلى أن الحديث عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بالمخالفة للدستور يعني تأزم الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد -على حد قولهم-.
ولم يتحدث الرئيس السيسي طوال فترة حكمه للبلاد عن نيته لإجراء انتخابات مبكرة سوى مرة واحدة في أكتوبر من عام 2022، حينما قال إنه كان ينوي الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة إذا رفض المصريون مسار الإصلاح الاقتصادي.
وتابع الرئيس حديثه وقتها: «مسار الإصلاح الاقتصادي بدأناه في عام 2016، وكل المعنيين من وزراء الحكومة والأجهزة الأمنية رفضوا هذا المسار، وحذروا من تداعيات تغيير سعر الصرف، وقلت لهم لو الشعب رفض هذا المسار فستقدم الحكومة استقالتها، وسأدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وهذه كانت شجاعة وفضيلة القرار».
تطورات جيوسياسية
بداية الجدل الواسع حول موعد انتخابات الرئاسة، جاءت بعدما تحدث عدد من الإعلاميين المقربين من النظام الحالي وعلى رأسهم البرلماني مصطفى بكري؛ لوجود عدد من الأحداث الجيوسياسية التي تواجه مصر وتحتاج لاستقرار داخلي مثل الأزمة السودانية والأزمة الاقتصادية.
وخرج بعضها «بكري» ليوضح ما قاله، مؤكدًا أنه لا يوجد في الدستور المصري ما يسمى بـ«انتخابات رئاسية مبكرة»، وأن الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى هذا العام 2023، تأتي استنادا للفقرة الثانية من المادة 140 من الدستور.
ضياء رشوان يكشف بالتوقيتات الدستورية خريطة الدولة لانتخابات الرئاسة 2024
وقال إن الحديث عن تبكير موعد الانتخابات سيكون وفقًا للمادة 140 من الدستور والتي تنص على إجراء انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوما على الأقل، ويجب أن تُعلَن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوما على الأقل».
موقف المنسق العام للحوار
هذا الجدل لم يكن بعيدًا عن جلسات الحوار الوطني، بل دخل الدكتور ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني، على الخط موضحًا حقيقة الأمر.
وأوضح، أن الهيئة الوطنية للانتخابات هي الجهة الوحيدة التي أوكل لها الدستور المصري كل شيء يتعلق بالاستفتاءات والانتخابات الرئاسية.
وقال «رشوان» إن الدستور المصري حدد بشكل واضح المواعيد الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية والخطوط الرئيسية لإجرائها.
وأضاف، أن المادتين (140، و241) في الدستور المصري واضحتان تماما في تحديد المواعيد الدستورية للانتخابات الرئاسية، حيث تنص المادة (240) على أن إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية تبدأ قبل انتهاء مدة الرئاسة بـ120 يوما على الأقل، فيما تنص المادة (241) مكرر على انتهاء مدة رئاسة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء 6 سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسا للجمهورية عام 2018، ومن هذا المنطلق لا يجوز إطلاقا ووفقا للدستور بدء أي إجراءات للانتخابات مثل فتح باب الترشح أو غيره قبل شهر ديسمبر المقبل.
وأوضح «رشوان» أن مدة الرئيس السيسي الحالية يتم احتسابها منذ إعلان النتيجة في الثاني من شهر أبريل عام 2018 أي تنتهي مدة رئاسته للبلاد في أبريل من العام المقبل 2024، متابعًا: «وفقًا لمواد الدستور لا بد أن يتم الدعوة للانتخابات من قِبل الهيئة الوطنية للانتخابات وليس من قِبل الرئيس، على أن يتم فتح باب الترشح قبل 2 ديسمبر المقبل أو أي يوم قبل هذا التوقيت ولا يجوز الدعوة بعد ذلك التاريخ».
وأشار إلى أنه لا بد من إعلان النتيجة قبل انتهاء مدة الرئيس بـ30 يومًا أي قبل 2 أبريل من عام 2024، معقبًا: «يستحيل أن تدعى الانتخابات هذا العام ويتم إعلان نتيجتها هذا العام، هذا غير ممكن دستوريا ولا يجوز، لأن الهيئة الوطنية للانتخابات نفسها سيجدد تشكيلها في 10 أكتوبر المقبل وفقا للمادة 209 من الدستور والتي تنص على أن يُجدد نصف عدد أعضاء مجلس الهيئة الوطنية للانتخابات كل ثلاث سنوات والمقرر في شهر أكتوبر».
شادى العدل: الحديث عن التبكير «بالونة اختبار».. والنظام يسعى للتفرغ للأزمة الاقتصادية
ولفت ضياء رشوان، إلى أن انتشار تلك الأنباء والأكاذيب حول وجود انتخابات رئاسية مبكرة في مصر يحدث بشكل مقصود ومتعمد، وينتج أيضًا في بعض الأحيان لعدم معرفة البعض بالمعلومات والنصوص الموجود في الدستور المصري.
وشدد المنسق العام للحوار الوطني، على أن الدستور المصري حسم هذا الأمر بتحديد الفترات المحددة لمدة الرئاسة، ما بين انتهاء المدة وبدء الإجراءات، وكذلك بوجود الهيئة الوطنية للانتخابات الجهة الوحيدة -بحكم القانون (198) لسنة 2017- المنوط بها كافة اختصاصات الانتخابات، داعيًا الجميع إلى انتظار القرارات الرسمية للهيئة، والخاصة بتحديد المواعيد المقررة لأداء عملها فيما يخص الانتخابات الرئاسية، مرجحًا أن العملية الانتخابية ستعقد في غضون شهر فبراير المقبل 2024.
بالونة اختبار
وبمحاولة تفسير فلسفة الحديث عن تبكير موعد الانتخابات وما يكمن من أسرار وراء رغبة الدولة في جس النبض وإطلاق تلك الأنباء كـ«بالونة اختبار» لقياس رد فعل الرأي العام على هذا المخطط، يرى شادي العدل، عضو مكتب الاتصال السياسي بحزب المحافظين، أن المطالبين بتبكير الانتخابات الرئاسية جاء رغبة من الدولة في التفرغ لإدارة الأزمة الاقتصادية واتخاذ قرارات إصلاح بشكل أوسع وأعمق وهو ما يتطلب وجود استقرار سياسي داخلي والانتهاء من الاستحقاق الرئاسي مبكرًا.
وأشار إلى أن الحصول على قروض إضافية أو مساعدات أجنبية قد يتأخر بسبب احتياج الجهات المانحة لوجود استقرار سياسي بشكل أكبر والانتهاء من انتخابات الرئاسة.
فقيه دستورى: النظام الرئاسى لا يعرف «الانتخابات المبكرة».. وهذا يفتح الباب للطعن على العملية برمتها
فقهاء الدستور
من جانبه يرى الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنصورة، أن الدستور المصري لا ينص على ما يُسمى بـ«انتخابات رئاسية مبكرة».
وأضاف الفقيه الدستوري، أن إجراء انتخابات مبكرة يعني عدم استكمال مدة الرئيس الحالية القانونية وهذا أمر غير صحيح.
ويتفق معه في الرأي، الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، قائلًا إن نظام الحكم المعمول به في مصر هو نظام رئاسي لا يعرف شيء عن الانتخابات المبكرة.
وأضاف «الإسلامبولي» أن المدد المذكورة في الدستور ليست مواعيد منظمة، وإنما مواعيد ملزمة وبالتالي يمكن الطعن قضائيًا على الانتخابات إذا تم إجراؤها قبل موعدها، لافتًا إلى أن الدستور لم يحسم إمكانية إقامة الانتخابات قبل مدة الـ120 يومًا من عدمه.
3 حالات استثنائية
وفي السياق ذاته، يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع، أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن مبدأ إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لم يرد في الدستور مُطلقًا.
وأوضح أن هناك 3 أمور استثنائية فقط هي من تسمح بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، معقبًا: «الحالة الأولى إذا ثبت عجز الرئيس بشكل جزئي أو كلي، وتأتي الثانية في حالة اتهام الرئيس وتمت إدانته بتهمة الخيانة العظمى، وتأتي الثالثة بشكل غير صريح حيث يتيح الدستور للرئيس دعوة الشعب لإجراء استفتاء في أمور هامة».
وأضاف أن الحديث عن تبكير الانتخابات من شهرين لثلاثة أشهر أمر مقبول ولكن غير منطقي أن يتم تبكير الموعد بـ6 أو 8 أشهر.
وتابع: «الانتخابات المبكرة في أي دولة بتكون بعد الانتخابات بـ3 أو 4 سنوات ولكن قبل الموعد القانوني بشهرين ما الداعي لذلك».
وأكد «ربيع» أن جلسات الحوار الوطني لم تشهد أي مناقشات حول الانتخابات الرئاسية، لافتًا إلى أن الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة سياسيًا عن نظيرتها في عام 2018.
واستطرد: «الآن لا يوجد أي تهديد سياسي كما كان الوضع من قبل في ظل وجود تربص من جماعة الإخوان، بالفعل توجد مشكلة اقتصادية متفاقمة بشكل أكبر وأوضاع اجتماعية صعبة وفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ولكن مع ذلك هناك رغبة للانفتاح في المجال العام مثلما حدث بدعوة الرئيس للحوار الوطني وإعلانه الاستجابة للمطالب والتوصيات التي ستخرج من الحوار».
وعن مطالب البعض بوجود إشراف من الأمم المتحدة كجهة دولية محايدة، رفض عضو مجلس أمناء الحوار الوطني تلك المطالب، قائلًا: «أرفض تلك المطالب لأن ذلك يحدث مع الدول التي تكون تحت الوصايا أو حديثة الاستقلال، ولكن أن يحدث هذا في مصر فهو أمر ثقيل على دولة كبيرة مثل مصر، وهناك عدد كبير من القوى السياسية لن تقبل بذلك».