غسان كنفاني.. القضية والإنسان
في مثل هذا اليوم، الثامن من تموز- يوليو من العام 1972، رحل عن عالمنا أديبًا وصحفيًا وروائيًا وقاصًا من الطراز الثقافي المنفرد، صاحب مدرسة أدبية سياسية اجتمعت بصفتها الإنسانية على عشق الأرض والهوية والقضية والحرية، لتجسد في إنتاجها الأدبي السياسي لوحة وطنية فلسطينية تحاكي الأرض والإنسان ضمن فكرة صنعها المناضل والكاتب والأديب والروائي والقاص والصحفي والشهيد غسان كنفاني، الذي اغتالته "إسرائيل" عبر تفجير سيارته التي كان يستقلها هو وبنت أخيه لميس.
رحل عن عالمنا المناضل والأديب غسان كنفاني عن عمر يناهز السادسة والثلاثين ربيعًا، تاركًا وراءه إرثًا وطنيًا زاخرًا باللغة والأدب عبر العديد من الروايات والقصص والمقالات، التي تجسد في كافة تفاصيلها حكايات الأرض والهوية وعدالة القضية، لترسم للإنسان الفلسطيني ولكافة أجياله المتعاقبة حكاية الأرض المحتلة فلسطين في تغريبة أدبية إنسانية سياسية، ترجمت معظم أعماله إلى عدة لغات عالمية، وأصبحت تندرج ضمن مساقات تعليمية في أكبر وأرقى الجامعات العالمية.
يعتبر غسان كنفاني ظاهرة سياسية أدبية فلسطينية، استطاعت أن تصل بقلمها للعالمية ضمن رؤية لا تقبل الاحتواء ولا الانحياز، بل كان كل هدفها التقدم في العطاء والانجاز من أجل الوصول للامتياز الثقافي لكل قارئ لكتابات غسان كنفاني.
"غسان" الفكرة والإنسان لظاهرة وطنية أدبية منفردة النظير، أحدثت التأثير والتغيير في التغريبة الفلسطينية مرورًا بكافة مراحل الثورة والقضية، لتصنع حضارةً سياسية إنسانية ضمن واحة أدبية جسدها “غسان” المناضل والانسان” في قصصه ورواياته، التي اخترقت الحواجز ووصلت لكافة أرجاء المعمورة.
غسان كنفاني اسم ارتبط على الدوام بالثورة والقضية والإنسان الفلسطيني، واستطاع أن يظل محفورًا في ذاكرة الفلسطينيين وأحرار ومثقفي العالم بأسره، من منطلق أن “غسان” قام بتجسيد وتوحيد عناصر القضية الفلسطينية وعناوين صراعها مع المحتل، ليس من أجل استمرار الصراع دون جدوى بل لإيصال الرسالة الفلسطينية والوصول إلى حل، يعيد للأرض المحتلة والإنسان الحرية والعودة وتقرير المصير والاستقلال.
في الذكرى الحادية والخمسين لاغتيال الشهيد “غسان” على أيدي الاحتلال، لا بد أن نقوم بعملية تقييم أدبي للثائر الإنسان “غسان” في واحة أدبه وقصصه ورواياته التي جميعها تنبض شوقًا للأرض المحتلة فلسطين، وتغرد فرحًا للقاء الأرض العاشقة في الشهداء والمناضلين والزنود السمر الغر الميامين، الذين يزرعون الأرض أملًا على طريق الحرية وإقامة الدولة فلسطين.
من خلال استعراضنا لبعض ما سطر وكتب قلم غسان الثائر الإنسان، من خلال المجموعة القصصية “عن الرجال والبنادق” التي تعتبر مجموعة قصصية يستلهم فيها كل طاقات إبداعاته الأدبية لمأساة شعبه اللاجئ والمناضل في ذات الوقت، واستلهم قصصه من صفحات تاريخ نضاله، وفي المجموعة القصصية “أرض البرتقال الحزين”، والذي حاول فيها تصوير الشخصية الفلسطينية ضمن قدرها ومكانتها، مثل ورقة من غزة، وورقة من الرملة، والتي تصنف قصة أرض البرتقال الحزين بالعمود الفقري لهذه المجموعة حيث كانت ملتحمة بسيرة غسان، لكنها في نفس الوقت تؤرخ معاناة اللاجئ الفلسطيني بشكل عام، وقد استخدمت فيها أساليب قصصية مستحدثة، إذ تم استعمال ضمير المخاطب بدلًا من المتكلم في الحديث، من خلال ما شاهده في طفولته، والتي كانت شخصيته مجرد انعكاسًا للأحداث، وقد عبر في رمزيتها “للبرتقال” عن كل ملامح الشخصية الفلسطينية.
ترك ”غسان كنفاني” إرثًا فلسطينيًا وطنيًا ممزوجًا بعبق التاريخ الإنساني لحكاية شعب وعدالة قضية من خلال ما سطر إبداعه الفكري والثقافي عبر ما كتب في فنون التميز والإبداع، المتمسك بخيوط الحلم والأمل معًا إلى روح تسقُطُ الأجسادُ لا الفِكرة، "غسان" الفكرة والإنسان، وإلى رواية أم سعد ورجال تحت الشمس، وأرض البرتقال الحزين، وما تبقى لكم وردة وسلام.