التطوير أم الإزالة..
«النبأ» تكشف تحول القصور الأثرية فى حلوان لـ«أوكار وخرابات»
القصور الأثرية في حلوان ما زالت تصرخ من شدة الإهمال، تلك القصور التي تحدثنا عنها كثيرًا ولكن دون تدخل واضح وصريح، القصور تفقد تراثها المعماري الذي يعود لمئات السنين والدولة مازالت مصممة على الإهمال، تلك القصور التي شهدت حفلات لكوكب الشرق أم كلثوم، وفريد الأطرش ونجيب الريحاني، فبعد أن كانت الوجهة المشرفة للملك فاروق، وأنصاره من وزراء وأبناء الطبقة الرفيعة للتحول إلى أوكار لتجارة وتعاطي المواد المخدرة و«خرابات» لممارسة الأعمال المنافية للآداب ومأوى للخارجين عن القانون وأرباب السجون.
التاريخ العريق لتلك المباني الأثرية لم يصل فقط لعصر الملوك، بل امتد ليشهد تاريخ مصر الحديث، فـ«الكازينو» أو كما يُعرف بـ«النادي السياسي» والذي شهد اجتماعات الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة، طالته يد الإهمال وأصبح مآوى لـ«إمبراطورية المتسولين».
ورغم صدور تصريحات للدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة الأسبق في ديسمبر من عام 2015، عن تخصيص مبلغ مالي كبير لإعادة تطوير القصر والحفاظ على رونقه وتراثه، فوجئ المواطنين بقيام مسئولي حي حلوان بالاكتفاء بتطوير السور الخاص بالقصر وإنشاء حديقة عامة به للمواطنين دون القيام بأي أعمال تطوير داخل المبنى الأثري.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل زادت الكارثة بأن قام المسئولون بتأجير الحديقة لتصبح مقهي شعبي وملاهي للأطفال، مما زاد من المظهر المتدني الوقح الذي أنهى على آمال الأهالي بأن يعود هذا القصر إلى سابق عهده ويصبح مزارًا للمواطنين داخل البلاد وخارجها.
وانطلق محرر «النبأ» في جولة ميدانية؛ لرصد ما وصلت إليه تلك القصور الأثرية من إهمال جسيم تسبب في فقدان تلك القصور، واكتشفنا الطامة الكبرى بقيام اللصوص بنهب ممتلكات تلك القصور، بل وصلت السرقة إلى الأخشاب المستخدمة في الإنشاء والشبابيك والأبواب.
ووصل محرر «النبأ» إلى قصر الحياة بمدينة حلوان جنوب محافظة القاهرة، ليلتقي بـ«إسماعيل أحمد»، أحد أهالي حلوان، والذي تحدث عن حالة الحزن الشديد الذي يشعر بها بسبب الإهمال داخل قصور حلوان الأثرية، متسائلًا عن دور أجهزة الدولة تجاه هذه الأماكن، مقارنة بقصر خديجة هانم ابنة الخديوي توفيق والذي تم تطويره بملايين الجنيهات ليصبح مركزًا ثقافيًا تابعًا لمكتبة الإسكندرية ويشهد تنظيم العديد من الاحتفالات والندوات الثقافية.
والتقط أطراف الحديث مواطن آخر يدعى «أحمد عبدالقادر»، قائلًا إن هناك أماكن مثل استراحة الملك فاروق، تم تطويرها في الأونة الأخيرة وأصبحت مزار سياحي يساعد الدولة في زيادة إيراداتها، وفي ذات الوقت هناك متحف الشمع مهمل بشكل كبير، على الرغم من سماع تصريحات كثيرة بأن ذلك المتحف سوف يتم تطويره، ولكن لا يحدث شيء.
وتحدث «عبد القادر» عن ذكريات طفولته حيث كان يقوم والده باصطحابه لزيارة متحف الشمع وهو صغير، لافتًا إلى أنه يرى دائمًا أجانب من مختلف الجنسيات الأوروبية والآسيوية يزورون المتحف، متمنيًا سرعة تطوير المتحف وعودته للتشغيل مرة أخرى.
عمليات نهب وتهديد بالانهيار
من جانبها، كشفت نجلاء مجدي، مفتش أثار حلوان الإسلامية والقبطية واليهودية، أن مسرح حلوان أو ما يسمى بـ«النادي السياسي»، فهذا كان كازينو تقام بداخله المسرحيات الشهيرة، وكان أبرز تلك المسرحيات لجورج ابيض، ونجيب الريحاني، وكانت صالة المسرح عبارة عن ترابيزات دائرية حولها كراسي، وليست مدرجات، وكان قد حضر الخديوي توفيق وزوجته الافتتاح.
وعن قيام الحي بإنشاء الحديقة المستقطعة من أرض النادي، اعتبرت أن هذا خطأ كبير لأنه يعجل بسقوط المبنى، بجانب إنها تُعد إهانة للمكان التراثي، معقبة: «لذلك أتمنى أن يتم ترميمه لأنه ما زال بحالة يمكن إنقاذها، وإعادته كمسرح مرة أخرى».
وأضافت أن قصر الخديوى توفيق، الكائن خلف سوق توشكى يفصله عن المدرسة التجارية بنات سور قصير وتم نهب مقتنياته، ولكن جدرانه من الداخل بحالة متوسطة، والأرضيات أسفلها مياه جوفية شديدة، يجب معالجتها حتى لا تتسبب في سقوطه تمامًا، متابعة: «أحاول بكل الطرق مع مكتبة الإسكندرية لتطوير هذا القصر، ليصبح مثل قصر خديجة هانم».
وأوصت بتشكيل اتحاد من أبناء مدينة حلوان بالتعاون مع هيئة الأثار والتراث المعماري للحفاظ على طراز حلوان أو ما تبقى منه، وذلك بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضاري، مع وضع خطة عمل مع رجال الأعمال من أبناء حلوان وأيدي عاملة من المدينة بمساعدة طلاب كليات الهندسة والفنون الجميلة والتطبيقية كمشروعات تخرج لهم.
وأشارت «مجدي» إلى وجود تعنت غير طبيعي يصل إلى مرحلة التعجيز لأي مستثمر يحاول أن يطور أو يغير من هذه القصور المهجورة، وهذا قد حدث أمامها مع أكثر من مستثمر، من قبل المحافظة وخاصة نائبة المحافظ -على حد قولها-.
أوكار للجرائم
ومن جانبه قال الخبير الأمني اللواء بدوي هاشم، مأمور قسم شرطة حلوان الأسبق، إن هذه القصور دائمًا ما تسبب المشاكل الأمنية، فهناك حالات سرقة واغتصاب وجرائم قتل تتم داخل هذه القصور، بجانب تحولها إلى أوكار للخارجين عن القانون لبيع وترويج المواد المخدرة، ولكن في الفترة الأخيرة شهدت تطهير تلك الأماكن من المجرمين، حيث كان يتم تنفيذ حملات أمنية مكثفة ومتتالية على هذه الأماكن، ورغم صعوبة دخول أفراد الأمن للداخل، بسبب انهيار السلالم وسقوط أجزاء كبيرة من الجدران، إلا أنهم كانوا يعرضون حياتهم للخطر ونجحوا في حل جميع الجرائم التي ارتكبت داخل هذه الأماكن.
وأضاف «هاشم» أن وزارة الداخلية نجحت في السيطرة على هذه الأماكن التي تحولت إلى أوكار إبان أحداث يناير، ولكن هذا كلف رجال الأمن مجهودات مضاعفة للسيطرة على هذه الأماكن.
واقترح الخبير الأمني، أن يتم تطوير هذه القصور الأثرية على الرغم من تدميرها، أو إزالتها وطرحها في مزاد علني للمستثمرين، وذلك نظرًا لفقدان هذه المباني لتراثها المعماري والأثري.