رئيس التحرير
خالد مهران

صبري الموجي يكتب: إنها حقا عائلة مُحترمة!

الكاتب الصحفي صبري
الكاتب الصحفي صبري الموجي

 دعاها لمكتبه لتأخذَ معه فنجان قهوة، فلبتْ الدعوة سريعًا، ولتكتمل نشوتُها، أخرجت من حقيبتها علبة سجائر، استلت منها واحدة أشعلتها، وانبرت ترتشفُ النَّفسَ تلو الآخر، وتنفثُ دخانا امتلأتْ به حجرة مكتبه، أحس الرجل بضيق فى التنفس، خاصة أنه مُصابٌ بالحساسية، فدفعه الضجر ليسألها عن الفائدة التى تجنيها من وراء التدخين، فجاءتْ إجابتُها الصاعقة، أنها عادةٌ سيئة أدمنتها منذ نعومة أظفارها، وتستحي منها؛ لأنها من أسرة مُحافِظة، وزوجة لرجل غيور لا تستطيع أن تُدخن أمامه، أما من ورائه فلا تثريب عليها، ولا يمانع هو في ذلك باعتبار التدخين حرية شخصية!.


ضحك صديقي ملء فيه، وضرب كفا بكف، إذ إن المرأة أقرتْ صراحة أنها عادةٌ سيئة أدمنتها منذ الصغر، دون أن تبذل أى جهد للإقلاع عنها.


حكى صديقي لي تلك الحكاية، فقلتُ له د: نعم الإقرار بجُرم التدخين فضيلة، لكنَّ الإقرارَ وحده لا يكفي، إذ لا بد أن يُتوجَ الإقرار بجهد دءوب للإقلاع عن التدخين، مع سدِّ كلِّ المنافذ المُوصِلة إليه، وذلك بعدم مُجالسة المُدخنين، خاصة فى الأماكن المغلقة، وعدم الرضوخ لضغوط العودة لتلك العادة السيئة بعد الإقلاع عنها، فضلًا عن ممارسة الرياضة، وتناول الأغذية الصحية الغنية بالفيتامينات، ولا بد أن يسبق كلَّ هذا رغبةُ المُدخن فى عدم العودة؛ حفاظًا على صحته وماله.


وقطعًا كل ما سبق، يستند إلى دواعي العقل، أما داعي الشرع، فله حديث آخر لمن ألقي السمع وهو شهيد، إذ جعل الشرعُ حِفظَ النفس من ضرورات الدين الخمس.


ولخطورة التدخين -ياسادة- يسعى الغربُ اللاديني بشتى الطرق والوسائل لخفض عدد المدخنين، سواء بالتوعية بخطورته، أو تغليظ عقوبة المدخنين في الأماكن العامة، أو زيادة أسعار التبغ، وغيرها.


أما الحال فى الدول العربية وبخاصة مصر، فيدعو للحسرة، إذ تستهلك مصر نحو 80 مليار سيجارة سنويًا، كانت سببًا في استفحال الأمراض الفتّاكة التى أودت وتودى بحياة آلاف البشر سنويًا.


والسيجارة -عزيزي القارئ- هى القاتل رقم واحد فى العالم، حيث يموت فى إنجلترا - حسب تقرير طبى صدر مُؤخرا - مدخنٌ كل 6 دقائق، وفى أمريكا هناك 400 ألف حالة وفاة سنويًا بسبب التدخين.

 

وطبيًا، فالدخان يُتلف كلَّ عضو يمر عليه بدءا بالشفايف –خاصة مُدخنى البايب– مرورا باللثة والحنجرة والزور والأغشية المخاطية وانتهاء بالرئة، ناهيك عن جيوش السرطانات المسلحة التى تهاجم جسم المدخن بسبب الدخان، إضافة إلى أمراض القلب والشرايين والذبحات الصدرية.

 

وادعاء المُدخن -الذي يُطَالَب بإطفاء السيجارة خاصة فى الأماكن العامة- أن التدخين حرية شخصية قولٌ سقيم؛ لأنك -خصيمي المُدخِن- حرٌ ما لم تضر، وتقف حريتُك عند الإضرار بالآخرين.


وإذا كانت دراسةٌ طبية أثبتت أن أكثر من 10 آلاف شخص يموتون فى إنجلترا بسبب التدخين السلبى، الناتج عن مجالسة المدخنين، ويموت أربعة أضعاف هذا العدد فى أمريكا، رغم ما بهما من تقدم علمى وطبى فما بالك بمصر الفقيرة فى هذا وذاك؟!.


لهذا علينا -رعاكم الله- أن نهرع إلى الدواء قبل استشراء الداء، ونُقلع عن تلك العادة السيئة، ونتبرأ من تلك العائلات المُحترمة التى لا تُمانع فى تدخين نسائها بعيدًا عن أعينها بحُجة أن التدخين حريةٌ شخصية!.