أزمات تهدد بتجميد خطة الدولة لمواجهة الفقر المائي
تعد مشكلات الفقر المائي، من أبرز التحديات التي تواجهها مصر خلال الفترة الحالية، والذي دفع الدولة لاتخاذ استراتيجية تقوم على مسارات عدة في محاولة لمواجهة خطر الجفاف، لعل أبرزها خطة تبطين الترع.
ورغم الهالة الإعلامية التي صاحبت إطلاق الفكرة منذ عامين، باعتباره مشروعًا قوميًا لتأهيل وتبطين الترع بمثابة نقلة حضارية تسعى إليها الحكومة المصرية في كافة قرى ونجوع مصر، وأنه يستهدف الحفاظ على كميات المياه التي يتم هدرها بعد تسربها للتربة الطينية؛ إلا أنه بدأ الحديث مؤخرًا حول عدد المشكلات التي شابت المشروع، خاصة بعد تصريح هانى سويلم وزير الرى بأنه «لا يمكن تبطين كل الترع بالخرسانة لأنه إهدار للمال العام، ولكن الأهم أن تقوم الترعة بوظيفتها».
وظهرت، شكاوى من بعض الأهالي من وجود شروخ في ألواح الخرسانة واختلاف أطوالها بعد أسابيع من انتهاء تأهيلها، إضافة لتراكم القمامة في عدد من الترع، وانخفاض منسوب المياه في بعضها الآخر، ما يصعب من وصول المياه إلى الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى انتشار حوادث الغرق في تلك الترع.
اللافت للأمر، أن الحكومة اعترفت بوجود هذه المشكلات عبر تصريحات إعلامية للمتحدث باسم وزارة الري محمد غانم والذي أشار إلى وجود أخطاء فنية في مناطق قليلة.
وأضاف: أنه جرى إحالة بعض الحالات للتحقيق لمعاقبة المخطئ، إذ يعد مهندس الري في المنطقة هو المسؤول عن التأكد من سلامة الأعمال قبل تسلمها من مقاول التنفيذ، مشيرًا إلى أن المقاول سيعيد تنفيذ العملية على نفقته الخاصة في حال ثبوت مخالفات.
وأشار إلى أن الوزارة أصدرت دليلًا استرشاديًا لمواصفات المشروع، وأن نسبة الأخطاء قليلة و"لا تذكر" والحديث عنها من باب الشفافية، ولا تقلل من حجم مشروع بلغت تكلفته حتى الآن 18 مليار جنيه، مشددًا على المضي قدمًا فيه وفق الدليل الإرشادي، وأنه ليس بالضرورة التبطين بالخرسانة، بل سيقتصر التأهيل في بعض الحالات على التطهير من المخلفات والحشائش والمهم تحقيق هدف إعادة الترعة لتأدية وظيفتها الأساسية وهي نقل المياه بالكفاءة والكميات المطلوبة للأراضي الزراعية.
وفي هذا السياق، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية، إن التبطين في حد ذاته يكون مطلوبًا في بعض الحالات، وهو طريقة هندسية لمعالجة بعض الترع لكي توصل مياه الري إلى الأراضي الزراعية، مشيرًا إلى أن الترع التي يتعثر فيها وصول المياه بحاجة لوضع حلول هندسية، منها تبطين الترع، ولكن إذا أبعادها اختلفت أو حدث هدر في الاجناب بسبب التكريك أو إلقاء القمامة، فإن ذلك يتوجب عمل تبطين بعد إعادتها للمقاسات القديمة في العمق والأجناب، سواء بردم أو التبطين بطريقة أسمنتية، وأخرى من الممكن الاكتفاء بالردم فقط، متابعا المهم المياه تصل لجميع الأراضي الزراعية وليس هناك داعي لتكلفة أنفسنا أموال زائدة عن الحد خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وأضاف في تصريح لـ«النبأ»، أن التبطين كان من المفترض أن يكون لبعض الترع التي بها مشاكل وليس جميعها، متابعا «كل واحد من مجلس الشعب فاكر أن التبطين شيئا جميلًا ويريد أن يظهر أمام دائرته بأنه يخدم أهلها، دون دراية بالامور الفنية».
وأشار إلى أن هناك أخطاء فنية حدثت بالتبطين في سياق هوجة المشروعات القومية، وحديث البعض حول توفيرها ٤ مليارات لتر مكعب من المياه وهو رقم غير حقيقي، وهو ما جعل الحكومة تنساق في تنفيذها وتوفيرها للتمويل، ودفع الحكومة لإعلان خطة لتبطين 20 ألف كيلو من الترع بتكلفة 80 مليار جنيه على مراحل، الأولى 7 آلاف كيلو ترع، بتكلفة 18 مليار جنيه وهى انتهت بالفعل منذ سنتين، وكان المفترض يتم استكماله ولكن توقف المشروع بسبب تغيير وزير الزراعة والظروف الاقتصادية.
وأشار شراقي إلى استحالة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه، بأن يرتفع نصيب الفرد من 500 متر مكعب ليكون 1000 متر مكعب في السنة، حسب المعدلات العالمية، وهو ما يعني مضاعفة حصتنا المائية. مشيرا إلى لن مصر بحكم الموقع الجغرافي صحراوية، وتواجه زيادة في عدد السكان و50% من تلك المياه تأتي خارج الحدود.
وتابع: ضاعفنا المياه المحلاة من البحر 10 أضعاف مع ذلك لم تأت بنصف مليار متر مكعب، وبالتالي مشروعات التحلية مكلفة، والمياه الناتجة عنها قليلة ولا تصلح للزراعة، ولكن للمدن الجديدة، ولكن هذا لا يعني الحديث احتمالية حدوث جفاف في المستقبل بسبب وجود نهر النيل.
ولفت إلى أن الأهم في الأمر هو حسن استخدام الموارد، والإدارة الجيدة بما يمكننا من الاستفادة بهذه الحصة متابعا كمية المياه ليست المشكلة.
بدوره، قال الدكتور نادر نور الدين، خبير الموارد المائية، إن الحديث عن مشكلات تبطين مرتبط برأي وزير الري الجديد فقط، مشيرًا إلى أن هذا المشروع خضع لدراسة لمدة 5 سنوات، من خبراء الاتحاد الأوروبي وكذلك البنك الدولي، وهما من أوصوا بالتبطين، كما أنه موجود في بعض العالم ذات الدول الشبيه بنا كالهند، وباكستان،
وأضاف في تصريح لـ «النبأ»، أنه عادة كل وزير يريد أن يهاجم الوزير الذي يسبقه وخلاص، وأرى النتائج واضحة وأشاد بها الفلاحون أمام الرئيس السيسي في إحدى زياراته وتحدثوا عن سرعة جريان المياه، ووصولها سريعة لجميع الأراضي وخاصة الموجودة في نهاية الزمام، مما انعكس على زيادة الرقعة الزراعية، بالإضافة لتحسين نوعية المياه وكذلك نوعية المحاصيل، والتربة.
وتابع: الوزير الحالي يتحدث عن أن التبطين ليس لكل الترع، مين قال إن كل الترع تم تبطينها فحتى الآن ما تم عمله 6500 كيلو من إجمالي 33 ألف كم، وكان مستهدف 10 آلاف بما يعني أنه أقل 30% من مساحات الترع في مصر.
وتابع: كما أن الوزير كان يعيش في الخارج قبل توليه ملف الري وبالتالي كان بعيدًا عن مشاكل القرى المصرية فهو لا يعرف أن التبطين زود سرعة جريان المياه، وأكثر بالإضافة إلى أنها ساعدت في توفير المياه. حسب آخر بيان لوزارة الري التي ذكرت أن نسبة المنصرف من السد العالي قل بنسبة 12% عن مثيله قبل التبطين، وهذه مميزات اكيدة للتبطين.
وأشار إلى أن الدولة لديها إستراتيجية تقوم على 3 محاور، الأول زياد الموارد المائية الموجودة بالدولة، مثل تحلية المياه البحر والتي نتج عنها مليار متر مكعب مياه، بدل ما كنا ننتج 100 مليون، بالإضافة إلى معالجة مياه المخلفات، والتي ستضيف 5 مليارات متر مكعب، التوسع في استخدام المياه الجوفية والكشف عنها، مصايد الأمطار في المناطق الجديدة.
وأضاف: أما المحور الثاني فيعتمد على تقليل الفاقد ومنع الإهدار، منها مشروعات تبطين الترع، وتطوير الري ورفع كفاءته وهو ما يظهر في الأراضي الجديدة التي تم منع الري يالغمر فيها واستبداله بالتنقيط، والرش.
أما الأمر الثالث، هو تعديل السياسات الزراعية، واستبعاد الحاصلات المستنزفة للمياه، فوضع حد معين لمساحات زرع قصب السكر وتعويضه بالبنجر، ومشروع الصوبات الزراعية الذي ثبت أنه يستهلك ربع المياه وينتج بمعدل 4 أضعاف.
ولفت إلى أن الظروف المادية تشكل التحدي الأكبر لهذه الاستراتيجية، متابعا المشروعات كانت تسير ولكن بعضها تجمد منها تطوير الري الحقلي والذي كانت تكاليف شبكة الري بالتنقيط أو الرش على الفلاح 15 ألف جنيه للفدان، ولكن بعد ارتفاع سعر الجنيه زادت ل 45 ألف جنيه، كما توقف تبطين الترع ومشروعات تحلية مياه البحر لحين توفير الاعتمادات المالية.