اكتئاب المراهقين.. ما علاماته وكيف ندعم أبناءنا ونحميهم؟
لا يبدو سهلا على الأهل أن يعاني أبناءهم من اكتئاب المراهقين ويفقدون القدرة على مساعدتهم، بينما يمكن للمعرفة والوعي أن تجعل الطريق نحو التعافي أكثر تمهيدا.
مع مرور الإنسان بمراحل عُمرية مختلفة، تظل مرحلة المراهقة الأكثر إرباكا وتشتت، فهي التي يُبنى عليها كثير من الصفات الشخصية للفرد، ورؤيته لنفسه والعالم من حوله، في ظل تغيرات جسدية وضغوط مجتمعية، وهو ما يمكن أن يؤدي بالكثيرين إلى اكتئاب المراهقين نتيجة تكاتف كثير من العوامل الأخرى.
اكتئاب المراهقين
من غير الطبيعي أن يبدو ابنك أو ابنتك في مرحلة المراهقة كئيبا وغير مقبل على النشاطات الاجتماعية، قد تنتابهم أوقات الحزن أحيانا بسبب حساسية المرحلة التي يمرون بها، وتعرضهم لضغوط الدراسة والرغبة في التفوق، ومن الممكن أن يتفاقم الأمر مع تعرضهم للتنمر أو المقارانات والمشكلات الأسرية، في ظل استعداد أجسادهم للتغير ومشاعرهم للتطور.
من الممكن أن يًشعرهم ذلك بالإحباط في كثير من الأحيان، مما يعني ضرورة تغذية مشاعر الرضا بالنفس والانخراط في الأنشطة المفضلة، أما إذا تطور الأمر إلى اكتئاب المراهقين الذي يُعجزهم عن التفاعل مع المجتمع المحيط، حينها يجب أن يكون تدخل الوالدين مختلفا.
ما هي أعراض الاكتئاب عند المراهقين؟
ويمكن للأهل ملاحظة الاكتئاب على أبنائهم إذا استمرت هذه العلامات لأكثر من أسبوعين:
ضعف الأداء الأكاديمي.
الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية (الخروج مع الأصدقاء، أو قضاء الوقت مع العائلة).
الحزن والإحباط.
الشعور المستمر بالذنب.
نوبات الغضب والهياج والمزاج العصبي.
الشعور بالفراغ.
فقدان القدرة على الاستمتاع بالأنشطة المعتادة.
انعدام الثقة في النفس.
صورة ذاتية سلبية عن النفس.
فقدان القدرة على التركيز واتخاذ القرار.
الحساسية تجاه النقد.
القلق الشديد.
التقلبات المزاجية المتكررة.
اضطرابات النوم (إما الأرق، أو النوم لساعات طويلة).
اضطرابات الأكل (فقدان الشهية، أو النهم الشديد).
تعاطي المخدرات.
الأفكار والميول الانتحارية.
الشعور بالتعب والآلام الجسدية.
عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية أو الاعتناء بالمظهر.
إيذاء النفس بشكل متعمد ومتكرر.
فقدان السيطرة على المشاعر القوية.
ويمكن للأهل أن يلاحظوا تكرار بعض هذه العلامات والأفعال على مدار مدة معينة، وحينها يجب التوجه إلى مختص للمساعدة، فاتجاه المراهقين إلى تعاطي الكحول أو المخدرات وإيذاء النفس، دافعه التخلص من الشعور بالفراغ واليأس الذي لا يمكنهم فهم أو تفسير سببه.
أسباب اكتئاب المراهقين
من الصعب اكتشاف أسباب اكتئاب المراهقين أو أسباب الإصابة بالاكتئاب في أي عمر، ولكن هناك مجموعة من العوامل التي يُرجح أنها تؤدي ظهور الاكتئاب والإصابة، وحددها موقع مايو كلينك بـ:
العوامل الوراثية
أي وجود تاريخ صحي عقلي في الأسرة، فقد يكون الأب أو الام أو الأجداد عانوا في أي وقت من الأوقات مع الأمراض النفسية والعقلية سواء القلق أو الاكتئاب، مما يزيد احتمالية إصابة الأبناء أيضا، وخاصة في مرحلة المراهقة شديدة الحساسية.
التغيرات الهرمونية
تعتبر مرحلة المراهقة من أكثر المراحل خطورة، فهي تشهد تحول الإنسان من مرحلة الطفولة بكل مرحها وتلقائيتها إلى أولى خطوات النضج ومواجهة حياة الكبار، ففيها تبدأ التغيرات الهرمونية والجسدية والبلوغ، الذي تؤثر بشكل قوي على المزاج عند البنات والأولاد.
عدم تهيئة الأطفال لهذه المرحلة، وطمأنتهم بالدعم والشرح ومحاولة استيعاب التغيرات الجديدة وأسبابها، تجعلهم يشعرون بالضياع، وتزيد من المشاعر السلبية وعدم تقبل الذات.
مشكلات في كيمياء المخ
حدوث تلف في النواقل العصبية، وهي مواد كيميائية في الدماغ، يغير من وظيفتها ويحفز المشاعر السلبية والمشكلات النفسية، وقد يكون هناك أسباب وراء التلف وقد يحدث دون اكتشاف السبب.
الصدمات النفسية
إمن الممكن أن يتسبب التعرض لأحداث مؤلمة كبيرة إلى اكتئاب المراهقين وانعزالهم، فقد يفقد صديق أو قريب (الوالد، الوالدة)، أو يتعرض لحادث صادم مثل الاعتداء الجنسي أو الجسدي، أو يشهد على عنف أو جريمة قتل.. وغيرها من الأمور التي يصعب عليه التخلص من صدمتها وذكراها.
البيئة المحيطة
يتأثر المراهقون بالبيئة المحيطة بدرجة أكبر مما يتوقع الآباء، فالخلاف بين الأم والأب وتخبط علاقاتهما له تأثير كبير على الأبناء، وكذلك تعرُض الأطفال لأذى وعنف نفسي وبدني في المنزل، والتواجد في بيئة مرهقة يتسبب في اكتئاب المراهقين بدرجات متفاوتة.
ومن ضغوط البيئة المحيطة أيضا، طلاق الأبوين أو تغير كبير في الروتين اليومي، كالانتقال إلى حي أو بلد جديدة، وكذلك التعرض للتنمر في المدرسة أو النادي، والضغوط الأكاديمية غير المتكافئة، ومقارنة الأهل أبناءهم بغيرهم، وعدم قدرة الابن/ الابنة على تكوين صداقات، واستهلاك الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بكثرة.
التفكير السلبي
لدى بعض الأشخاص طريقة تفكير سلبية يتم اكتسابها بسبب النشأة أو أية عوامل أخرى، ولكنها تظهر في شعور المراهق بالعجز وعدم القدرة على التطور والشك في ذاته وعدم قبولها أو احترامها.
من الممكن أن تكون هناك أسباب أخرى وراء اكتئاب المراهقين ولكننا نعرض لأكثر الأسباب شيوعا، والتي قد تختلف من مجتمع لآخر ومن أسرة لأخرى.
ما هي الامراض النفسية التي تصيب المراهقين؟
من أبرز الأمراض التي يعاني منها المراهقون، نتيجة تعرضهم لضغوط معينة، يكون لها علاقة بنفاعلهم مع المجتمع المحيط بهم، وتأثرهم الشديد به، ومنها:
اضطراب القلق العام: وهو أن يكون المراهق دائم الشعور بالقلق تجاه كل شئ، حتى الروتين اليومي العادي.
الاكتئاب: يفقد معه القدرة على التفاعل مع المجتمع، والاستمتاع بالحياة والأنشطة التي يحبها.
الرهاب الاجتماعي: تسبب له مواجهة الآخرين قلقا شديدا لا يمكن السيطرة عليه، ويشعر بعدم الأمان وسط أي تجمع.
كيف اخرج ابني/ ابنتي من الاكتئاب؟
تبدو صدمة كبيرة أن يكتشف الأهل أن ابنهم/ ابنتهم يعاني من الاكتئاب، ويلوم نفسه ويعتقد أنه مقصر، في حين أن اللوم لن يغير الواقع، فلا داعي للهلع ويجب التعامل مع الأمر بحكم، من خلال التركيز على الابن/الابنة ولا يجعل مشاعره هو نفسه كأب أو أم هي المعنية في الموضوع، حت يتمكن من تقديم المساعدة والدعم بالشكل اللازم.
الوعي
يجب أن يتسلح الأهل بالمعرفة جيدا، يقرأون عن اكتئاب المراهقين ويحاولون فهم العلامات والأعراض التي يعاني منها المراهق، ويلجأون إلى المتخصصين ما يجب فعله وما يجب تجنبه.
الدعم
أهم ما يحتاجه الأطفال في هذا الوقت الدعم القوي غير المشروط، فتكون متعاطفا ومحبا ومستمعا باهتمام دون ملاحقته بالنقد، والسعي لفهم الأمور التي تزعجه أو تبدل مزاجه، وتحسين العلاقة بين الأبوين إذا تم ملاحظة أنها المؤثرة فيه، والتحقق من مشاعره بشكل مستمر وبلطف.
التعامل كصديق
يخشى كثير من المرهقين أن يبوحوا لأبويهم بما يشعرون أو يسبب لهم الضيق، خوفا من إصدار الأحكام أو الانتقاد والتنظير، ولذلك عليك أن تُنحي جانبا سلطتك كأب أو أم، وتتعامل بلطف وتقدير، فتسأل عن أحواله بشغف الصديق، لا قلق الأبوين الذي يشعر المراهقون أنه نقد لهم.
لا تسلط الضوء على الأمور السلبية، ولكن أثني على الخطوات التي يتخذها من أجل التعافي، واحرص على قضاء الوقت معه وأن تنصت له أو لها باهتمام حقيقي ومشاكرة فعالة، وفهم مشاعره وتقبلها، ولا تقم بدور المُصلح، فقط أسدي النصيحة بحب ولطف واترك له مساحته من الحرية كأن تقول:
"ما رأيك أن تتصل بصديقك/ صديقتك وتخرجا؟".
"هل من الممكن أن تساعدني/يني في إعداد العشاء؟".
"رأيت إعلان لفيلم جيد، ما رأيك أن نشاهده معا؟".
"يمكنني مساعدتك في المذاكرة، هل تحب/ين ذلك؟".
التركيز على الإيجابيات
مشكلة كثير من الآباء والامهات أنهم يضعون توقعات عالية على أبنائهم، ويجعلون يتحملون عبء تحقيق آمالهم هم الشخصية، وإظهار الصورة التي يتخيلونها عن أبنائهم، غافلين حقيقة أن اطفالهم بشر مستقلين لهم طبائعهم التي شكلتها كثير من العوامل.
في التعامل مع الآبناء ليس منتظر منهم أن يقوموا بإنجازات كبيرة، وأخطائهم وإن كانت غير محتملة فهي قابلة للحل وستمر، لذلك يجب تعزيز الأمور الإيجابية التي يقومون بها، حتى وإن كانت صغيرة وعادية، كغسل أسنانهم والاستحمام، أو توضيب غرفتهم.
اكتئاب المراهقين تجعل أبسط المهام صعبة وشاقة عليه، ولذلك يجب تشجيع الأبناء عندما يقبلون على التفاعل مع المجتمع، ولو بأمور بسيطة، والأهم أن يكون ذلك بصدق وحب، وعدم ذكر السلبيات وما لم يقوموا به، ولكن تعزيز الحركة والنشاط.
اللجوء لمتخصص
لا يمكن أن يُقبل كل الأبناء على الذهاب إلى طبيب متخصص بسهولة، على العكس، قد ينكر وجود مشكلة من الأساسن ودورك حينها أن توجهه وتطمئنه أن الأمر باختياره، وفي نفس الوقت توضح له مزايا الأمر وتحدثه عن تجارب سابقين، وتخبره أنك قد تكون متواجدا إذا أحب.
لا تجبره على الأمر، ولكن حاول أن تكون دوما إلى جانبه، وتقترح عليه العلاج بطرق مختلفة ودون إلحاح، حتى يقرر هو/ هي بنفسه، وإذا ذهب إلى الطبيب، احرص على متابعته ومعرفة إذا كانت الأمور تسير بطريقة طيبة، وهل هناك أمور يحبها وأخرى لا يحبها في العلاج؟ فالابن/الابنة يجب أن يرغب هو أيضا في التعافي.
وبشكل عام هناك أنشطة وأمور أخرى يمكنها المساعدة على تحسين المزاج، وتقليل فرص حدوث اكتئاب المراهقين لأطفالكم، ومنها:
الخروج مع الأصدقاء المقربين.
المشاركة في أنشطة رياضية مختلفة.
القيام بأنشطة اجتماعية قعالة، مثل التطوع ومساعدة الآخرين.
الحصول على قسط كافي من النوم.
تناول وجبات صحية.
وجود مساحة آمنة للحكي في المنزل دون عواقب سلبية.
ترشيد استخدام الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
اكتئاب المراهقين لا يمكن أن يكون نهاية المطاف لأبنائكم، فقد يبدو عثرة في طريقهم يمكنهم تخطيها بالعلاج والدعم وتعزيز الثقة بالنفس، وقد يكون فرصة لجعل شخصياتهم أفضل وأكثر قوة، فكونوا إلى جانبهم.