بعد مقتل زعيم فاغنر..التاريخ الأسود للجيوش الخاصة حول العالم
بعد مقتل زعيم مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، بعد تحطم طائرته الخاصة فوق موسكو، عاد الحديث مرة أخرى عن دور الشركات الأمنية الخاصة في الحروب.
يرى بعض الباحثين أن بداية تأسيس الشركات الأمنية يعود لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد تأسيس شركة «داين كورب» DynCorp على أيدي جماعة من المحاربين القدامى في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1946. ويرى البعض الآخر أنها تعود لفترة منتصف الستينيات من القرن الماضي، حين أنشأ الكولونيل الإنكليزي الاسكتلندي السير ديفيد سترليتغ شركة «ووتش غارد انترناشيونال Watch Guard International» والتــي قدمــت خدماتهــا لبعــض دول الخليــج.
تزايد الطلب على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة منذ نهاية الحرب الباردة، فتحوّلت في الوقت الحاضر إلى صناعة كبرى تقدّم مروحة واسعة من الخدمات، مما استدعى أن يوّظف بعضها ما يزيد على 100.000 موظف.
وهذا ما أدى إلى تطور الموقف الدولي منها تطورًا ملحوظًا تمثّل في سعيه إلى تحويلها كيانات قانونية، أو تطوير الأطر القانونية التي تنظّم عملها، وكذلك قبول مشاركتها في عمليات حفظ السلام الدولي في مرحلة لاحقة وبخاصة في إفريقيا.
ووفق مواقع عسكرية وتقرير سابق لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن أشهر تلك الشركات شبه العسكرية حول العالم:
- "فاغنر": تعود جذورها لشركة "أوريل" لمكافحة الإرهاب، وتأسست في مدينة أورويل عام 2003، على أيدي أفراد متقاعدين من القوات الخاصة الروسية.
- كتيبة "آزوف" الأوكرانية: تأسست 2014 من ناشطين من اليمين المتطرف، وبدأت أعمالها منذ بداية الحرب.
- ووتر" الأمريكية: غيّرت اسمها بعد انتهاكات بالعراق إلى" أكاديمي"، وتمتلك جيشا من 20 ألف عنصر وقواعد تدريب وطائرات.
- "جي فور إس" البريطانية: تعد واحدة من أكبر شركات الخدمات الأمنية متعددة الجنسيات، ولديها 625 ألف موظف ومتعاقد أمني يعملون في 125 دولة.
- "إيرينيس" البريطانية: تعمل في إفريقيا وأفغانستان والعراق، وتسلمت 282 موقعا من الجيش الأميركي في العراق، ولديها 16 ألف متعاقد.
- "دينكورب" الأمريكية: تمتلك 10 آلاف مقاتل، وحلّت مكان القوات الأميركية بالعراق.
- "تريبل كانوبي" الأمريكية: تمتلك 3 آلاف عنصر أغلبهم من البيرو وأوغندا، وحصلت على عقد بقيمة مليار دولار من الجيش الأميركي.
70 شركة عسكرية خاصة تابعة لموسكو
مجموعة فاغنر ببساطة ليست شركة المرتزقة العسكرية الروسية الوحيدة، فقد أشارت تقارير إلى أن أكثر من 70 شركة عسكرية خاصة تابعة لموسكو شاركت في الحرب على أوكرانيا، واحدة منها يُعتقد أنها على علاقة بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اسمها "باتريوت" وتعمل منذ عام 2018، بعض هذه المجموعات المسلحة مسجلة رسميا ولها عناوين قانونية ومواقع إلكترونية، وتصف أنشطتها والخدمات التي تقدمها على أنها "شركة استشارات عسكرية خاصة"، لكن معظمها موشى بالضبابية في كل أنشطته.
الشركات العسكرية الخاصة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأوليغارشية القريبة من رجال الكرملين وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه (وهم رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين بنوا ثروتهم في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، مثل مالك فاغنر يفغيني بريغوزين)، وبذلك يعمل معظمها عبر روابط غير رسمية مع الحكومة الروسية.
جنود تلك الشركات ليسوا فقط من ضباط الجيش السابقين، بل تقوم بعض تلك الشركات بالحصول على الأفراد من كل الخلفيات عبر الإنترنت، وتدريبهم للعمل جنودا.
وبعد أن تمرد قائد فاغنر على الجيش الروسي، أعلن مجلس الدوما الروسي إعداد مشروع قانون بشأن أنشطة الشركات العسكرية الخاصة، لافتا إلى أنه "من السابق لأوانه" الحديث عن مستقبل شركة "فاغنر" الخاصة.
المفاجأة هنا هي أن مواد عدة في القانون الروسي تحظر تكوين المرتزقة وتمويلهم، وتحظر جميع التشكيلات المسلحة غير المنصوص عليها في القانون الاتحادي الروسي، لكن رغم ذلك توجد هذه المجموعات وتنتشر، بل وتتزايد أعدادها يوما بعد يوم.
ما هي الشركات الأمنية؟
عرفت الأمم المتحدة شركات الخدمات الأمنية والعسكرية الخاصة بأنّها شركات ذات كيان قانوني، تقدم لقاء مقابل مادي خدمات عسكرية-أمنية بواسطة أشخاص طبيعيين أو كيانات قانونية، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي والاستخبارات والتحقيقات وعمليات الاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وعمليات الطيران أيًا كان نوعها، والمراقبة بالأقمار الصناعية. أمّا الخدمات الأمنية، فتتضمن حراسة أو حماية المباني والمنشآت والممتلكات والأشخاص بواسطة حرس مسلحين، وأي نوع من أنواع نقل المعارف بواسطة تطبيقات أمنية أو تطبيقات حفظ النظام، واتخاذ تدابير أمنية لأغراض الرقابة وتنفيذها.
هذا التعريف يجعل تعريف المرتزقة الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم، الصادرة عام 1989، غير منطبق على موظفي هذه الشركات إذا ما عملوا بشكل قانوني، إلا أنّ الحالة ليست على هذه الصورة على الدوام.
ويشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بصورة عامة، إلى شركات تجارية تبرم عقودًا قانونية تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدّمه من خدمات تتعلق بالمجال الأمني.
وتدخل الشركات العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط سواء في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها من الدول واضح، ويمكن إعتباره نموذجا للحرب بالوكالة، وتعد شركه البلاك ووتر في العراق أكثر هذه الإشكاليات وضوحًا، وعليه فقد اهتمت الدراسة بدور شركة البلاك ووتر، وما قامت به من أعمال كانت في البداية تقديم الدعم اللوجيستي للجيش الأمريكي، ثم تطور دورها إلى المشاركة في العمليات العسكرية واستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات عسكرية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم رصد هذه العناصر في الصفوف الأولى للجيش الأمريكي أثناء قيامه بالعمليات العسكرية في العراق، مما يشير إلى استخدام هذه الشركات في الحرب بالوكالة لصالح الولايات المتحدة في العراق.
وحسب خبراء، فأن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة شركات للمرتزقة مهما أطلق عليها من تسميات مضللة خادعة، ومهما قيل في تبريرها وجودا وحياة فهي غير شرعية بل أنها تعد من أخطر جرائم العصر فهي تهدد السلم والأمن الدوليين في كل رجا من أرجاء الأرض، فالجرائم التي يرتكبوها والمذابح التي يقدمون عليها بدم بارد في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا وفي أفغانستان وفي إفريقيا علي مدي عقود طويلة وفي العراق، ولا نغالي في القول إذا قلنا أنهم وراء كل بؤر التوتر وعدم الاستقرار في العالم فيه حقا تهدد السلم والأمن الدوليين فمن يجرؤ بعد ذلك علي القول بشرعيتها وضرورة وجودها في الحياة إلا تجار الحروب والموت والدمار والخراب أصحاب المجمع الصناعي العسكري الخاص وأنصارهم وأذيالهم من ضعاف النفوس والخونة والعملاء من الحكام.
وعن دور الشركات الأمنية وعلى رأسها فاغنر، قال خبراء روس، إن الشركات العسكرية أصبحت "جيوشا تحت الطلب، تلجأ إليها بعض الدول لتجنب التكلفة السياسية حال مقتل جنودها النظاميين خلال معارك، كما تنفذ عمليات سرية".
ولم ينسى العالم الأعمال القذرة والوحشية التي أرتكبتها وترتكبها هذه الشركات في الحروب وفي مناطق النزاعات حول العالم، وخاصة في بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا والسودان، والكثير من الدول الأفريقية.