أسرار انتشار مرض مناعي مدمر بين الشباب والفتيات في مصر
أصبح مرض التصلب العصبي المتعدد فزاعة جديدة تطارد مصابيه لعدم الوعي بطبيعته وخطورة أعراضه، علاوة على عدم إتاحة العلاج للمواطنين، ويهدد المرض بشكل خاص الشباب، خاصة وأن الفئة الأكثرعرضة للإصابة به أصحاب الأعمار من 20 إلى 40 عامًا لما له من تأثير قاتل قد يصل إلى إعاقة جزء من أجزاء الجسم بشكل كامل.
ويأتي المرض نتيجة حدوث خلل في الجهاز المناعي، اللاعب الرئيسي في دور حماية الجسم من البكتيريا والجراثيم، ما ينتج عنه ما يسمى بأمراض المناعة الذاتية.
ويعتبر مرض المناعة الذاتية حالة يهاجم فيها جهاز المناعة عن طريق الخطأ الجسم، فبدلا من محاربة الفيروسات والبكتيريا فقط، يبدأ في محاربة أعضاء الجسم وكأنها جسم غريب يجب التصدي له.
وتقدر أعداد المصابين بمرض التصلب المتعدد بنحو 2.3 مليون شخص حول العالم حسب الإحصائيات الرسمية المتاحة.
صعوبة التشخيص
ويتصدر مرض التصلب المتعدد قائمة الأمراض المستعصية والأكثر صعوبة في التشخيص بداية الإصابة لتشابه أعراضه مع أعراض أمراض أخرى متعددة.
ويعتبر مرضًا ذا وساطة مناعية يهاجم فيه الجهاز المناعي للجسم أنسجته، وفي حالته يؤدي هذا الخلل المناعي إلى تدمير المواد الدهنية التي تغطي الألياف العصبية في الدماغ والحبل النخاعي «الميالين»، مما يؤدي إلى تصلب في الخلايا وبالتالي بطء أو توقف سير السيالات العصبية المتنقلة بين الدماغ وأعضاء الجسم.
وتتعدد أسباب الإصابة بالأمراض المناعية، منها خلل الجهاز المناعي، والعامل الوراثي، والجنس، والعدوى العامة، والهرمونات مثل انقطاع الطمث، والحمل والولادة التي تنطوي على تغييرات في مستويات هذه الهرمونات.
وتؤدي أمراض المناعة الذاتية إلى نمو غير طبيعي أو غير لائق لأداء الأجهزة، أو أنه قد يؤدي إلى تلف أنسجة متعددة والأجهزة بما في ذلك الجلد، والعضلات، وخلايا الدم الحمراء، والغدد الدرقية والأنسجة الضامة.
جهود وزارة الصحة
من جانبه، يقول الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إن الوزارة تهدف من خلال برامجها المختلفة لدعم مرضى التصلب المتعدد لإزالة الحواجز الاجتماعية الخاصة بمرضى التصلب المتعدد، وتعزيز الرعاية الذاتية والحياة الصحية للمرضى.
وأشار إلى أن الإصابة بمرض التصلب المتعدد تؤثر على العديد من الأنشطة الحياتية والاجتماعية، مما يفرض أهمية تعزيز الوعي لدى الشباب، وخاصة من سن 20 إلى 40 عامًا وهم الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة بأمراض التصلب المتعدد.
وأضاف «عبد الغفار»، أنه تم تقديم الخدمات الطبية والعلاجية لـ14 ألفا من مرضى التصلب المتعدد على نفقة الدولة، والتأمين الصحي، من خلال 16 وحدة بالمستشفيات والمراكز على مستوى الجمهورية.
وتابع أنه تم إنشاء وحدات بمحافظات الصعيد، تعمل بتقنية التطبيب عن بُعد «Telemedicine» مع المراكز والوحدات الرئيسية بالقاهرة، منوهًا إلى أنه جاري العمل على زيادة عدد المراكز بمختلف محافظات الجمهورية؛ للتخفيف عن كاهل المرضى.
وأكد أن الدولة وفرت 20 دواء فعالا لمرضى التصلب المتعدد على نفقة الدولة والتأمين الصحي، منهم أنواع طويلة الأمد يمكن تناولها كل 4 أشهر تمنع الإعاقات والهجمات التي تصيب المريض من آن لآخر.
وأكد أنه كلما كان اكتشاف المرض مبكرا فإن المريض يعيش نمط حياة صحى، مؤكدا أن الأعراض التي يمكن أن يتم ملاحظتها على المريض قد تتمثل في ضعف في الإبصار قد يصل إلى فقدان الرؤية في أحد العينين، أو ازدواجية الرؤية أو تنميل في الرقبة أو ثقل في القدمين، موضحًا أنه مرض مناعي يصيب المخ.
وقال، إن هناك بروتوكولات تم وضعها في مصر من قبل الأطباء المصريين، والدولة لا تبخل لعلاج المرضى، وقبل دخول أدوية التصلب المتعدد نفقة الدولة كان المريض لا يستطيع شراء العلاج.
وأشار إلى أن الرئيس السيسي، أولى اهتمامًا كبيرًا بصحة المواطن المصري مما دعا لإنشاء لجان على مستوى الجمهورية لعلاج وتشخيص مرضى التصلب المتعدد، في مختلف محافظات مصر، وهو ما يدل على عدم المركزية لعلاج مرضى التصلب المتعدد.
وأكد أنه لم يعد المريض يضطر للذهاب إلى القاهرة للعلاج بل يمكن تلقى العلاج في المحافظة التابع لها، مضيفا أنه يوجد فى كل محافظة لجنة تقوم بتشخيص المريض وصرف العلاج، أما على نفقة الدولة أو من خلال التأمين الصحي، واللجنة تقدم الخدمات.
حالات مصابة بمرض التصلب العصبي المتعدد
والتقت «النبأ»، إحدى الفتيات مصابة بمرض التصلب المتعدد والتي رفضت ذكر اسمها، وتبلغ من العمر 20 عامًا، لتقول إنها في بداية المرض وقبل التشخيص فوجئت بفقد الرؤية في العين اليسرى وتطورت الحالة للشعور بتخدير وتنميل وضعف في اليدين والقدمين ما أثر بالسلب في التوازن والأعصاب، وبعد حجزها في معهد ناصر بمحافظة القاهرة وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة والذهاب لعدد من أطباء العيون والباطنة ومخ وأعصاب، تبيّن إصابتها بمرض التصلب العصبي المتعدد.
كما التقينا بحالة أخرى لا تختلف أعراضها كثيرًا عن الحالة السابقة، وهي لشاب يبلغ من العمر 35 عامًا تعرض في بداية المرض إلى تنميل في اليدين والقدمين «إحساس بصدمة كهربائية» ترافقها حركات معينة في العنق «مثل تحريك العنق إلى الأمام»، ثم شلل نصفي وتدهور في الأعصاب، وأخيرًا اكتشف أنه مصاب بضمور في المخ.
تلف الألياف العصبية
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور محمد خالد، ممارس عام بالتأمين الصحي وأخصائي أمراض الباطنة والجهاز الهضمي والمناعة بمحافظة أسيوط، إن التصلب المتعدد مرض يحتمل أن يسبب إعاقة الدماغ والحبل النخاعي -الجهاز العصبي المركزي- ولا يُعرف سبب مُحدد للإصابة بهذا المرض، مؤكدا أنه يحدث في أي مرحلة عمرية، لكنه يحدث غالبًا في الفترة بين 20 و40 عامًا.
وأضاف أن مرض التصلب العصبي المتعدد، يهاجم الجهاز المناعي ويسبب مشكلات في الاتصال بين الدماغ وبقية الجسم، وفي النهاية يمكن أن يسبب تلفًا أو تدهورًا دائمًا في الألياف العصبية.
وأشار «خالد»، إلى أن مؤشرات مرض التصلب العصبي المتعدد وأعراضه تختلف من مريض لآخر، بناءً على موضع تلف الألياف العصبية وشدته في الجهاز العصبي المركزي، فقد يفقد بعض المصابين بالتصلب المتعدد الشديد القدرة على المشي.
وأوضح أخصائي أمراض الباطنة والجهاز الهضمي والمناعة، أن الأعراض الشائعة تشمل خدَر أو ضعف في واحد أو أكثر من أطراف الجسم عادة ما يظهر على أحد جانبي الجسم في المرة الواحدة، الوخز، انحناء الرقبة للأمام، ضعف التوازن، عدم القدرة على المشي، فقدان جزئي أو كلي للإبصار، عادةً في عين واحدة في المرة الواحدة، شلل جزئي أو كلي وغالبًا يصاحبه شعور بالألم أثناء حركة العين، الدوار.
وأكد أن الدولة تقوم بحملات «100 مليون صحة» وتحاول جاهدة القضاء على الأمراض واكتشافها بشكل مبكر.
طرق التعامل مع الأطفال
من جانبه، قال الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إن التصلب المتعدد من الأمراض التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي ويصيب الكبار والصغار، وينتج عن الإصابة بهذا المرض مشكلات في الاتصال بين الدماغ وبقية أجزاء الجسم.
وأضاف «حجازي»، أن مرض التصلب المتعدد له العديد من الأعراض التي تتمثل في فقدان الاتزان ومشاكل في الرؤية مثل ضبابية الرؤية أو فقدان البصر بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة إلى تأثره على القدرة الحركية والقدرات الإدراكية ووجود مشكلات في الكلام كالتلعثم، ومشكلات أخرى تتعلق بالحالة المزاجية واضطرابات في الأمعاء والمثانة.
وأكد أستاذ علم النفس التربوي، أن الأطفال المصابين بهذا المرض يحتاجون إلى رعاية تربوية خاصة، منها يجب أن تكون بيئة الفصل الدراسي آمنة خالية من الأسلاك أو معيقات الحركة لأن المشكلات الإدراكية والبصرية قد تعوقه عن الرؤية الواضحة، وتقديم المعلومات ببطء شديد وتكرارها أكثر من مرة والتأكد من إدراكها بشكل صحيح، والتقليل من الأنشطة الحركية قدر الإمكان حرصًا على سلامة الطفل وعدم إجهاده، الاهتمام بالدعم النفسي وبث الأمل والتفاؤل في نفوس الأطفال باستمرار، مع مراعاة الحالات الإدراكية الخاصة ومشاكل النطق أثناء التدريس لهؤلاء الأطفال.
واختتم حديثه قائلًا: «وأخيرًا لا بد من التواصل المستمر بين الأسرة والمعلم ومتابعة الحالة الصحية باستمرار وأخذ رأي الطبيب المختص قبل تنفيذ أي أنشطة مع الطفل منعا لحدوث أي ضرر».