حل للأزمة الاقتصادية أم «مسكنات»؟..
خطة الحكومة لسداد الديون بعد الانضمام إلى «بريكس»
على مدار الأيام القليلة الماضية، كان انضمام مصر لمجموعة «البريكس» الحدث الأهم على الساحة الاقتصادية، لما يحمله من مكاسب بشأن انخفاض الضغط على الدولار، وتبادل التجارة مع أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم.
ووسط ترحيب محلي وعالمي بانضمام مصر لمجموعة «بريكس»، طرح البعض تساؤلات عدة حول ما ستقدمه مصر بعد هذا الانضمام؟ وكيف سيساعد هذا التجمع الدول المشاركة فيه اقتصاديًا؟ وهل بالفعل سوف يكون هناك مردود إيجابي لحل الأزمة الاقتصادية أم مجرد مسكنات للمواطنين فقط؟ وكم من الوقت ننتظر لجني ثمار انضمام مصر لمجموعة بريكس؟
واعتبر البعض انضمام القاهرة لمجموعة «بريكس» يمثل ضربة اقتصادية قوية للدولار، حيث تستطيع الحكومة شراء التزاماتها من المواد الغذائية بالعملة المحلية دون الحاجة للدولار.
على الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء أن الانضمام لبريكس سيفتح الباب أمام ما سيتيحه هذا الانضمام من آفاق جديدة للحصول على قروض ميسرة بالتزامن مع ارتفاع حجم الديون.
وأعلن قادة بريكس، انضمام 6 دول جديدة إلى التكتل الاقتصادي، من بينهم 3 دول عربية هم مصر والسعودية والإمارات، في خطوة تستهدف تقوية التحالف وتعزيز دوره العالمي.
وتمثل مجموعة البريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويشكل اقتصاد تلك الدول أكثر من 26% من الاقتصاد العالمي، وتسجل عدد سكان الدول الخمس 40% من سكان العالم.
وبعد انضمام مصر، خرج الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال تصريحات تلفزيونية، قائلًا إن تجمع بريكس كان الهدف من إنشائه تحقيق التوازن العالمي والخروج من قطبية القيادة الواحدة، وأن يكون هناك توازن في آلية إدارة الملفات العالمية الكبيرة.
وأضاف «مدبولي»، أن الرئيس السيسي كان حريصًا على أن يكون لمصر دور متوازن وعلاقات مع مختلف الأطراف، موضحًا أن الدول الخمسة الموجودة حاليًا في التجمع تمثل 31% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن تصل إلى 50%.
وحول المزايا التي ستحصل عليها مصر قال: «التجمع له بنك تنمية ويقرض أعضاءه الرئيسيين بقروض ميسرة لأغراض مشروعات التنمية والبنية الأساسية، وهذا يفتح لمصر آفاقا جديدة للحصول على قروض ميسرة».
أزمة الديون
وتسببت تصريحات رئيس مجلس الوزراء حول فتح آفاق جديدة للحصول على قروض ميسرة، حالة من الجدل ولا سيما مع ارتفاع حجم الديون المصرية.
وبحسب البيانات الرسمية، وصل حجم الديون المصرية إلى 154 مليار دولار في الربع الأول من العام الحالي قافزًا من 134 مليار دولار في الربع الأول من عام 2022.
جاء ذلك في الوقت الذي تعاني فيه مصر من نقص الدولار، بسبب أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
وكان سعر الدولار في البنوك ارتفع بقيمة تقترب من 100% منذ مارس 2022 حتى الآن، فبعد أن كان يتداول بسعر 16 جنيهًا وصل إلى 30.85 جنيهًا، بينما يصل سعر الدولار في السوق السوداء، إلى 40 جنيهًا للشراء، و41 جنيهًا للبيع.
أعباء جديدة
وفي هذا السياق، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، إن اتجاه الدولة للاقتراض من بنك التنمية التابع لمجموعة البريكس يزيد حجم الديون مما يمثل أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن الاقتراض يعني زيادة في حجم الدين الخارجي والعام، ولكن في نفس الوقت ليس أمام مصر سوى الاقتراض لحل الأزمة الحالية وخاصة مع التحديات المرتبطة بتراجع التصنيف الائتماني.
وأشار «الإدريسي»، إلى أن التعاون مع دول البريكس يعني الاقتراض بشكل ميسر بفائدة أقل حيث يصل نسبتها إلى 3.5%، متابعًا: «من خلال هذه القروض سيتيح لمصر عبور الأزمة الحالية وتوفير السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج والأدوية».
وأوضح أنه مع تحسن مصادر مصر الدولارية من السياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات المصريين في الخارج تستطيع الحكومة سداد ديونها.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن الفجوة الدولارية في مصر في زيادة مع ضعف كفاءة إدارة ملف الدين العام، لافتًا إلى أن الدولة وصلت لمرحلة الاقتراض هو الحل.
وحول حدوث انخفاض جديد للجنيه وأثره على الديون، قال إن كل المؤسسات الدولية تتوقع تحرير في سعر الصرف، خلال أيام، وهو الأمر الذي يزيد حجم الديون.
وتابع: «من الصعب استمرار البنك المركزي في دعم العملة المحلية إلى بداية عام 2024، أو إلى ما لا نهاية، ومن المفترض أن يصل إلى السعر العادل أو يقاربه».
ولفت الدكتور علي الإدريسي، إلى أن سعر الدولار يتداول في السوق الموازي حاليًا بسعر 41 جنيهًا، بينما في البنوك يتداول بسعر 30.95 جنيهًا، قائلًا: «وجود سعرين يذهب جميع التعاملات إلى السوق الموازي».
مصالح مشتركة
ومن ناحيته، قال النائب أحمد دياب، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بالبرلمان، إن انضمام مصر لمجموعة البريكس أمر جيد، حيث دخلت مصر لكيان يمثل قوة على مستوى العالم وسيكون لها عملة رقمية ستنافس الدولار ولكن لن تقضي عليه.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن انضمام مصر سيكون له مصالح مشتركة، بين دول البريكس وبعضها، متابعًا: «انتهى زمن تقديم المساعدات دون ثمن، والقروض سيكون أمامها فائدة».
وأوضح «دياب»، أن هناك العديد من المشروعات التنموية في مصر تواجه صعوبات بسبب الدولار ويجب علينا تكملتها، مثل شرق التفريعة والمثلث الذهبي وشرق العوينات ومحطات البطاريات، وتزريع السمك.
وتابع: «معظم المشروعات الحالية تم البدء فيها بقروض ويجب أن تنتهي بقروض، ولكن يحب أن ننظر للجانب الإيجابي فالعاصمة الإدارية اعتمد جزء منها على القروض ولكن بعد إنجازها أصبحت مجتمعا ينمو ومصدرا للدخل والاستثمار المباشر وكذلك عدد من المشروعات الأخرى الخاصة بالطرق».
وأشار عضو لجنة الشئون الاقتصادية بالبرلمان، إلى أن الاتجاه للصناعة أفضل من القروض، حيث إنه يوفر فرص عمل للشباب، بجانب حدوث رواج نسبي للمناطق الصناعية، وتوفير السلع التى يحتاجها السوق المحلي، والعملة الصعبة من التصدير.
سوق مشتركة
من جانبه، أكد الدكتور محمود الشريف، الخبير الاقتصادي، أن انضمام مصر لـ«بريكس» يتيح فرصة التبادل التجاري مع دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل بعملاتها المحلية؛ ما يقلل الضغط على استخدام الدولار في التداول.
وتابع «الشريف»: «هذه الخطوة سيكون لها دور كبير أيضا في خلق سوق مشتركة لترويج السلع والمنتجات المصرية في ظل التوازنات المرتقبة التي تصنع على المستوى الدولي والإقليمي، بجانب تجمع الكوميسا، ما يدعم استمرار الرؤية الاستراتيجية بشأن تنويع جديد للعلاقات الدولية التجارية، خاصة وأن هذا التكتل أعطى للدول الأعضاء نوعا من التوازن والتبادل التجاري السريع لإنعاش اقتصادها، فضلًا عن تكوين احتياطيات لمعالجة مشكلة السيولة، وكيفية مواجهة الأزمات العالمية من خلال اقتصاديات الدول الأعضاء».
واستكمل حديثه: «إضافة إلى أن مصر تبحث عن حلول جذرية ومستمرة من أجل الخروج من أزمة ضغوط التعامل من خلال عملة أجنبية واحدة، وتنتهج الدولة المصرية سياسة اقتصادية توسعية للوصول إلى هدف 100 مليار صادرات سنويا وهذه الخطوة سيكون لها مردود كبير بشأن زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير ملايين فرص العمل».
نظام عالمى جديد
وفي السياق ذاته، يقول الدكتور إبراهيم صالح، الخبير الاقتصادي الدولى، إن مجموعة «بريكس» ليست منظمة اقتصادية، بل هي منظمة سياسية بحتة، تجمع رابطة من الدول غير الراضية على النظام العالمي أحادي القطب، وتسعى لاستبداله بنظام عالمي جديد، يكون للمجموعة فيه وزن أكبر.
وأضاف: «إلا أن هذا الهدف قد لا يتحقق لأن الدول الغربية لا زالت الشريك الرئيسي للمجموعة في مجال الاقتصاد والتقنية والتبادل التجاري، وبالتالي فإن المشروعات الاقتصادية والتكاملية لدول بريكس لا زالت قيد الخطط والبيانات فقط».
وتابع: «لذلك من الممكن تجاهل فكرة العملة الموحدة للمجموعة، لأنها تحتاج إلى إنشاء مركز موحد لإصدار النقود المشتركة، والذي يتطلب التخلي عن جزء كبير من السيادة في المجال الاقتصادي».
واستطرد: «وبهذا تصبح عملة بريكس الموحدة مستحيلة من حيث المبدأ، لأنها تتعارض مع الهدف الرئيسي غير المعلن لهذه المجموعة، ولن تستطيع منافسة الاستخدام العالمي للدولار، الذي وصل خلال السنوات الماضية إلى نسبة 70%، وقد يستمر في هذا الوضع لنهاية العقد القادم».