الأسد وقرينته في الصين.. القصة الكاملة
قالت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا"، أن الرئيس السوري بشار الأسد، وصل اليوم الخميس، إلى الصين، في زيارة هي الأولى منذ أكثر من عقد.
وذكرت الوكالة، إن الرئيسين سيعقدان قمة سورية صينية، كما تشمل الزيارة عددا من اللقاءات والفعاليات التي سيجريها الرئيس الأسد وأسماء الأسد في مدينتي هانغتشو وبكين.
وحسب خبراء ومراقبون سوريون، فإن هذه الزيارة تندرج في أفق التحولات التي يشهدها الحدث السوري، بعد الانفتاح العربي وجملة التطورات في المواقف من الأزمة، ومن المتوقع أن تكون نقطة تحول في الحدث السوري وتداخلاته الدولية.
ويرى الخبراء، أن زيارة الأسد تقول للعالم أن سوريا ماضية في خطها السياسي وتحالفاتها الدولية، وأنها تعول على التغير في موازين القوة في العالم، بوصفه رافعة للحدث السوري، تنقله من الصراع والحرب إلى السياسة، ومن القطيعة إلى التواصل، ومن الدمار والحصار إلى البناء والتنمية.
وتأتي زيارة الرئيس الأسد لبكين في وقت تشهد المنطقة تغيرات كبيرة تتمثل بالمصالحة السعودية الإيرانية واستئناف دمشق علاقاتها مع دول عربية عدة، على رأسها السعودية، وما ترتب على ذلك من استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها منذ العام 2011، وحضور الرئيس الأسد القمة العربية في جدة في شهر أيار/مايو الماضي.
كما تأتي الزيارة أيضًا بعد توتر كبير في العلاقات الأمريكية الصينية، وازدياد المنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم على منطقة الشرق الأوسط، التي باتت تحظى بأهمية كبيرة لدى الأطراف الدولية، ولا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وكان للصين دور في عودة سوريا إلى الحضن العربي، إذ إن دمشق كانت حاضرة في المناقشات التي أجراها الرئيس الصيني في أثناء زيارته السعودية. وأيضًا، كانت ضمن المباحثات التي أجراها الرئيس شي مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي عندما زار الأخير بكين أواخر شهر شباط/فبراير الماضي.
وعلى صعيد الأزمة في سوريا، قدمت بكين مقترحات لحلها عدة مرات، منها عام 2021 عندما زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي دمشق، وقدم اقتراحًا لحل القضية السورية من 4 نقاط. يقوم الاقتراح على احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها واحترام خيار الشعب السوري، وتسريع عملية إعادة الإعمار، ورفع العقوبات ومكافحة الإرهاب، وإيجاد حل سياسي وحل الخلاف بين الفصائل السورية من خلال التشاور والحوار.
كما استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) في ثماني مناسبات على الأقل ضد قرارات للأمم المتحدة تدين حكومة الأسد وتهدف إلى إنهاء الصراع متعدد الأطراف المستمر منذ عشر سنوات والذي اجتذب دولا مجاورة وقوى عالمية، وعلى عكس إيران وروسيا، لم تدعم الصين بشكل مباشر جهود النظام لاستعادة السيطرة على البلاد.
وفي سبتمبر 2017، كان النظام السوري قد صنّف الصين، إلى جانب روسيا وإيران، "بالحكومات الصديقة" التي ستمنح الأولوية لمشاريع إعادة الإعمار.
وفي يناير من عام 2022 وقعت حكومة النظام السوري على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تعمل بكين من خلالها على توسيع نفوذها في المناطق النامية من خلال مشاريع البنية التحتية.
وتتمتع سوريا بأهمية استراتيجية بالنسبة لبكين لأنها تقع بين العراق، الذي يمد الصين بنحو عشرة بالمائة من استهلاكها النفطي، وتركيا، التي تمثل نهاية ممرات اقتصادية ممتدة عبر آسيا إلى أوروبا، والأردن، الذي غالبا ما يتوسط في النزاعات في المنطقة.
وحسب رويترز، من المنتظر أن يحضر الأسد حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية ضمن أكثر من 12 من كبار الشخصيات الأجنبية قبل أن يرأس وفدا رفيع المستوى في سلسلة من الاجتماعات بعدة مدن صينية تشمل اجتماع قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينج.
وذكرت رويترز، أن الأسد وصل على متن طائرة تابعة لشركة إير تشاينا وسط ضباب كثيف، وقالت وسائل إعلام رسمية صينية إن ذلك "زاد من أجواء الغموض" في إشارة إلى حقيقة أن الزعيم السوري نادرا ما كان يشاهد منذ 2011، عندما اندلعت الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص.
ومن جانبها، اعتبرت الصين أن الزيارة التي بدأها الرئيس السوري، تشكّل فرصة لدفع العلاقات بين دمشق وبكين إلى "مستوى جديد".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج "نرى بأن زيارة الرئيس بشار الأسد ستعمّق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة بين البلدين، بما يدفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد".
ويقول المحلّل السياسي السوري أسامة دنورة من دمشق "هذه الزيارة تمثّل كسرا لنطاق مهم من العزل الدبلوماسي والحصار السياسي المفروض على سوريا، كون الصين دولة عظمى وذات ثقل على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي الدولي".
وأضاف لوكالة فرانس برس "الصين تكسر التابوهات الغربية التي تحاول منع عدد من الدول من التعاطي مع ما تعتبره واشنطن دولا معزولة".
ويقول كبير الخبراء في "المجلس الأطلسي"، ريتش أوتزن، أن النظام السوري والصين يشتركان في العزلة والضغوط التي تمارسها عليهم الدول الغربية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والتوترات العسكرية، سواء بشأن تايوان في حالة الصين، ومع تركيا وإسرائيل في حالة سوريا.
وفي غضون ذلك "يسعى الأسد إلى الشرعية والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية والتعويض عن الاعتماد على إيران وروسيا".
ويضيف، أن الصين من جانبها تسعى إلى "أسواق جديدة لاستغلالها من خلال نهجها في الإقراض والاستثمار".
كما تسعى إلى "تعزيز صورتها كميسر دبلوماسي في الشرق الأوسط (كما هو الحال مع توسطها في المحادثات السعودية الإيرانية)".
وفي غضون ذلك "يسعى الأسد إلى الشرعية والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية والتعويض عن الاعتماد على إيران وروسيا".