مؤشرات إيجابية باتجاه خفض التوترات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
يبدو أن المسؤولين بالصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شعروا بالألام الناجمة عن التناحر التجاري والآن يحاولون تخفيف الآلام.
يأتي ذلك بعد أن ذكرت تقارير إعلامية رسمية صينية يوم الثلاثاء أن الصين والاتحاد الأوروبي أجريا اتصالات "صريحة وعملية" وتوصلا إلى سلسلة من النتائج والتوافقات ذات النفع المتبادل، فيما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن تشكيل مجموعة عمل اقتصادية مع وزارة المالية الصينية وأخرى مالية مع بنك الشعب الصيني، في خطوة إيجابية ربما تدفع اجتماعا محتملا بين زعيمي البلدين في نوفمبر المقبل.
وقالت وكالة شينخوا الرسمية الصينية للأنباء إن الجانب الصيني بحث مع نظيره الأوروبي قضايا مثل الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار والسلاسل الصناعية وسلاسل التوريد والتعاون المالي خلال الحوار الاقتصادي والتجاري الرفيع المستوى العاشر بين الصين والاتحاد الأوروبي الذي عقد في بكين.
وقال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه ليفنغ إن الصين مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي من أجل التنفيذ الكامل للتوافق المهم الذي توصل إليه قادة الجانبين، واتخاذ خطوات الصين لدفع الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الاتحاد الأوروبي إلى مستوى جديد
وشارك خه، وهو أيضا عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في رئاسة المحادثات مع فالديس دومبروفسكيس، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية. وقال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني إن الصين مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون في المجالات التقليدية، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون، ومواجهة التحديات العالمية بشكل مشترك.
ومن جانبه، قال دومبروفسكيس إن الاتحاد الأوروبي يرغب في العمل مع الصين لتعزيز التعاون العملي في الاقتصاد والتجارة، ودفع التنمية المستدامة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين. وتحدث دومبروفسكيس قبل المحادثات الاقتصادية والتجارية رفيعة المستوى مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني. وعبر عن قلق الاتحاد الأوروبي من العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي وصل إلى 396 مليار يورو العام الماضي.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مؤخرا عن إجراء تحقيق في الدعم الصيني لمصنعي السيارات الكهربائية، قائلة إن طوفان السيارات الصينية الرخيصة يشوه السوق الأوروبية.ووصفت الحكومة الصينية التحقيق بأنه عمل حمائي يهدف إلى تشويه سلسلة التوريد.
ورغم المؤشرات الايجابية، لم يغفل دومبروفسكيس إثارة بعض القضايا الخلافية خلال زيارته لبكين. ورغم إنه قال في كلمة ألقاها في جامعة تسينغهوا المرموقة في بكين إن التحقيق سيتم بالتشاور مع السلطات الصينية وأصحاب المصلحة، إلا أنه حث الصين على معالجة الافتقار إلى المعاملة بالمثل في العلاقات الاقتصادية، وانتقد القوانين الجديدة التي سنتها الصين مؤخرا قائلا إنها "جعلت الشركات الأوروبية تكافح من أجل فهم التزامات الامتثال الخاصة بها". وأضاف "إن غموضها يتيح مجالا كبيرا للتفسير وتمنع الاستثمارات الجديدة في الصين".
ودافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين عن إجراءات بلاده، قائلا إن "الصين توفر بيئة أعمال موجهة نحو السوق وقائمة على القانون للشركات الأجنبية". ويحاول المسؤولون الصينيون جذب الاستثمار الأجنبي مرة أخرى لمساعدة الاقتصاد على الخروج من التباطؤ المستمر منذ رفع قيود الوباء في ديسمبر الماضي.
وعلى صعيد التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، توقع مراقبون أن يساعد إنشاء مجموعتي العمل الاقتصادية والمالية بين البلدين والتي تم الإعلان عنهما حديثا في إزالة بعض الجليد بين البلدين وربما دفع اجتماع محتمل بين زعيمي البلدين في نوفمبر.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية أن المجموعتين ستجتمعان على مستوى نواب الوزراء على فترات منتظمة وسترفعان تقاريرهما إلى وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه ليفينغ. وجاء هذا بعد أن التقى المسؤولان الاقتصاديان في بكين يوم 8 يوليو واتفقا على تعزيز الاتصالات بشأن القضايا الاقتصادية.
وقد أظهرت بكين أيضا لفتات ودية تجاه الولايات المتحدة من خلال إصدار تراخيص تصدير لمنتجاتها التي تحتوي على الغاليوم والجرمانيوم إلى الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر الماضي، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، واتفق البلدان على تحسين علاقاتهما الثنائية، لكن التوترات السياسية بينهما زادت في أوائل عام 2023 على خلفية أزمة المنطاد الصيني.
وتصاعدت حرب الرقائق أيضا عندما كشفت الولايات المتحدة في 9 أغسطس من هذا العام عن قواعد جديدة لتقييد الصناديق والشركات الأمريكية من الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة في الصين اعتبارا من عام 2024. كما بدأت بكين في مطالبة الشركات بالتقدم للحصول على تراخيص لتصدير الغاليوم والجرمانيوم والمواد الخام لأشباه الموصلات المتطورة اعتبارا من 1 أغسطس.
وفي اجتماع في مالطا يومي 16 و17 سبتمبر، ناقش وزير الخارجية الصيني وانغ يي ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان القضايا الرئيسية في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، وقضايا الأمن العالمي والإقليمي، والحرب الروسية ضد أوكرانيا، والقضايا عبر المضيق. وأعقب الاجتماع إنشاء مجموعتي عمل جديدتين بين الصين والولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي.
وكان الرئيس الصيني قد غاب عن قمة العشرين الأخيرة هذا الشهر في الهند، وهو ما منع اجتماعا كان متوقعا ومنتظرا مع نظيره الأمريكي. ورغم عدم صدور بيانات رسمية حول حضور الزعيمين الصيني والامريكي قمة ابيك القادمة في نوفمبر الا إن التكهنات تشير إلى احتمال حدوث لقاء بينهما في ضوء هذا التطور التجاري، رغم وجود قناعات بأن العلاقات العدائية بين الصين والولايات المتحدة لن تتغير بسهولة.
وقال وانغ يونغ، الأستاذ في كلية الدراسات الدولية بجامعة بكين، لصحيفة تشاينا ريبورتس: "تأمل كل من الصين والولايات المتحدة في دفع اللقاء بين قادتهما خلال قمة أبيك" التي ستعقد في الفترة من 12 إلى 18 نوفمبر في سان فرانسيسكو. وأضاف أن "إنشاء مجموعتي العمل زاد من التوقعات باجتماع زعيمي البلدين مرة أخرى بعد الاجتماع الأخير بينهما قبل عام".
وأضاف "ليس من السهل تغيير المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة على المدى القصير. "لكن إجراء حوارات أفضل من لا شيء لأنه يمكن أن يساعد الجانبين على فهم اتجاه سياسة كل منهما. وهذا يظهر أيضًا أن الأصوات العقلانية والبراغماتية أصبحت الآن على أرض عالية".