الإفتاء: 4 أمور حرص عليها النبي لجعل بيتك أفضل
كيف يكون بيتك أفضل البيوت؟ أجابت دار الإفتاء عن هذا السؤال بالقول، إنه حسب ما ورد بالأثر فإن خير البيوت هو البيت الذي يمتلئ بأنوار هدي سيد المرسلين، البيت الذي يحوي الشفقة والرحمة والتعاون، منوهًا بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخيط الثوب ويُصلح نعله بيده.
أخلاق النبي في بيته
ورد عن أخلاق النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم في بيته أنه تعدُّ تصرفات المرء في بيته معيارًا صادقًا للحكم على أخلاقه؛ فالبيت هو المكان الذي يتفاعل فيه الإنسان مع أسرته دون تكلّف، وأعظم مثال على الأخلاق الرفيعة في البيت هو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد سُئِلت عائشة زوجة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن عمله في البيت، فقالت: (كان بَشَرًا مِن البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه)، إذ كان النبيّ مثالًا للتواضع؛ فيخدم نفسه، ويخدم أهله، وإذا سمع الأذان، خرج إلى الصلاة.
تعامل النبي مع زوجاته
تثبتُ كتب السيرة النبوية كثيرًا من المواقف في تعامل النبي عليه السلام مع زوجاته؛ حيث كان لهنّ نِعمَ الزّوج من خلال المعاملة الحسنة معهنّ، ومن هذه المواقف:
مساعدتهنّ في أعمال المنزل فقد كان النبيّ يهتمّ بِخدمة نفسه، إلى جانب مساعدتهنّ؛ فقد قالت عنه زوجته عائشة: (يخصِفُ نعلَهُ، ويعملُ ما يعملُ الرَّجلُ في بيتِهِ)، وكان يصنع طعامه بنفسه، وينجز أيّ شيء يعرض له من عمل البيت.
عطف النبيّ عليهنّ مما يدل على حسن تعامل النبي مع زوجاته عطغه عليهنّ، ومؤانسته لهنّ في الليل، وإيصالهنّ إلى حُجراتهنّ، ومُساعدتهنّ في تخفيف الأعباء، والمَشقّة عنهنّ، كما كان يساعدهنّ في الصعود على الدابّة، ومثال ذلك أنّ زوجته صفيّة -رضي الله عنها- جاءته يومًا وهو مُعتكف في المسجد، فتحدّثا إلى بعضهما، وعندما أرادت الانصراف، قام معها النبيّ، وأوصلها إلى بيتها، وهذا من رحمة النبيّ بزوجاته، وقد كان يقوم الليل، ويسهر مع زوجاته، ويتحدّث معهنّ أيضًا.
تحمُّله وصبره عليهنّ تحمُّله وصبره عليهنّ ممّا قد يقع منهنّ من الغيرة، كما كان يصبر على مناقشتهنّ إيّاه، علمًا بأنّ هذه التصرُّفات كانت غير مقبولة لدى قريش، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يُعلّم الناس أنّ هذا من الأخلاق العالية للرجل، ويظهر صبر النبي في عدّة صُور، منها: صبره على هجرهنّ له؛ فقد كان النبيّ يتقبّل من نسائه مناقشتهنّ إيّاه في كلامه، فقد أنكر عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على زوجته رَدّ كلامه إليه، فقالت له: (فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ).
بالإضافة إلى صبره على سؤالهنّ إيّاه النفقة الزائدة ممّا ليس عنده؛ فقد كان النبيّ يتحمّلهنّ في ذلك، ويصبر على الأمور التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجيّة، ومن ذلك أنّه جلس وحيدًا لا يأذن لأحد بالدخول إليه إلّا لأبي بكر، وعُمر -رضي الله عنهما-، ولمّا سألاه عن سبب سكوته، أخبرهما أنّه بسبب سؤال زوجاته النفقة ممّا ليس عنده.
وصبره على سؤالهنّ له في مسائل شرعيّة؛ فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أعلم الناس بدين الله، وكنّ يسألنَه كثيرًا، ويُجادلنه في بعض المسائل الشرعيّة، وكان هو بدوره يُعاملهنّ بلُطف، ولِين، ومن ذلك حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مع حفصة -رضي الله عنها- في قصّة أصحاب الشجرة عندما قال: (لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ: (وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها) فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا)).
وصبره على ما يقع منهنّ من تصرُّفات مختلفة، كفعل إحداهنّ أمرًا دون علمه، فلا يُعنّفها، بل يصبر عليها، ويرحمها.
إسعادهنّ فقد كان حريصًا كُلّ الحرص على إدخال الفرح، والسرور على زوجاته، ويتعامل مع كُلّ واحدةٍ منهنّ بما يُناسب عُمرها، وميولها، ومن ذلك موقفه مع زوجته عائشة -رضي الله عنها-، حيث تقول: ( لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا علَى بَابِ حُجْرَتي والحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتُرُنِي برِدَائِهِ، أنْظُرُ إلى لَعِبِهِمْ)، كما أنّه كان يُناديها بالحُميراء؛ لما فيها من معاني الدلال، والمَحبّة لها.
مُشاورتهنّ مُشاورتهنّ والاهتمام بآرائهنّ؛ فكان النبيّ يأخذ آراءهنّ في بعض أُمور الدين، والدولة، ومن ذلك مُشاورته لزوجته أُم سلمة -رضي الله عنها- في صُلح الحُديبية عندما أمر الصحابةَ بالتحلُّل من إحرامهم، فلم يقم أحدٌ منهم، فاستشار زوجته أُم سلمة في ذلك، فقالت له: (اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا)، وهذه المشورة تزرع السكن والمودّة بين الزوجَين، فينسى الرجل هُمومه، وأعماله، ويكون بذلك مُحِبًّا لأهل بيته.
التلطُّف معهنّ فقد كان يُنادي على عائشة بترخيم اسمها، ويُخبرها بالأخبار السعيدة، ويتعامل معها بِكُلّ لُطف، ومن ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: (كُنْتُ أشْرَبُ وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وأَتَعَرَّقُ العَرْقَ وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِعِ فِيَّ)، وكان النبيّ يستغلّ أيّ موقف لإدخال السرور عليهنّ، فقد رُوِي أنّه تسابق مع عائشة مرَّتَين؛ فسبقته في الأولى، وسبقها في الثانية، وقال لها: هذه بِتلك.
مُعاملتهنّ بالمودّة والرحمة ومن صُور المودّة، والرحمة في حياة النبيّ مع زوجاته أنّه ذات يوم دخل على صفية -رضي الله عنها- وهي تبكي، فسألها عن سبب بُكائها، فقالت إنّ حفصة عيّرتها بأنّها بنت يهوديّ، فقال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّكِ لَابنة نَبيٍّ وإنَّ عمَّكِ لَنَبيٌّ وإنَّكِ لَتحتَ نَبيٍّ فبِمَ تفخَرُ عليكِ) ثمَّ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (اتَّقِ اللهَ يا حَفصةُ)). وفي هذا الحديث تطييب لخاطرها، وبيان أنّها زوجة نبيّ، وأُمّ للمؤمنين، كما أنّها تنتسب إلى نبيَّين، هما: موسى، وهارون -عليهما السلام-، وهناك موقف آخر للنبيّ مع عائشة، حيث قال لها: (إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ).
عدله مع نسائه فالعدل هو الأساس الذي كان سائدًا في بيت النبيّ، حيث كان يعدل بين زوجاته بالمبيت، والنفقة، وحُسن العشرة؛ سواءً كان في الحضر، أو السفر، وقد جعل لكلّ واحدةٍ مِنهنّ حُجرة خاصّة بها، إضافة إلى أنّه كان يبيت عند كلّ واحدة منهنّ ليلة، ويُوزّع ما يكون معه بينهنّ بالتساوي، وفي حال سفره يُقرع بينهنّ قُرعة، فتسافر معه التي يخرج اسمها فيها. أمّا في حجّة الوداع، فقد أخذهنّ كلهنّ، واستمرّ النبيّ على هذا العدل حتى لمّا اشتدّ عليه المرض، إلّا أنّه في النهاية أستأذن أزواجه في أن يُمرّضَ في حُجرة عائشة فأَذِنّ له، وعلى الرغم من ذلك، إلّا أنّ النبيّ كان يعتذر إلى الله فيما لا يستطيع العدل فيه؛ وهو المَيل القلبيّ؛ لأنّ الإنسان لا يملكه.
وفاؤه لهنّ هذه الصفة ميّزت بيت النبيّ، ومن صُور ذلك وفاؤه لزوجته خديجة؛ فلم يتزوّج عليها حتى ماتت؛ لنصرتها النبيَّ، ودعوته، والوقوف إلى جانبه بنفسها، ومالها، فبقيَ النبيّ وفيًّا لها حتى بعد وفاتها، حيث كان إذا ذبح شاة يُرسل بعض اللحم إلى أصدقائها، ويذكر مواقفها معه أمام زوجاته الأُخرَيات.