كيانات بلا إمكانيات..
حكايات تشيب يكشفها "النبأ "من داخل المستشفيات الحكومية في مصر
رغم ما تبذله الدولة من جهود حسيسة بتوصيات من الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ من أجل النهوض بالمنظومة الصحية في مصر، والحرص الشديد على حق المواطن المصري في الرعاية الصحية اللازمة، بإطلاق العديد من المبادرات منذ توليه الحكم؛ إلا أنه لا تزال هناك الكثير من المعوقات والفجوات التي توجد بالقطاع الصحي في مصر، فالمستشفيات الحكومية لم تعد تتسع كم الأعداد التي تتردد يوميًا عليها بشكل يومي بجميع المحافظات، والنقص الشديد في الأدوية والإمكانيات المادية والأماكن والكوادر البشرية المدربة.
ويستعرض" النبأ الوطني" في سياق هذا التقرير تلك المشكلة المتشعبة على لسان عدد من المواطنين، وأيضا بعض المسئولين في وزارة الصحة المصرية، ليكشفوا لنا عن الأسباب حول كل ما يحدث في القطاع الطبي في مصر.
محرر "النبأ "كان له النصيب الأكبر في تلك المشكلة من خلال تعايشه على أرض الواقع وتجربته مع عدد من المستشفيات الحكومية بدأت من معهد أورام سوهاج.
محرر النبأ يروي
البداية كانت منذ عدة سنوات حينما أصيبت شقيقتي الكبري بمرض السرطان، ولهذا لجئنا إلى معهد أورام سوهاج، لتبدأ رحلة العلاج الشاقة والتي استمرت لعدة سنوات؛ بدأتها باستئصال الثدي؛ ثم مرحلة المتابعة والعلاج الكيميائى.
شئ جميل أن نمتلك مثل هذه المستشفيات؛ سواء في صعيد مصر أو أي من محافظات جمهورية مصر العربية، ولكن غير معقول ومؤلم أن تكون هذه المستشفيات بلا تجهيزات طبية كافية أو أدوية ويدخلها المواطن فيزداد ألما وربما تنتهي حياته لسبب أو لآخر داخل أسوار تلك المستشفيات.
فمن خلال متابعتي لحالة شقيقتي طوال رحلة علاجها من مرض السرطان، دائما ما كانت تئن وتشتكي من نقص الإمكانيات وبعض الأدوية والمستلزمات، ناهيك عن المعاملة السيئة التي كانت تتلقاها؛ بداية من فرد الأمن المتواجد على البوابات الخاصة بمعهد أورام سوهاج، إلى طاقم التمريض وبعض الأطباء إلا من رحم ربي.
كانت دائما ما تشتكي من النقص الشديد في أكياس الدم، وكلما احتاجت، كانوا يطلبون منها متبرعين بحجة أنه لم يتوفر لديهم أكياس دم، وبالفعل كانت تطلب من أبنائها الذهاب معها للتبرع بالدم، لدرجة أن أبنائها في بعض الأحيان لم يمر على أخذ الدم منهم بين المرة الأولى والثانية سوي شهرين وربما أقل وهذه فترة ليست كافية وقد تسبب لهم مضاعفات صحية.
ولكن الأبناء مغلوبون على أمرهم بسبب الحالة الصحية لوالدتهم، وبقيت على هذا الوضع لعدة سنوات إلى أن بدأت حالتها الصحية في التدهور بسبب انتشار مرض السرطان في جسدها كله وهذا يرجع إلى الإهمال الطبي الذي تعرضت له.
ودائما ما كانت تتحدث معي عبر الهاتف، كلما اتصلت بها للاطمئنان على صحتها، وتطلب مني أن أوصل صوتها للمسئولين بسبب سوء المعاملة معها والإهمال ونقص بعض الأدوية؛ لدرجة أنه قبل وفاتها بنحو 6 أشهر توقفوا تمامًا عن صرف العلاج الكيميائي لها، ولولا ذهابي معاها ما كانوا صرفوا لها العلاج وعقب ذلك بأيام قليلة فاضت روحها إلى بارئها.
حالة أخرى لم تتمكن من الدخول إلى أي من المستشفيات
أما في الوقت الحالي وتحديدًا منذ حوالي 4 أشهر هاتفني شخص تربطني به صلة قرابة، ويعمل بالعاصمة الإدارية، وأثناء عمله شعر بألم شديد بالصدر فذهب إلى مستشفى بدر كونها أقرب مكان للعاصمة الإدارية، وبعمل الفحوصات اللازمة، تبين أنه يعاني من جلطة بالقلب والأطباء كتبوا له تحويلا إلى مستشفى الدمرداش الجامعي لتركيب قسطرة ؛ نظرًا لعدم توفر الإمكانيات بمستشفى بدر.
وعلى الفور توجهت إلى منطقة بدر رغم تأخر الوقت، حيث كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف فجرا، فوجدته قد خرج من المستشفى وفي انتظاري بمحطة ميكروباص بدر.
واصطحبته بسيارتي إلى مستشفى الدمرداش وعندما دخلت الاستقبال وجدت عددا من الأطباء فسلمت التقرير إلى طبيبة قسم الاستقبال، وعندما قرأت التقرير سلمته لطبيب آخر كان بجوارها كان غارقًا في النوم، وعندما نظر في التقرير، فقال لي لا يوجد أماكن بالمستشفى.
فرديت عليهم وقولت لهم الحالة صعبة ولا يمكن الانتظار بها أكثر من ذلك، فقالوا لي نحن لا يوجد لدينا أماكن فاضية، خذه واذهب به إلى معهد القلب.
وبالفعل أخذت هذا الشخص المريض إلى معهد القلب بمنطقة إمبابة فوجدته مغلقا، نظرا لأن هذا اليوم كان صبيحة يوم الجمعة، فنصحني أحد المارة بالذهاب إلى معهد القلب بمنطقة الكيت كات.
وعلى الفور توجهت إلى معهد القلب بمنطقة الكيت كات، وعندما دخلت بالمريض، وجدت أحد الأطباء يحمل الجنسية السودانية، فسلمته التقرير وعندما نظر إليه واطلع عليه قال لي للأسف لا يوجد أماكن فاضية بالمعهد، فقولت له حضرتك الحالة محتاج تدخل جراحي لعمل قسطرة وأعتقد بسب سوء حالته لا يمكن الذهاب بها إلى جميع مستشفيات مصر.
فرد على قائلا؛ بأنني ممكن اذهب به إلى معهد القلب الكائن بمنطقة المطرية ربما يكون هناك مكان.
طبعًا المريض كان وصل لحالة لا يرثى لها بسبب التنقل من مكان لآخر خاصة وأن الجو كان شديد الحرارة، وبدأ يئن ويتعب لدرجة أنه كان يجلس على الأرصفة كل عدة خطوات.
فطلب مني أن أتركه أن يذهب إلى محافظة سوهاج مسقط رأسه ومكان إقامة أسرته وهناك يذهب إلى معهد القلب بسوهاج.
وبالفعل سافر إلى محافظة سوهاج، وعندما وصل إلى بلدته أخذه نجله وذهب به إلى معهد القلب بسوهاج، فكان ردهم عقب الاطلاع على التقرير بأنه لا يوجد أماكن !؟
فذهب إلى مستشفى جامعة سوهاج، أيضا بعد الاطلاع على حالته، أكدوا له بأنه لم يكن لديهم أماكن، فقالوا له أذهب إلى مستشفى الكوامل.
وبالفعل ذهب إلى مستشفى الكوامل، ونظرا لبدء تدهور حالته تم حجزه لمده 3 أيام ثم كتبوا له خروج دون إجراء عملية القسطرة، وقالوا له اذهب إلى مستشفى سوهاج العام لتحديد موعد لإجراء عملية القسطرة.
وبين هذا وذاك؛ أقسم بأنه لن يعود إلى أي من تلك المستشفيات، وفضل أن يرقد في بيته دون علاج، وأكد لي بأنه يفضل الموت على فراشه بدل البهدلة في المستشفيات الحكومية.
معاناة سيدة مع والدتها المريضة بـ الزهايمر
“و.أ.ع” تروي لـ "النبأ": والدتي كانت تعاني من مرض الزهايمر وكانت تأخذ علاجا للمخ والأعصاب، وفجأة حالتها تدهورت وذهبنا بها إلى المستشفى التى كانت تتابع بها بمنطقة حلوان، وعندما كشفت عليها الطبيبة المعالجة، أكدت لنا بأن حالتها الصحية صعبة للغاية ويجب الذهاب بها إلى مستشفى بها رعاية مركزة.
وتتابع: بالفعل ذهبنا بها إلى مستشفى حلوان العام، وهناك لم يتم تقديم أي رعاية أو اهتمام كشفوا عليها فقط وقاموا بتعليق محلول وأكدوا لنا بأن المستشفى لم يكن بها رعاية مركزة لاستيعاب حالتها.
وأضافت: اضطررنا للخروج من المستشفى وتوجهنا بها إلى مستشفى قصر العيني قسم الاستقبال، وبعد معاناة وانتظار دخلنا للطبيب، حيث أكد لنا بأنها لا تحتاج إلى رعاية بينما يتم حضورها العيادات غدا، فانصرفنا من المكان وأثناء عودتنا إلى المنزل بمنطقة حدائق المعادي، ومع تدهور حالتها دخلنا بها مستشفى الفتح الإسلامي بشارع 9 في المعادي، وعند توقيع الكشف الطبي عليها، أكد الطبيب بأنها مصابة بجلطة في المخ، ويجب وضعها على جهاز لتذويب الجلطات كي يتم السيطرة على الجلطة وعدم تنقلها لباقي الجسم، وهذا الجهاز متوفر بالمستشفات الحكومية.
واستطردت: الطبيب كتب أدوية من بينها حقن تعرف ب كلكزان 60 كي يتم السيطرة على الوضع لحين نقلها إلى مستشفى حكومي، ومع شدة المرض والامتناع عن الطعام، ذهبنا بها إلى مستشفى مبرة المعادي فنصحنا أحد الأشخاص بعدم تركها في المكان نظرًا للتكلفة العالية بهذا المستشفى.
وتتابع: ذهبنا بها إلى مستشفى الدمرداش لم يستقبلونا بحجة عدم توفر أماكن بالرعاية، عدنا بها مرة أخرى إلى المنزل وبدأنا في العلاج الذي كتبه الطبيب بمستشفى الفتح الإسلامي لعدة أيام ولكن دون فائدة.
وبدأت حالتها في التدهور فذهبنا بها إلى مستشفى حميات العباسية وهناك تم حجزها بعد توقيع الكشف الطبي عليها ليكتشف الأطباء بأنها تعاني من إلتهاب رأوي بجانب الجلطة الدماغية.
فتم حجزها في المكان لمدة أسبوع، وأكدوا لنا الأطباء بأنها شفيت من الالتهاب الرئوي ويجب نقلها إلى مستشفى بها رعاية مخ وأعصاب.
وبالفعل تم نقلها إلى مستشفى القناطر الخيرية بواسطة من أحد الأشخاص من أقاربها ومكثت في مستشفى القناطر حوالي 4 أيام ومع بعد المسافة كلمنا أحد الأشخاص وتوسط لنا وجرى نقلها إلى مستشفى الدمرداش.
وتضيف مكثت في مستشفى الدمرداش مدة تعدت الاسبوعين وبعدها فارقت الحياة داخل مستشفى الدمرداش بسبب تدهور حالتها وإصابتها بعدة أمراض أخرى كوفيد 19 وفيرس B.
الدكتور مكرم رضوان عضو مجلس النواب يكشف حجم المأساة
وأكد الدكتور مكرم رضوان، عضو مجلس النواب، أنه بالفعل يوجد لدينا مشكلة في الرعايات المركزة بالمستشفيات الحكومية بمصر، ويرجع ذلك لعدم توفر الأطباء المدربين في هذا التخصص.
واضاف لـ “النبأ”، أن الدولة تبذل جهودا حثيثة للنهوض بالمنظومة الصحية في مصر على جميع المستويات.
وأوضح بأن التغلب على هذه المشكلة يتطلب منا حاجتين، اولا يجب أن نميز الأطباء والتمريض الذين يعملون في هذا المجال، ولفت بأن دكتور الرعاية يفضل وقت طويل على رأس المريض قد يمتد ذلك الوقت إلى أكثر من 12 ساعة وربما 20 ساعة، غير أي طبيب آخر يعمل في أي من التخصصات.
وأشار إلى أنه في جميع دول العالم يتم تمييز طبيب الرعاية عن باقي التخصصات الأخرى وذكر على سبيل المثال بأن طبيب الجلدية مستحيل يكون زي طبيب الرعاية لازم يكون هناك تمييز بين الاثنين.
ثانيًا: محتاجين كليات الطب الموجودة حاليًا تغطي نسبة أكثر من الموجودة حاليًا، لان طبيب الرعاية ستف جامعة بيختلف عن أي طبيب رعاية بمكان آخر.
وتابع: على سبيل المثال غير معقول أن أطباء كلية طب قصر العيني بالاستف الرهيب ده تكون مقتصرة مهمتهم على الرعاية بقصر العيني فقط، يجب أن يغطوا عدة مستشفيات، وعلى سبيل المثال مستشفى الشيخ زايد، مستشفى أم المصريين، مستشفى إمبابة، معهد ناصر، هذا الإجراء سوف يكون قوة بشرية ومن ثم هؤلاء الأطباء يعلمون أطباء آخرين في هذا التخصص.
وأردف بأن هناك أسرة فارغة تمامًا بسبب نقص التمريض، وذلك بسبب عدم التميز المادي، وقال بأنه بدل ما ادي مرتب شهري 4 آلاف جنيه، لا أدي 6 آلاف جنيه أو حتى 8 آلاف جنيه، وبكدة أنا قدرت وميزت الممرض وحببته في التخصص.
أيضا نفس التعامل مع الأطباء يجب أن أقدر طبيب الرعاية ماديًا علشان يكون لدي اكبر عدد من الأطباء في هذا التخصص، واشار إلى أن معظم أطباء الرعاية يتجهون إلى السفر للخارج.
أيضا ازود عدد الأسرة في المستشفيات، ولكن غير معقول أن أطلب من الدولة أن ازود مثلا 16 سريرا بوحدة رعاية، وأنا أصلا لم يكن متوفر لدي أطباء أو تمريض، عشان أدفع فلوس ثمن هذه الأسرة لازم يكون لدي عنصر بشري كافي.
حق المواطن في الرعاية الصحية
وفي ذات السياق، أكد نبيه الوحش المحامي، أن لكل مواطن الحق في التعليم والصحة وفقا للمادة رقم (18) من الدستور المصرى على: "لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل.
وأكد الوحش بأن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
كما تلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقًا لمعدلات دخولهم.
ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.
تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى، وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقًا للقانون".