قمة الرئيسين الصيني والأمريكي المرتقبة.. آمال كبيرة وتوقعات ضئيلة
تتواصل المؤشرات على قدم وساق على عقد قمة مرتقبة وجها لوجه بين الرئيسين الصيني شي جين بينج والأمريكي جو بايدن على هامش اجتماع أبيك المقبل في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة.
وأعلن البيت الأبيض، أواخر الشهر الماضي، أن الولايات المتحدة والصين توصلتا إلى اتفاق من حيث المبدأ يقضي بأن يتحدث بايدن وشي مع بعضهما البعض شخصيا على هامش القمة ولم يتم الإعلان رسميا عن التوقيت الدقيق والتفاصيل اللوجستية الأخرى.
وبالرغم من عدم صدور بيان من الجانب الصيني بعد يؤكد اللقاء، إلا أن المؤشرات تزايدت على احتمال عقد الاجتماع المنتظر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، والذي توقعت مصادر مطلعة من الجانبين أن يحدث في 15 نوفمبر.
أحدث المؤشرات تجلت في عقد قمة نادرة جمعت الجانبين بشأن الحد من الأسلحة النووية، يوم الإثنين، ورغم عدو صدور ما يشير إلى تحقيق اختراق في المشاورات التي لم تعقد منذ إدارة الرئيس السابق باراك اوباما الا أن عقدها في حد ذاتها يحمل أهمية خاصة باعتبارها الأحدث في سلسلة من الجهود الرامية إلى تخفيف التوترات وبناء الثقة قبل الاجتماع المتوقع بين شي وبايدن الأسبوع المقبل.
زيارات متبادلة وتحضيرات
فمنذ فترة من الزمن، استأنفت الصين والولايات المتحدة الاتصالات في عدد من المجالات، بما في ذلك المناخ والتجارة والتبادل التجاري والعلوم والتكنولوجيا والشؤون العسكرية. وإلى جانب الزيارة الحالية التي يقوم بها المبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ شيه تشن هوا، يقوم خه ليفنغ، المسؤول الصيني الرئيسي عن الشؤون الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية بزيارة إلى الولايات المتحدة بدءا من اليوم الأربعاء إلى الأحد بدعوة من وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين.
ويأتي الاجتماع بين المسؤولين الحكوميين الكبيرين بعد أن تحدث بايدن مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في البيت الأبيض لمدة ساعة تقريبًا في أواخر الشهر الماضي، عندما جاء كبير الدبلوماسيين الصينيين إلى واشنطن لإجراء محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي للبيت الابيض جيك سوليفان.
وبالمثل، التقى شي مع بلينكن في يونيو عندما حضر وزير الخارجية الامريكي إلى بكين لإجراء محادثات مع وانغ.
وكانت يلين قد التقت آخر مرة مع نظيرها خه خلال زيارة قامت بها إلى بكين في يوليو.
كما استضاف مسؤولون صينيون كبار مديرين تنفيذيين أمريكيين، بما في ذلك جيمي ديمون من بنك جيه بي مورجان تشيس، وإيلون ماسك من شركة تيسلا، وتيم كوك من شركة أبل.
ووفقا لجدول بايدن، فمن المقرر أن يزور سان فرانسيسكو اعتبارا من 14 نوفمبر، بالتزامن مع اجتماع قادة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ المقرر عقده في المدينة. وإذا جرت المحادثات المباشرة مع شي، فسيكون هذا أول اجتماع من نوعه بين الزعيمين منذ عام تقرييا بعدما التقيا على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا في نوفمبر العام الماضي.
واستمر الاجتماع بينهما حوالي ثلاث ساعات تطرق خلاله الرئيسان إلى قضايا خلافية مثل الدعم الأمريكي لتايوان الصينية والغزو الروسي لاوكرانيا وقضايا أخرى.
ويأتي اللقاء المحتمل وسط سط توتر شديد يشوب العلاقات بسبب خلافات متنوعة تتراوح بين التجارة والأمن وتغير المناخ ونقل التكنولوجيا. واشتدت التوترات بالفعل بين القوتين بعد قيود فرضتها الولايات المتحدة على تصدير التكنولوحيا المتقدمة وخاصة الرقائق ثم تفاقمت مع اسقاط المنطاد الصيني.
وقال يانغ شيو، وهو باحث في معهد الصين للدراسات الدولية، إن استئناف المشاورات بين الصين والولايات المتحدة في مجالات متعددة يظهر إنه على الرغم من التناقضات الحادة، فإن الاتصالات رفيعة المستوى وآليات الحوار المتخصصة أصبحت أكثر شمولا، مضيفا أن "هذا التقدم يسهم في استقرار العلاقات الثنائية ويخلق الظروف اللازمة لعقد اجتماعات بين الزعيمين".
أهمية القمة
تعد قمة شي-بايدن مطلوبة بشدة من الحانبين.ويبدو أن كلاهما اجتهدا في التحضير لها. وخلافا لاجتماع بالي، فإنه من المهم أن تنجح قمة سان فرانسيسكو لكسر الجليد في اهم علاقات في العالم، وخاصة مع تعرض العلاقات بين الولايات المتحدة والصين لمتاعب خطيرة، تقتضي من الجانبين التعاون بدلا من المواجهة في سبيل مصلحتهما ومصلحة العالم أيضا.
ثناىيا، بات الأمر ملحا اكثر من أي وقت مضى ان يمضي الجانبان باتجاه تحقيق أرضية مشتركة والعمل باتجاه تحقيق عدد من الأهداف الرئيسة.
التقارير تتحدث عن امال عالية لكن التوقعات ضئيلة. وفى ضوء التعقيد الذي وصلت إليه العلاقات، يرى محللون ضرورة التركيز على الأهداف الواضحة والقابلة للتحقيق. ويمكن أن يشمل ذلك إعادة فتح القنصليات المغلقة، وتخفيف متطلبات الحصول على التأشيرة، وزيادة الرحلات الجوية المباشرة واستئناف التبادلات بين الأفراد والطلاب، فقد يؤدي ذلك غالبا إلى تقليل العداء السياسي.
وقد يكون التركيز على اجراء محادثات حول مواضيع أكثر إثارة للجدل، مثل تخفيف القيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية، أو معالجة أزمة الفنتانيل، التي يلعب فيها البلدان دورا حيويا يبدو أيضا خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، قبل تناول القضايا الخلافية الكبيرة في الأمن والتجارة التكنولوجيا.
لكن الإنجاز الأكثر إلحاحا المرتقب من القمة للجانبين هو استئناف الاتصالات العسكرية المنتظمة بين الجيشين، والتي علقتها الصين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس 2022. فمع تصاعد التوترات بين جيشين لا يتواصلان، فإن مخاطر الصراع العرضي مرتفعة ومتزايدة.
وعلى الصعيد العالمي، ينتظر العالم من شي وبايدن اعترافا مشتركا بتهديدين وجوديين هما تغير المناخ والصحة العالمية، والتضافر من أجل معالجتهما. قد يكون من الصعب أن نتوقع من القمة ان تحل هذه المشاكل الوجودية، لكن هناك حاجة إلى تعاون الجانبين لوقف الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي تهدد بالامتداد إلى صراع إقليمي كبير في نفس الوقت الذي تمر فيه الحرب الأوكرانية بلحظة محورية. وبوسع الولايات المتحدة والصين أن تحدثا فرقًا حقيقيًا من خلال التوسط في اتفاقيات السلام في الحربين.
من المؤكد أن اجتماع شي وبايدن في سان فرانسيسكو سيكون تطورا إيجابيا على أية حال. لكن مؤتمرات القمة ليست كافية لحل الصراعات العميقة الجذور بين قوتين عظميين. بالتأكيد يأمل الجانبان ان يؤدي الاجتماع إلى تخفيف حدة التوترات وزيادة التعاون في مجالات مختلفة، لكن الخلافات بين البلدين كبيرة، وقد يكون الاجتماع خطوة أولى نحو إقامة حوار مستمر وبناء ثقة متبادلة.
وفي ضوء ما سبق والتعقيدات الكبيرة، يتوقع من الجانبين الإدلاء ببعض الإعلانات المتواضعة بعد اجتماعهما، لكن الاختلافات الأساسية في العلاقة ستبقى دون تغيير.