مخطط توريط مصر.. سيناريوهات إدارة قطاع غزة أمنيًا وسياسيًا بعد انتهاء الحرب
في الوقت الذي تشتعل فيه المعارك داخل قطاع غزة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، تمتلئ الغرف الدبلوماسية في أمريكا وإسرائيل وعدد من الدول الغربية الداعمة لموقف الاحتلال من الصراع الدائر حاليًا، بالعديد من الملفات السياسية المتعلقة بمستقبل إدارة حكم قطاع غزة أمنيًا وسياسيًا ما بعد انتهاء الحرب مفترضين تحقيق هدف القضاء على حركة حماس.
سيناريوهات عديدة تدور في فلك المجتمع الدولي طرحها مفكرون استراتيجيون ومهندسو مشاريع تهويد الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسهم أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الذي تحدث عن رفض إسرائيل فكرة توليها حكم القطاع ما بعد الحرب، مؤكدًا على ضرورة وجود سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة، وفي حال عدم تفعيل ذلك فهناك احتمالية مشاركة وكالات دولية في توفير الأمن والحكم لكون إسرائيل لا ترغب في إدارة غزة.
سيناريوهات مطروحة
ويأتي أولى سيناريوهات إسرائيل المحتلة، بإحكام سيطرتها العسكرية على القطاع كما حدث في 2005 وعودتها كقوة احتلال داخل القطاع، ولكن يشغل بال المراكز البحثية في تل أبيب كيفية تطبيق هذا السيناريو عمليًا وماديًا وسط عدم ترحيب كبير داخل تل أبيب ناحية هذا التوجه.
ويأتي السيناريو الثاني، بتسليم الحكم في قطاع غزة بشكل رسمي إلى السلطة الفلسطينية في رام الله، ولكن يرى باحثون إسرائيليون أن هذا السيناريو سيكون بمثابة تحقيق نصر جديد للفلسطينيين.
ويأتي ثالث السيناريوهات المطروحة على الساحة، أن تشكل إدارة مدنية مؤقتة من سكان غزة ورؤساء البلديات بإشراف ومراقبة الأمم المتحدة ليتمتع المقترح بالشرعية الدولية ومنح إشراف مؤقت لدول من المنطقة على إدارة القطاع على رأسها مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة قوات من الولايات والثالوث الأوروبي المكون من بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
ويأتي رابع السيناريوهات الغربية، بإرسال قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات تضم مراقبين دوليين، بينما يرى البعض أن تسليم قطاع غزة إلى جامعة الدول العربية هو الحل الأمثل.
الفراغ السياسي وتجربة أفغانستان
ويخشى عدد من السياسيين الغربيين والمراكز البحثية في تل أبيب، من حدوث حالة من الفراغ السياسي داخل قطاع غزة بعد انتهاء الحركة وتحقيق فرضية القضاء على حركة حماس.
ويأتي خوف تل أبيب جراء إحداث فراغ سياسي في غزة خشية استبدال حماس بالفوضى وانتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة كما حدث في تجربة أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم.
مبالغة إسرائيل
وفي هذا السياق، يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والباحث المتخصص في الشئون الإسرائيلية، إن هذه المشروعات كلها مكررة ويعاد تقديمها بصورة أخرى، وتركز على حكم القطاع بعد انتهاء الحرب في غزة، معقبًا: «وهذا حديث سابق لأوانه لأن ترتيبات وقف إطلاق النار وبناء تفاهمات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سيُبنى عليها سيناريوهات إدارة القطاع».
ويضيف الدكتور طارق فهمي، في تصريح خاص لـ«النبأ»: «بيطرحوا الائتمان الدولي والمراقبة الدولية وأن غزة تبقى تحت إشراف الناتو أو أي دول تريد، وبعض الدول قالت تبقى تبع إدارة عربية بإشراف جامعة الدول العربية، ولكن كل هذه السيناريوهات نظرية، ما ستنتهي إليه الحرب في غزة هو ما سيحدد السيناريو».
ويوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن سيناريوهات الغرب بشأن مستقبل قطاع غزة تحمل قدرا من المغالاة والمبالغة في الطرح، متابعًا: «سيناريو غزة دون حماس غير واقعي، حماس جزء من المعادلة الفلسطينية فإذا انتهت من حكم القطاع فطبيعي هتكون موجودة على السطح السياسي ولا بد من استيعابهم كما حدث مع حزب الله في لبنان 2006».
السيناريو الأنسب لمصر
وفيما يخص السيناريو الأنسب لـ الإدارة المصرية، يرى الدكتور طارق فهمي، أن اختيار سيناريو بعينه يفيد مصالح مصر أمر صعب، خاصة وأن كل السيناريوهات تصب في تحمل الدول المجاورة وعلى وجه الخصوص مصر أعباء الإدارة داخل قطاع غزة، موضحًا أن جميع المشروعات لا تحقق الأمن القومي المصري ولا تتسق مع مصالح القاهرة.
ويستكمل الباحث في الشئون الإسرائيلية لـ«النبأ»: «أي سيناريو مصر ستكون متحفظة عليه لأن هناك حسابات وأيًا كانت هذه الحسابات يجب أن يكون سيناريو يراعي الأمن القومي المصري، فأي سيناريو دون أن توافق عليه مصر ستكون عليه ارتدادات سلبية».
ويشير إلى أن بعض الدول والسياسيين الغربيين يتحدثون عن سابقة إدارة مصر لـ قطاع غزة، معقبًا: «بالفعل مصر أدارت القطاع في مرحلة معينة وبظروف ليست موجودة الآن وهذا الأمر انتهى بلا رجعة».
ولفت «فهمي»، إلى أن القضية الفلسطينية في مصر إنسانية وسياسية، متابعًا: «القاهرة تتحدث عن حل أشمل للقضية الفلسطينية بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة».
وتابع: «لينا حساباتنا ونرى أن القضية الفلسطينية لا يمكن اختصارها واختزالها في قطاع غزة، الأمر أكبر من ذلك سواء في رام الله أو الضفة أو القطاع، نحن لا نرفض أو نهاجم فقط ولكننا نتحرك على أرض الواقع دبلوماسيًا».
وأكد الدكتور طارق فهمي، أن هناك ثوابت للدبلوماسية المصرية وهي أنه لا تسكين ولا تهجير في سيناء، وأن سيناء أرض مصرية، وعلى المجتمع الدولي تحمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وليس على حساب الأمن القومي المصري.
واختتم أستاذ العلوم السياسية حديثه لـ«النبأ»، قائلًا: «لا توجد قوة ستضغط على مصر للموافقة على التهجير ونحن نملك قوة رادعة لذلك وهي القوات المسلحة المصرية، نحن مستعدون ولكننا لا نهول لحساباتنا السياسية في المنطقة».
عبث سياسي
والتقط أطراف الحديث الدكتور مختار غباشي، أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، قائلًا إن كل ما يتردد حول مستقبل إدارة قطاع غزة ما بعد انتهاء الحرب الدائرة عبث سياسي تديره أمريكا والعالم الغربي.
وأضاف «غباشي»، في تصريح خاص لـ«النبأ»، أنه في النهاية من يقرر حياة الفلسطينيين ومستقبلهم هم أنفسهم ولا توجد وصاية من أحد، ومستحيل على أي دولة وعلى رأسها مصر على حق الوصاية، مؤكدًا أن تلك المقترحات تساهم في تصفية القضية الفلسطينية.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أنه لا بد أن تكون إدارة القطاع حق مكتسب بلا نقاش للسلطة الفلسطينية بالتوافق مع المقاومة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن أي حديث آخر هو تأمين لمصير إسرائيل وضمان عدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر مرة أخرى.
وتابع الدكتور مختار غباشي: «كارثة لو حصل أن العالم العربي وافق على تلك السيناريوهات، هما مفترضين جدلا أن حماس هتنتهي ودا شيء مستحيل، فالمقاومة السبيل الوحيد لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة».
واستكمل نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية حديثه لـ«النبأ» قائلًا: «إذا تطرقنا إلى كل المفاوضات التي تمت بين إسرائيل وفلسطين من 1990 لـ2007، انتهت بوجود قيادات داخل الضفة الغربية لا تستطيع الخروج إلا بإذن من إسرائيل، طائرة الرئيس الفلسطيني أبو مازن نفسها يتم تفتيشها من قِبل السلطات الإسرائيلية في حالة الذهاب للسفر أو العودة من الخارج، والجميع يعلم مدى سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية».
وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن كل السيناريوهات عليها تحفظات، موضحًا أن السيناريو الوحيد الذي لا بد من دعمه أن تكون إدارة قطاع غزة في يد الفلسطينيين بالتوافق مع حركات المقاومة باعتبارها جزء من نسيج قطاع غزة.
وتابع: «ولكن لا يصح أن نجاري أمريكا فيما تطرحه، ولا بد من المطالبة بتطبيق القرار رقم 181 لسنة 1947 حتى تحصل فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة كما استندت إسرائيل لنفس القرار عندما انضمت للأمم المتحدة».
وعن مسألة حل الدولتين، قال الدكتور مختار غباشي، إنه من المبكر الحديث بشأنها في ظل ما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية من عمليات تهويد، وما يحدث من جرائم في قطاع غزة.
واختتم نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية حديثه لـ«النبأ»: «إذا انتهت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ستنتهي القضية الفلسطينية والخاسر الأكبر الدول العربية وستنفك منظومة الأمن القومي العربي».