تسعيرة الدكتوراه والماجستير ..
العالم السرى لبيزنس الشهادات الجامعية المضروبة فى مصر
انتشرت فى الآونة الأخيرة، تجارة بيع الشهادات الدراسية وخاصة الماجستير والدكتوراه، حتى كادت تلك التجارة أن تتحول إلى ظاهرة فى عصرنا الحديث وانتشال وسائل التكنولوجيا المختلفة.
ولم تقف وزارة الداخلية مكتوفة الأيدي أمام تجار الشهادات المضروبة، وراحت تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إنشاء أكاديمية وهمية لبيع الشهادات الدراسية المختلفة حفاظا على مستوى التعليم والطلاب.
وتكشف «النبأ» خلال السطور التالية تفاصيل البيزنس الخفي للشهادات المضروبة وتسعيرة عصابات التزوير التي تم وضعها مقابل الحصول على الشهادة المضروبة دون أي عناء سواء دراسة أو امتحانات.
وكان آخر تلك الضربات رصد إحدى الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعى بتقليد الشهادات الجامعية والماجستير والدكتوراه للجامعات الحكومية والخاصة وكذا بيان الدرجات وعمل شهادات التدريب والخبرة للجهات الحكومية وترويجها مقابل مبالغ مالية.
وعقب تقنين الإجراءات تم استهداف القائمين على الصفحة المشار إليها وأمكن ضبطهم 3 أشخاص، لاثنين منهم معلومات جنائية وذلك حال تواجدهم بدائرة قسم شرطة البساتين بالقاهرة، وضبط بحوزتهم 2 طبنجة صوت، وعدد من الطلقات الصوت وشهادات دكتوراه وماجستير «مزورين» و5 هواتف محمولة.
وبمواجهتهم، اعترف أحدهم بأنه القائم على إدارة الصفحة بقصد تزوير شهادات التخرج المنسوب صدورها لجامعات حكومية وخاصة باستخدام برامج التعديل والحذف والإضافة «الفوتوشوب» وطباعة الأختام الخاصة بالجامعات على تلك الشهادات والمحررات عقب الحصول على مثيلاتها من شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» ثم طباعتها على أجهزة طباعة حديثة، وقيام المتهمين الآخرين بالتقابل مع العملاء لاستلام المبالغ المالية وتسليم الشهادات المقلدة واستغلال محل إقامة أحد المتهمين بدائرة قسم شرطة البساتين كمقر لإجراء عملية التزوير والطباعة.
وأمكن ضبط الأجهزة والأدوات المستخدمة فى التزوير وكارنيهات ورخصة قيادة مزورة وشهادات جامعية وشهادات ماجستير ودكتوراه بإجمالي 230 شهادة «مزورة» منسوب صدورها لجامعات مختلفة بمسكن أحدهم.
غلق وضبط
كما تم، مؤخرًا، ضبط 3 كيانات وهمية في محافظة الفيوم تدعي منح شهادات للطلاب في تخصصات مختلفة من الكليات العلمية والأدبية، الأمر الذي دفع وزارة التعليم العالي بمداهمة أية كيانات وهمية أو مقرات تمارس أنشطة تعليمية دون الحصول على ترخيص؛ حفاظًا على مصالح الطلاب وأولياء الأمور وضمانًا لعدم التلاعب بهم.
كما تم ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب والاحتيال على المواطنين، بزعم توفير شهادات دراسية منسوب صدورها للعديد من الجامعات نظير مبالغ مالية.
وفي هذا السياق، أفادت معلومات وتحريات الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة بقطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، بوجود حساب على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» يقوم بالترويج لشهادات تخرج دراسية منسوب صدورها للعديد من الجامعات المصرية "على خلاف الحقيقة" نظير مبالغ مالية.
تم تشكيل فريق بحث بالتنسيق مع قطاع نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات توصلت جهوده إلى تحديد القائمين على إدارة الحساب المشار إليه وتبيّن أنهم (سيدتان، وعامل "له معلومات جنائية" – مقيمين بمحافظة كفر الشيخ)، حيث كونوا تشكيلا عصابيا تخصص فى النصب والاحتيال والاستيلاء على أموال المواطنين الراغبين فى الحصول على تلك الشهادات من خلال إنشاء المتهمتين العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ونشر منشورات على تلك الصفحات زاعمين قدرتهم على توفير شهادات دراسية لمن يرغب فى الحصول عليها منسوبة للعديد من الجامعات المصرية -على خلاف الحقيقة- بمقابل مادي.
وعقب الإيقاع بالمجنى عليهم وتحويلهم جزءا من المبلغ المالي المتفق عليه على محفظة مالية مربوطة على هاتف محمول بحوزة المتهم المشار إليه كمقدم، يقوموا بغلق حساباتهم والاستيلاء على أموالهم مستغلين خشية المجنى عليهم الإبلاغ عن تلك الوقائع لعدم تعرضهم للمساءلة القانونية.
عقب تقنين الإجراءات بالتنسيق مع قطاعي الأمن العام ونظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومديرية أمن كفر الشيخ أمكن ضبطهم وعُثر بحوزتهم على 2 هاتف محمول، بفحصها فنيًا تبيّن احتوائها على آثار ودلائل تؤكد نشاطهم الإجرامي المشار إليه.
وبمواجهة المتهمين، أقروا بنشاطهم الإجرامي وأضافوا بارتكاب 16 واقعة بذات الأسلوب الإجرامي، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم.
وفي محاولة منا لكشف المستور وكواليس العالم السري لتزوير الشهادات الجماعية، نجحت «النبأ» في اختراق هذا العالم من خلال مغامرة صحفية تكشف تفاصيلها السطور التالية، والتي وصلت إلى حد إمكانية حصول أي شخص لم يدرس يوما واحدا بالجامعة، على شهادة جامعية بكالوريوس أو ليسانس أو حتى ماجستير أو دكتوراه في أي تخصص، مما يهدر حقوق الدارسين بالمدارس والجامعات المصرية، فضلا عن تهديد مصداقية مخرجات الحياة التعليمية بمصر.
كارنيه نقابة وتوثيق الخارجية
«شهادات جامعية معتمدة».. بهذه الجملة روجت صفحات على «فيسبوك» لبيع شهادات علمية بدرجات مختلفة على مرأى ومسمع من آلاف المتابعين، وأكدت أن الشهادة التي ستحصل عليها من خلالها معتمدة من كبرى الجامعات الحكومية المصرية.
دون خوف من حسيب أو رقيب، وضعوا بجانب تلك الإعلانات شعارات لعدد من الجامعات، كان أبرزها جامعة القاهرة وعين شمس وحلوان و6 أكتوبر.
وبتتبع تلك الصفحات، وجدنا أن بعضا منها يضع نفس الإعلان بشكل شبه يومي، بينما البعض الآخر كان لديه عروضا خاصة للتسويق: «إذا أردت الحصول على شهادة جامعية معتمدة، يمكنك ولفترة محدودة أن تحصل معها على كارنية النقابة»، و«إن كنت ترغب في السفر إلى الخارج وتريد شهادة جامعية، تواصل معنا وستحصل مع شهاداتك على توثيق الخارجية».
تسعيرة الشهادات المضروبة
بدأت محررة «النبأ» في البحث عما وراء الإعلان، وأجرت اتصالا بالرقم لترد عليها فتاة من أصحاب الصوت الحسن، يبدو أنها تم اختيارها لجذب الباحثين، وبالسؤال عن سعر الشهادة قالت إنها تبدأ بـ40 ألف جنيه إلى 130 ألف جنيه للدكتوراه حسب نوع الشهادة، أما ردها عن جهة الاعتماد قالت: «أنا مجرد مسئولة تسويق.. لو أنت جادة هبعتك للمسئول.. وعرفيني وصلتى معاه لإيه عشان عمولتي».
وبعد دقائق معدودة استقبلت محررة «النبأ» رسائل عبر «الواتس آب» من مسئول بيع الشهادات، والذي أكد أن الشهادة سليمة 100% وأرسل صورة كنموذج لها، أما عن الاختبارات التي يجب أن يخوضها الباحث لنيل الشهادة قال: «مفيش امتحانات ولا حاجة أنتي بس حددي التاريخ اللي عايزة تطلع بيه الشهادة وكمان الدرجة اللي عايزة تبقى حاصلة عليها».
الموقف القانوني
من جانبه، قال أحمد رمضان محمد، الخبير القانوني والمحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إن قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 نص فى الباب السادس عشر منه والخاص بجرائم التزوير، على عقوبة التزوير فى الأحكام أو المحاضر، واختلفت العقوبة إذا ما وقعت الجريمة من موظف عام، أو إذا وقعت من غير موظف عام.
وأضاف: «كما نصت المادة 211 من القانون على كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويرًا في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالسجن المشدد أو السجن».
وأوضح أن المادة 212 نصت على أن كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويرًا مما هو مبين في المادة السابقة يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة أكثرها 10 سنوات.
وأشار إلى أن المادة 214 من القانون، تنص على أن من استعمل الأوراق المزورة وهو يعلم بتزويرها يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن من 3 سنوات إلى 10 سنوات.
وأضاف أن أكاديميات الشهادات المضروبة انتشرت لما تحققه من أرباح مالية كبيرة، واعتبرها الأشخاص مصدرا لكسب الأموال بسهولة ويسر دون عناء أو مشقة فكل ما يتكلفه هو جهاز كمبيوتر وطابعة وعدة أكلاشيهات مزورة.
وأشار إلى أن ظاهرة تزوير الشهادات واستخدامها لتحسين المظهر الاجتماعى فى العمل أو أمام الأهل والأصدقاء موجودة منذ عشرات السنين لكنها انتشرت مرة أخرى فى الآونة الأخيرة بسبب تطور التكنولوجيا وسهولة الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي.