المنظمة العربية لحقوق الإنسان: مجلس الأمن يفشل مجددًا في النهوض بمسئولياته تجاه فلسطين
أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن قلقها من إزاء فشل مجلس الأمن في التوصل لقرار يضمن وقف مستدام لإطلاق النار في قطاع غزة المحتل، وهو الحد الأدنى الذي يتطلبه وقف قتل المدنيين واستهداف الأعيان المدنية وتدفق المساعدات الإغاثية العاجلة بما يتناسب مع حجم التحدي غير المسبوق.
جاء القرار 2722 بعد 77 يومًا من عمليات القتل الجماعي الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين في القطاع، و75 يومًا من بدء الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية عبر قطع سل الحياه من غذاء ومياه ودواء ووقود عن سكان القطاع، وبعد 73 يومًا من جريمة التهجير القسري للسكان داخل القطاع والتعبير الوقح عن النية لتهجيرهم قسرًا نحو مصر.
وواصلت الإدارة الأمريكية شراكتها الكاملة على قدم المساواة مع الاحتلال الإسرائيلي في توفير الغطاء لاستمرار العدوان وارتكاب جرائمه وانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث أجبرت مجلس الأمن على إفراغ القرار من مضمونه لتجنب استخدام حق النقض "الفيتو" للمرة الـ48 في 50 عامًا، مع مواصلة التوفير الجارف للإمدادات العسكرية لقوات الاحتلال.
مساعدات لا تحد من الكارثة الإنسانية
في 31 أكتوبر 2023، انتقدت مصر على لسان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات "ضياء رشوان" القيود الإسرائيلية التي تعيق تدفق شاحنات المساعدات، موضحًا أن الاحتلال يفرض نقل الشاحنات بعد عبورها منفذ رفح البري إلى أقصى شرق حدود القطاع لتفتيشها في وقت طويل بشكل متعمد للحد من تدفق المساعدات، وكان لهذه الانتقادات أثره في زيادة التدفق بصورة نسبية للوصول إلى 100 شاحنة يوميًا.
وسمح أول تطبيق لهدنة إنسانية في 24 نوفمبر/تشرين ثان 2023 بدخول المئات من شاحنات من المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى قطاع غزة. وتم تسليم 130 ألف لتر من الوقود فضلًا عن دخول أربع شاحنات غاز يوميا إلى غزة مع بدء الهدنة، وكذلك مرور قرابة 150 شاحنة مساعدات يوميًا عبر معبر رفح، في حين أن القطاع كان يستقبل أكثر من 500 شاحنة يوميًا قبل العدوان لتغطية الاحتياجات بالكاد.
وعلى الرغم من ذلك فقد أجمعت المنظمات المحلية في القطاع وكذلك منظمات دولية على أن ما يدخل إلى القطاع عبر معبر رفح ليس كافيا، بأي حال من الأحوال، خاصة وأن المعبر مخصص لحركة البشر، وليس مخصصًا بالأساس للحركة التجارية وغير ممهد لعبور الشاحنات، وأنه لا بد من زيادة حجم تدفق المساعدات من أجل تفادي وقوع كارثة إنسانية.
كما حذر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، من خطر حدوث مجاعة في قطاع غزة، مؤكدا أن الإمدادات غير كافية على الإطلاق، للتعامل مع مستوى الجوع، الذي رصده موظفو البرنامج، في ملاجئ الأمم المتحدة وأماكن النزوح الأخرى.
وكان مكتب الإعلام الحكومي في غزة، قد أعلن في 28 نوفمبر 2023، أن القطاع يحتاج إلى 1000 شاحنة مساعدات يوميًا للتعافي من آثار القصف الإسرائيلي، الذي استمر نحو خمسين يوما آنذاك، ولا يتجاوز عدد ما يدخل القطاع بصورة يومية، المئة والخمسين شاحنة، منذ بدء الهدنة الحالية، مقارنة بخمسمئة شاحنة، كانت تدخل القطاع يوميا قبل السابع من أكتوبر 2023.
وفي 15 ديسمبر 2023، تم الإعلان عن فتح معبر كرم أبو سالم الحدودي مع قطاع غزة للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر أول 2023، بغرض التوصيل المباشر للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، حيث تقرر السماح بدخول 200 شاحنة مساعدات يوميًا.
ويعد معبر كرم أبو سالم الواقع على الحدود بين مصر وإسرائيل مع قطاع غزة من نقاط العبور الرئيسية للبضائع من غزة وإليها، مما يسمح بوتيرة أسرع للعبور مقارنة مع معبر رفح.
وعلى الرغم من قرار عبور شاحنات المساعدات عبر المعبر إلا أن الشاحنات اضطرت في العديد من المرات للعودة إلى رفح للعبور إلى غزة عبر مصر مباشرة.
الإدارة الأمريكية وتقويض النظام الدولي
وعلى الرغم من المساعي العربية والدولية الساعية إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وزيادة دخول المساعدات الإنسانية لإغاثة المنكوبين في القطاع المحاصر، إلا أن الإدارة الأمريكية واصلت دعمها غير الأخلاقي لعدوان الاحتلال الإسرائيلي.
وأفشلت العديد من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، حيث استخدمت حق النقض في 9 ديسمبر 2023، ضد مشروع قرار للمجلس يدعو إلى "وقف إنساني فوري لإطلاق النار" في غزة، وذلك لجوء السكرتير العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" لاستخدام أقصى صلاحياته بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
وعلى إثر ذلك تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارا غير ملزم بهذا الصدد، بغالبية 153 صوتا، من أصل الدول الأعضاء الـ193، فيما صوتت عشر دول ضده وامتنعت 23 عن التصويت، وقد دفع ذلك التأييد الواسع لقرار الجمعية العام للأمم المتحدة الدول العربية، إلى طرح نص جديد كان يفترض أن يجرى التصويت عليه ليل الإثنين 18 كانون الأول/ديسمبر لكن جرى تأجيله.
مجلس الأمن يفشل مجددًا
وفي 22 ديسمبر 2023، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2722 لـ "تهيئة الظروف لوقف الأعمال العدائية وقفا مستدامًا"، وتوسيع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ومراقبتها، ويطالب كلًا من "إسرائيل وحماس" بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء قطاع غزة بشكل آمن ودون عوائق وعلى أوسع نطاق.
ويدعو القرار السكرتير العام للأمم المتحدة لتعيين منسق كبير للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار، من أجل تسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة، وسيكون المنسق مسؤولًا عن تسهيل وتنسيق ومراقبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فضلا عن التحقق من الطبيعة الإنسانية لجميع شحنات المساعدات الإنسانية التي يتم تسليمها عبر الدول من غير أطراف النزاع، وأن يقدم تقريرًا عن عمله خلال 20 يوما من بدء مهمته، ثم يقدم تقريرًا دوريًا كل 90 يوما.
قتل جماعي بطئ للمدنيين الفلسطينيين
وفي 14 ديسمبر 2023، قال "فيليب لازارني" المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن أكثر من 130 من موظفي الوكالة قد قتلوا منذ 7 أكتوبر في العدوان الإسرائيلي على القطاع، وكان "لازاريني" قد قال في 12 ديسمبر أن الوضع في غزة تجاوز وصف "الجحيم"، وأشار إلى توثيق بالفيديو لنسف مدرسة تابعة للوكالة ووصفه بـ "المروع".
وتشير المصادر الأممية أن حجم تلبية المساعدات في القطاع لا تتجاوز نسبة الـ 10 بالمائة من احتياجات السكان، وقال مسؤولو برنامج الغذاء العالمي أن 25 بالمائة من السكان يتضورون جوعًا، وأن هذا العدد سيصل إلى نسبة 100 بالمائة في فبراير المقبل ما لم يتم تلبية الاحتياجات.
وقالت رئيسة الصليب الأحمر الدولي أن الوضع في غزة يمثل فشلًا أخلاقيًا تامًا للمجتمع الدولي.
ومن ناحية أخرى، انتقد "علاء شلبي" رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان عزوف وكالات الأمم المتحدة العاملة في القطاع عن العمل على توصيل المساعدات للمنكوبين في مناطق شمال القطاع بدعوى "الأسباب الآمنية"، وهو ما يصب حتميًا في دعم مشروع الاحتلال لحمل سكان القطاع على المغادرة نحو مصر، لا سيما بعد أن بات 1.2 مليون نازح في منطقة رفح الفلسطينية الملاصقة للحدود المصرية، مشيرًا إلى أن القرار 2722 لا يزال يغفل الفشل الذي كان مرتقبًا للقرار 2712 في 15 نوفمبر الماضي الذي دعا إلى هدنات إنسانية وتوفير ممرات آمنة لوصول المساعدات وفي "جميع أنحاء القطاع" وفق نص القرار.