آفاق الاقتصاد الصيني في 2024.. توسع أم مزيد من الركود؟
واجه الاقتصاد الصيني تحديات كبيرة مثل غيره عام 2023 وسط بيئة محلية ودولية معقدة، حيث كافح ثاني أكبر اقتصاد في العالم للمحافظة على التعافي الاقتصادي.
الإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن أداء الاقتصاد الصيني كان أقل من المعتاد في وقت كان من المفترض أن تنتعش فيه البلاد بعد التخلي عن سياسات "صفر كوفيد".
وفي اليوم الأخير من عام 2023، لم تقم العديد من المدن في الصين فعاليات العد التنازلي حتى أن بعض الأماكن ألغت الاحتفالات بمناسبة السنة الجديدة.
ربما يعكس هذا الوضع الاقتصادي للبلاد وهي تستقبل عام 2024 بتراجع ثقة المستهلك وانخفاض الطلب وهبوط استثمارات الشركات.
لكن رغم هذه الخلفية، لا يزال الاقتصاد الصيني يتمتع بالمرونة والنشاط ويميل إلى اتجاه صعود وفق حقائق ومؤشرات.
--عصر النمو البطئ
منذ عام 2013، دخلت الصين عصرا يركز على جودة النمو الاقتصادي وليس الكم.
وشهد معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين هبوطا، حيث انخفض من 12 بالمئة في الربع الأول من عام 2010 إلى 6 بالمئة في الربع الرابع من عام 2019.
وعلى مدى العامين الماضيين، ظل متوسط معدل النمو السنوي في الصين عند مستوى 4.6 بالمئة تقريبا.
ومن عام 2020 إلى عام 2023، خلال فترة وباء كوفيد، لم يكن الوقت سهلا بالنسبة لمعظم الأشخاص والشركات في البلاد. وفي ظل البيئة الدولية والمحلية المعقدة، واجهت الصين ضغوطا كبيرة على صعيد التنمية.
وحسب الأرقام، شهد قطاع العقارات في الصين تراجعا. وتضخمت ديون الحكومات المحلية. ووجد القطاع المصرفي نفسه في حالة غير مواتية. وقد انخفضت مبيعات السيارات، وشهد قطاع السياحة انخفاضا بنسبة 70 في المائة بسبب اجراءات كوفيد.
-اعتراف وتطمين
وفي خطابه الأخير بمناسبة السنة الجديدة، أقر الرئيس الصيني شي جين بينغ بوجود بعض الصعوبات، قائلا "تواجه بعض الشركات ضغوطا تشغيلية (و) يواجه بعض الأشخاص صعوبات في التوظيف وظروف العيش".
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ "هدفنا ملهم وبسيط في نفس الوقت. وفي نهاية المطاف، يتعلق الأمر بتوفير حياة أفضل للناس.
يجب أن نحظى بأطفالنا رعاية جيدة وأن يحصلوا على تعليم جيد. يجب أن تتاح لشبابنا الفرص لمواصلة حياتهم المهنية والنجاح. ويجب أن يتمتع كبار السن لدينا بإمكانية الوصول الكافي إلى الخدمات الطبية ورعاية المسنين. هذه القضايا تهم كل أسرة، كما أنها تمثل أولوية قصوى للحكومة. وعلينا أن نعمل معا لتحقيق هذه القضايا".
رسالة شي جاءت بعد بيانات أقل من التوقعات الشهر الماضي بما في ذلك الإنتاج الصناعي والاستثمار ومبيعات التجزئة.
ومن منظور إيجابي، يفترض أن مثل هذه التصريحات تعكس نقطتين على الأقل: أولا، تتمتع القيادة العليا بفهم للوضع الشعبي.
ثانيا، الاعتراف بالعديد من المشاكل في التنمية الماضية، أي أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في تحسين معيشة الناس، والتعليم، والتوظيف، والرعاية الصحية، ورعاية المسنين.
وهنا، يعتقد أن الاعتراف الموضوعي بالمشكلات وبشكل مباشر هو في الواقع الخطوة الأولى لحل المشكلات.
ومن منظور كلي، يبدو في سياق الوضع الاقتصادي للعام 2024 أن المشاكل لن تحل بسهولة، فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت. فتخفيف التحديات الاقتصادية الحالية يتطلب أكثر من مجرد سياسات كلية فنية، وسياسات صناعية، وسياسات مالية.
-مستقبل واعد
رغم هذه المؤشرات، يعتقد أن الصين لا تزال تتمتع بمستقبل واعد من النمو طويل الأجل على المدى الطويل. وفي خطابه، أكد شي بالفعل أن الاقتصاد "تغلّب على العاصفة" في 2023 وبات "أكثر ديناميكية وقدرة على الصمود من قبل".
وبالفعل، تظهر المزيد من الدلائل وجود الاقتصاد الصيني على سكة الانتعاش.
السياحة الداخلية انتعشت على نطاق واسع. وارتفعت مبيعات السيارات في الصين وتجاوزت شركة بي واي دي الصينية لأول مرة شركة تسلا الأمريكية من حيث المبيعات في الربع الأخير من العام الماضي. وقد أعلنت شركة علي بابا للتو عن عودتها إلى نمو قوي في المبيعات في نتائج الربع الثاني.
وبفضل الصناعات والقطاعات التنافسية الناشئة، يتحول اقتصاد الصين من نمو عالي السرعة إلى نمو عالي الجودة، ما يجعل النمو الاقتصادي أكثر استمرارية.
وشهدت الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي ارتفاعا في الاستثمارات الصينية في صناعات التكنولوجيا الفائقة بنسبة 11.5 بالمئة مقارنة بالعام قبله، وهو ما يزيد بشكل ملحوظ عن نمو استثماراتها الإجمالية. ونما إنتاج الخلايا الشمسية ومنتجات مركبات الطاقة الجديدة بنسبة 65.1 بالمئة و24.9 بالمئة على التوالي.
وعلى صعيد المحركات الجديدة للاقتصاد الصيني، يبرز جيل قادم من الشركات يركز على التقنيات الأكثر ابتكارا، حيث يستمر الناس هنا في بناء أعمال تجارية مبتكرة، ما بدلل على سبب استمرار قوة الاقتصاد الصيني.
وفي هذا الصدد، تتصدر الصين العالم حاليا في إنتاج السيارات الكهربائية وبطاريات السيارات الكهربائية ومعدات اتصالات الجيل الخامس والطائرات التجارية دون طيار وأجهزة إنترنت الأشياء والمدفوعات عبر الهاتف المحمول والخلايا الشمسية.
ومع بداية العام، قال رئيس أعلى جهاز للتخطيط الاقتصادي في الصين يوم الثلاثاء إن الصين ستتخذ إجراءات عملية في ستة مجالات، بما في ذلك تسريع عملية التشريع لقانون تعزيز الاقتصاد الخاص، للمساعدة في تنمية الاقتصاد الخاص ومعالجة المخاوف وتعزيز الثقة وكسر الحواجز وحل المشكلات وضمان شعور الشركات الخاصة بالفوائد.
وأظهرت البيانات الحكومية أنه في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2023، زادت واردات وصادرات الشركات الخاصة بنسبة 6.1 بالمئة على أساس سنوي. وباستثناء الاستثمار في القطاع العقاري، ارتفعت الاستثمارات الخاصة بنسبة 9.1 بالمئة على أساس سنوي خلال نفس الفترة.
تتمتع الصين باقتصاد واسع النطاق يتسم بجوانب بالغة التعقيد، بما في ذلك الجوانب الصناعية، والحضرية والريفية، والإقليمية، والداخلية والخارجية، والافتراضية والحقيقية، فضلًا عن الجوانب المملوكة للدولة، والخاصة، والاستثمارات الأجنبية.
وتحت تأثير العوامل الداخلية والخارجية، يتباين الضغط على مختلف الأنظمة الفرعية للاقتصاد الصيني، مع وجود اختلافات في الأداء خلال التعافي الاقتصادي بعد الوباء.
على سبيل المثال، في عام 2023، اختلف الأداء الاقتصادي في الصين في قطاع الاستهلاك بشكل كبير عن الأداء في قطاع التصنيع، في حين اختلف الوضع والأداء التشغيلي للشركات المملوكة للدولة بشكل كبير عن أداء الشركات الخاصة والشركات ذات الاستثمار الأجنبي. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أيضا اختلافات ملحوظة في البيئات والأوضاع الاقتصادية المحلية والأجنبية. وفي حين تتعافى بعض القطاعات الاقتصادية، هناك قطاعات أخرى تتراجع، لكن بالأساس لا تزال أساسات الاقتصاد الصيني قوية ومتينه ولديه امكانيات كبيرة للنمو.