القصة الكاملة لإعادة تكسية هرم «منكاورع الأصغر» وطمس تاريخ الأهرامات
شهدت منصات مواقع التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، جدلا واسعا بشأن إعادة كساء هرم منكاورع الأصغر من بين أهرامات الجيزة الثلاثة بالجرانيت والذي أطلق عليه الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أنه مشروع القرن وهدية مصر للعالم.
رسميا.. وزارة الآثار تعلن عن المشروع
جاء ذلك بعد إعلان وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار بدء تنفيذ المشروع الذي يستغرق ثلاث سنوات ويتضمن إعادة تغليف هرم منقرع بالجرانيت، مؤكدة أن هذا هو الأصل في هذا الهرم والعشرات من الأهرامات الأخرى وأن المشروع يمثل هدية مصر للعالم في القرن الحالي.
انتقاد واسع
لكن المغردون والمهتمون بالآثار انتقدوا الأمر لعدة أسباب منها الظروف الاقتصادية للبلاد التي لا تسمح بنفقات مشروع كهذا يراه البعض أنه غير مجد، أو لأسباب تتعلق بالتخوف من تأثر تصنيف الهرم كأثر عالمي بعد تغيير هيئته التي اعتادها الناس والتي تم تسجيله بها في منظمات حماية الآثار الدولية.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة سخرية من الأمر، ووصف البعض المشروع بأوصاف من قبيل "محارة وتبليط الهرم".
المشروع يطلق عليه «مشروع القرن»، خاصة مع الهالة التي صاحبته فور الإعلان عنه؛ حيث يستهدف مشروع تبليط الهرم إلى استعادة المظهر الأصلي للهرم، الذي كان يغطى بالكامل بالجرانيت، ويعتقد المروجون للمشروع أن تبليط الهرم يساعد على حماية الهرم من عوامل التعرية، وسيجعله أكثر جاذبية للسياح؛ حيث يقول الدكتور مصطفى وزيري: إن جميع أهرامات مصر قديمًا كانت تغطى بكساء خارجي مثل هرم خوفو وخفرع ومنكاورع".
كما أكد وزيري، أن هرم منكاورع كان مغطى بأحجار من الجرانيت، ومنذ مئات السنوات حدث سقوط لهذه الأحجار، مشيرًا إلى أن هذه الأحجار المترامية منعت إقامة الكثير من الحفريات حول الهرم، ولم يتمكن أحد من معرفة طول قاعدة الهرم، أو المراكب الجنائزية له بسبب الأحجار المتناثرة حول الهرم.
ورد وزيري، على المزاعم التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، في الساعات الماضية، بشأن تبليط الهرم أو استيراد جرانيت لإعادة إكساء الهرم، حيث أكد أنه أمر عار تمامًا عن الصحة، ولم نتحدث حتى الآن على إعادة تركيب الجرانيت المتناثر حول الهرم.
المشروع لا يزال في مرحلة الدراسة
وزارة السياحة والآثار، أكدت أن مشروع تبليط الهرم، لازال في مرحلة الدراسة، بالتعاون مع اليابان؛ حيث يملك الجانب الياباني مشروعا لدراسة هرم منكاورع على نفقته بالكامل، لرفع الرديم المتناثر حول الهرم للوصول إلى الصخرة الأرضية للهرم بصورة مماثلة لما حدث مع هرم خوفو وخفرع، والعمل على الكشف المراكب الجنائزية.
وقام وزير السياحة والآثار، أحمد عيسى، بتشكيل لجنة عليا للبدء في دراسة مشروع إعادة كساء أو تغليف الهرم الأصغر بالجرانيت.
اللجنة تضم خبراء آثار وهندسة ومعمار وترميم لهم سمعة دولية، مهمتهم تلقي التقارير ممن يدرسون الموقف على الأرض حول الهرم الأصغر وحسم موقف المشروع المعلن عنه إما يصلح أو لا يصلح، أو يصلح جزء منه أو لا، وتستمر الدراسة لمدة عام كامل".
وردا على الانتقادات الموجهة للمشروع قال الدكتور زاهى حواس، إن الهرم الأصغر مبني من الحجر الجيري من الهضبة نفسها، ثم لجأ الملك منكاورع لكساء وجهه بأحجار جرانيتية، متابعًا: «محدش يقدر يؤذي الهرم، اللي بيقول هذا الكلام ناس عايزة إثارة وشماتة بلا أي سبب».
المخاوف من المشروع وصلت للخارج أيضا، حيث حذر الموقع الأمريكي من تبطين هرم منكاورع، وشبكة "سي بي أس" الأمريكية من نقل كتل الجرانيت إلى هرم منكاورع، الذي يُعرف بعملية تبطين أو تبليط الهرم، والذي أكده الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار سابقًا.
وأشار موقع "سي بي أس" الأمريكي، إلى أهمية دراسة ما يُعرف بـ تبطين الهرم الأصغر "منكاورع"، على نطاق واسع للتحقق من أن جميع كتل الجرانيت متساوية، حيث قال الدكتور محمد عبد المقصود": إن بعضها على الأرجح لم يكن جزءًا من الهرم نفسه، بل تم استخدامه في المنحدر الضخم الذي أدى إليه أثناء البناء منذ أكثر من 4000 عام".
خطورة المشروع
وعن خطورة هذا المشروع، قال الدكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة سابقا، في تصريحات خاصة لـ "النبأ"، إن خطورة هذا المشروع أنه يتعلق بتاريخ وآثار وتراث مصرنا الحبيبة عامة والمسجل منها على قائمة التراث العالمي باليونسكو خاصة، وتأتي على رأسها هضبة الجيزة بأهراماتها الثلاثة خوفو وخفرع ومنكاوو_رع والتي تتسم بالأصالة والعراقة والقدم والتميز والتفرد والمكانة ومن ثم لايجوز إطلاق أي مشروع عن أي منها إلا بعد دراسات متأنية دقيقة وعميقة في ضوء القوانين والمواثيق والمؤتمرات والتوصيات الدولية، ومنها ميثاق البندقية (فينيسيا) 1964م، ومؤتمر نيروبي 1976م وميثاق لاهور 1980م وميثاق بورا1981م وميثاق واشنطن 1987م وميثاق لوزان 1990م ووثيقة نارا للأصالة 1994م وغير ذلك؛ فضلا عن الدراسات ذات الصلة والتجارب السابقة؛ ويضاف إلى هذا وذاك الفهم العميق والإدراك الواسع للمصطلحات المعنية بقيم المواقع الأثرية وأنواعها وبالحفاظ وأساليبه وتصنيفاته ومستوى التدخل طبقا للحالة والغرض؛ وكذلك ما يتعلق بالصيانة والترميم والإزالة والدمج والإكمال والاستكمال والحماية والحلال والفك والنقل والتركيب وإعادة البناء أو الإنشاء، وكيفية التمييز بين القديم والجديد أو المضاف وغير ذلك مما يطول شرحه وتفسيره.
وتابع: ولو طبقنا ذلك على ما أشار إليه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بخصوص مشروع القرن وهدية مصر للعالم تزامنا مع قرب افتتاح المتحف الكبير؛ وهذا المشروع يهدف إلى إعادة تركيب البلوكات الجرانيتية على هرم منكاوو رع وكسائه بها بدلا من عريه؛ وبالتالي سيتمكن العالم من رؤية الهرم بكسوته الجرانيتية كما بناه المصري القديم؛ وسوف ينفذ المشروع بعثة مصرية يابانية مشتركة برئاسة الأمين العام من مصر، والدكتور يوشيمورا ساكوجي من اليابان، خلال فترة من سنة إلى ثلاث سنوات، ويتحمل الجانب الياباني كل التكلفة كما صرح الأمين العام في أكثر من موضع، وهنا تثار عدة تساؤلات مهمة:
- لماذا الإعلان عن هذا المشروع في هذا التوقيت بالذات؟ وما تفاصيل المشروع ودراسة الجدوى والدراسة الاستشارية ومن سيقوم بهذه وتلك؟ وهل سيتم عرض المشروع على اللجنة الدائمة (مثل المشروعات السابقة؟ ومن بينها تقليص مساحة هرم ميدوم؛ وبناء مسرح مكشوف على ثلثي حرم سور مجرى العيون من الداخل؛ ومشهد ال طباطبا وغير ذلك)، أم سيعرض على لجنة من الخبراء والمختصين من غير المتعاونين مع المجلس وقطاعاته!
- أين السيد وزير السياحة والآثار وهل له علاقة بالمشروع أم لا؛ وأين دوره لا سيما وهو المسؤول الأول في الوزارة ورؤيتها وخططها ومشروعاتها؟
- أين د زاهي حواس من هذا المشروع؟ ولماذا صمت ويصمت حتى الآن وهو قد قضى جل حياته الوظيفية الأولى في الهرم حتى عرفت واشتهرت باسمه (زاهي لاند)؟ ومن ثم فهو يعرف كل كبيرة وصغيرة بالمنطقة.
- أليس الدكتور يوشيمورا ساكوجي هو رئيس البعثة اليابانية المكونة من24 شخصا عام1978م التي أرادت بناء هرم بجوار أهرام الجيزة بارتفاع 20م تقلصت إلى 10م ولكن التجربة فشلت بكل المقاييس والمعايير وبالتالي هل هذا المشروع الجديد بهرم منكاوورع هو تجربة يابانية جديدة لتعويض الفشل السابق بنجاح مضمون هذه المرة من وجهة النظر المطروحة حتى الآن.
هل هذا المشروع يهدف في جانبه غير المعلن والمستتر إلى اكتشاف مراكب الشمس، لا سيما وأن المرحوم الدكتور أحمد فخري كان قد أشار إلى أن المناطق الواقعة إلى الشمال وإلى الجنوب من هذا الهرم لم تحفر حفرا علميا منظما ومن الممكن أنه مازالت هناك تحت أكوام الرديم آثار أخرى، وربما من بينها حفرات السفن، وهي تنتظر اليوم الذي يتم فيه الكشف عنها.
وتابع: وبالتالي هذا المشروع في ظاهره تركيب الكسوة الجرانيتية وفي باطنة اكتشاف المراكب ولكن لم يتم الإعلان عنها حتى الآن ربما لعدم التأكد من وجودها لحين يتم اكتشافها وربما يكون ذلك هو الهدف الخفي السري المستتر من إطلاق مصطلح مشروع القرن وهدية مصر إلى العالم.
وأكد الدكتور محمد حمزة، أنه من المعروف أن هذه الكسوة الجرانيتية كانت تشغل 16مدماكا (صفا أو سافا) من قاعدة الهرم ولم يتبق منها سوى7 مداميك؛ وهناك كتل جرانيتية متناثرة ومتساقطة في محيط الهرم وهي التي سوف يتم إعادة تركيبها وفقا لتصريحات الأمين العام؛ وبالرجوع إلى الدراسات المعروفة والمهمة للهرم ومحيطة وآثار منكاوو رع ومجموعته بذات المنطقة لكل من برتون وبرنج وفيز وريزنر وبورخارت وإدواردز وأحمد فخري وغيرهم، نجد أن هناك نوعين من كتل الجرانيت الأول مهذب ومصقول والآخر غير مهذب وغير مصقول وهو الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الكتل كانت تأتي من المحاجر وتوضع في هذا المكان كما هي غير مصقولة ثم يتم صقلها وتسويتها وتهذيبها بعد أن توضع في موضعها من البناء كل في المد ماك الخاص بها؛ وبالتالي فإن كسوة هذا الهرم لم تتم في حياة منكاوو رع نفسه ولا حتى في عهد ابنه وخليفته شبسسسكاف الذي أكمل ما لم يتم في عهد والده والدليل على ذلك هو تلك الكتل المتناثرة والمتساقطة الباقية في محيط الهرم على نفس حالتها التي جيء بها من المحجر أي دون تسوية وتهذيب وصقل؛ لأنها لم توضع أصلا في البناء ليتم لها ذلك كمثيلاتها التي لاتزال باقية في المداميك الستة هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى فإن هيرودوت قد ذكر عام 448 ق م أن الكسوة الجرانيتية تصل إلى نصف ارتفاع الهرم أي أنه لم يكن مكسيا بكامله منذ منتصف القرن 5ق م؛ وبما أن الارتفاع الأصلي للهرم يبلغ ستة وستين مترا ونصف المتر أي أن ال16مدماكا الجرانيتية التي رجح العلماء أنها كانت تكسو الهرم لم تكن تقل عن30م من قاعدة الهرم وهو ما يتطابق مع قول هيرودوت؛ وبالتالي كيف يصدر عن الأمين العام قوله أن العالم سوف يتمكن من رؤية الهرم بكامل كسوته كما بناه المصري القديم وهو لم يكن مكسيا بكامله؛ كما أنه لا توجد إشارة واحدة لذلك ولاتوجد صورة قديمة له بذلك أيضا.
كذلك فإن الكتل المتناثرة لم تكن تخص الهرم وحده بل مجموعة الملك منكاوورع وعلى رأسها المعبد الجنائزي والذي لا تزال توجد كسوة منها خلف هيكل المعبد وبالتالي كيف نميز بين ما كان منها للهرم وما كان منها للمعبد وغيره من بقية المجموعة.
وتساءل عميد آثار القاهرة سابقا، وعلى ضوء ما تقدم ما الضرورة الملحة والأهمية المتعاظمة والأولوية القصوى والجدوى المنتظرة من تنفيذ مثل هذا المشروع؟، لا سيما وأن كمية الكتل المتناثرة حتى لو ثبت أنها تخص كسوة الهرم لن تكفى لتنفيذ المشروع (سواء الهرم كاملا أو جزءا منه حتى منتصفه على الأقل كما أشار هيرودت)، وبالتالي هل سيتم جلب كتل أخرى وعلى أي أساس؟.
وكيف يمكن التمييز بين الأصلي وغير الأصلي؟؛ وبالتالي كيف ستكون الصورة النهائية لهذا الهرم وهو المسجل على وضعه الحالي في الذاكرة التاريخية والبصرية والسياحية والثقافية الإعلامية والدرامية؛ وعلى قائمة التراث العالمي.
مناشدة للرئيس السيسي
وناشد الدكتور محمد حمزة، الرئيس عبد الفتاح السيسي، بضرورة استحداث هيئة مستقلة أو إدارة مستقلة للرقابة الأثرية على كل المشروعات قبل وبعد تنفيذها قبل أن يأتي يوم نفقد فيه كل مظاهر الأصالة والقيم في آثارنا وتراثنا الفريد والنادر من كافة الحقب والمراحل التاريخية.