تقرير رقابي يكشف بالمستندات..
توريط وزارة المالية في ديون بقيمة 947 مليار جنيه للبنوك
يشهد الاقتصاد المصري في الوقت الراهن مجموعة من الأزمات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة، ولعل أبرز تلك الأزمات ندرة الدولار وعدم توافره، وتدهور قيمة الجنيه المصري أمام الأخضر الأمريكي، والارتفاع الجنوني الذي ضرب أسعار الدولار بالسوق السوداء الموازية عن السعر المعمول به في البنوك، إضافة إلى أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية وسط غياب تام للرقابة على الأسواق.
ورغم أن تلك الأزمات السابق ذكرها هي الأكبر على مستوى الاقتصاد، إلا أن هناك أزمة أخرى طاحنة بين وزارة المالية والقطاع المصرفي؛ بسبب ما يسمى بـ«الضمانات الحكومية» للقروض التي حصلت عليها وحدات الجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية والخدمية، خاصة في ظل تعثر أو امتناع بعض الجهات عن سداد تلك القروض، مما ولد التزامات على وزارة المالية بضرورة السداد بصفتها الضامن الوحيد لتلك الجهات.
وقال تقرير رقابي -حصلت «النبأ» على نسخة منه- إن الحكومة تضمن بعض وحدات الجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية والخدمية فيما تعقده من قروض تحصل عليها من البنوك التجارية أو من هيئات التأمين والادخار لضمانات محددة القيمة، فضلًا عما تصدره من خطابات ضمان للبنك المركزي المصري لضمان بعض الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام مقابل ما تحصل عليه تلك الهيئات من قروض أو تسهيلات ائتمانية أجنبية.
وأضاف التقرير، أن وزارة المالية رخصت للبنك المركزي المصري في حالة عدم قيام تلك الوحدات والهيئات بالوفاء بما يستحق عليها من فوائد وأقساط تلك القروض والتسهيلات بالرجوع على وزارة المالية تنفيذًا للضمان الصادر منها في هذا الشأن بالخصم على حسابها المفتوح بهذا الغرض باسم حساب جاري الضمان بقيمة تلك الفوائد والأقساط، وبلغت جملة تلك الضمانات نحو 947 مليارا و365 مليون جنيه.
وأشار التقرير الرقابي، إلى أن تلك الضمانات الحكومية تتمثل في قيمة القروض المحلية الممنوحة لبعض الجهات بضمان وزارة المالية بنحو 460 مليارا و470 مليون جنيه، بالإضافة إلى قيمة خطابات الضمان الصادرة من وزارة المالية للبنك المركزي لضمان الهيئات الاقتصادية (عدا الهيئة القومية لسكك حديد مصر) عن القروض المستحقة عليها لجهات التمويل الأجنبية بنحو 15 مليارا و532 مليون جنيه، إلى جانب قيمة خطابات الضمان الصادرة من وزارة المالية للبنك المركزي لضمان الهيئة القومية لسكك حديد مصر في سداد الالتزامات المستحقة عليها لجهات التمويل الأجنبية بنحو 339.6 مليون جنيه.
ولفت التقرير، إلى أن تلك الضمانات شملت -أيضًا- قيمة خطابات الضمان الصادرة من وزارة المالية للبنك المركزي لضمان الشركة القابضة لكهرباء مصر عن مشروعات الـ«boot» لسداد الالتزامات المستحقة عليها للمستثمر الأجنبي بنحو 21 مليارا و729 مليون جنيه، كما شملت قيمة خطابات الضمان الصادرة من وزارة المالية لجهات التمويل الخارجية بنحو 449 مليارا و293 مليون جنيه.
وأوضح التقرير، أن عمليات الفحص التي قام بها الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن الضمانات الحكومية، أسفرت عن بعض الملاحظات والمخالفات، من ضمنها عدم إرفاق مصادقات البنك المركزي لبعض خطابات الضمان الصادرة من وزارة المالية لضمان بعض الهيئات العامة والشركة القابضة للكهرباء وذلك لإمكانية مطابقة قيمة تلك الخطابات بالأرصدة القائمة.
وقال التقرير، إن من تلك الملاحظات -أيضًا- عدم تضمين ختامي أرصدة خطابات الضمان الصادرة من وزارة المالية لبنك المركزي لبعض الضمانات أو إرفاق ما يؤيد انتهاء تلك الضمانات، ومن أمثلة ذلك الضمانة رقم (1545) برصيد 87.270 مليون يورو لصالح هيئة قناة السويس، والضمانة رقم (390) برصيد 50 مليون دولار أمريكي لصالح الهيئة المصرية العامة للبترول، وضمانة برصيد 223.112 مليون يورو لصالح الشركة القابضة لكهرباء مصر.
وأضاف التقرير، أن من تلك المخالفات أيضًا ما تبين من ظهور الأرصدة القائمة لبعض الضمانات الصادرة من وزارة المالية بقيمة أزيد من الرصيد الظاهر دون مبرر، في حين كان يتعين أن يظهر الرصيد بالأقل وذلك بقيمة ما تم سداده من الجهة الصادر لصالحها الضمانة، ومن أمثلة ذلك الضمانة رقم (2154) لصالح المتحف المصري الكبير والتي ظهر رصيدها بالزيادة بنحو 3.4 مليار ين ياباني، والضمانة رقم (130) لصالح الهيئة القومية للأنفاق والتي ظهر رصيدها بالزيادة بنحو 25.8 مليون يورو، والضمانة رقم (2291) لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والتي ظهر رصيدها بالزيادة بنحو 115.7 مليون دولا أمريكي.
وتابع التقرير، أنه من ضمن المخالفات التي كشف عنها الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن الضمانات الحكومية ما تبين من تضمين ختامي الضمان الصادرة من وزارة المالية لضمان الهيئات الاقتصادية والشركات بقيمة ضمانات جديدة صادرة مباشرة من وزارة المالية لجهات التمويل الخارجية ولم يصدر لها ضمانات من البنك المركزي المصري برصيد بلغ نحو 35.2 مليار جنيه، فضلًا عن عدم إرفاق المستندات اللازم استيفاؤها لإصدار بعضها، وذلك بالمخالفة لأحكام المنشورات العامة الصادرة من وزارة المالية في هذا الشأن.
وذكر التقرير، أن من تلك المخالفات -أيضًا- استمرار عدم قيام وزارة المالية بتخفيض قيمة الضمانة الصادرة منها لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عن عقد الشراكة الموقع بين الهيئة وشركة أورسكواليا لإتاحة وتشغيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي بمدينة القاهرة الجديد بنظام PPP»» بقيمة المسدد سنويًا من الهيئة للشركة طبقًا لجدول سداد الأقساط والبالغ نحو مليار و475.3 مليون جنيه.
وأكد التقرير، أن من ضمن المخالفات استمرار عدم التزام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بسداد مديونياتها المستحقة البالغة نحو 14 مليارا و58 مليون جنيه لوزارة المالية عن السندات التي أصدرتها بضمان وزارة المالية، هذا بالإضافة إلى تضمين ختامي القروض المحلية ببعض قروض الشركة المصرية لنقل الكهرباء على الرغم من عدم الحصول عليها دون الوقف على أسباب ذلك والتي تمثلت في قرض بنحو 35 مليون دولار من البنك العربي، وقرض بنحو 2 مليار جنيه من مصرف أبو ظبي الإسلامي.
وأوضح التقرير الرقابي، أن رصيد حساب جاري الضمان بلغ نحو 94 مليارا و129 مليون جنيه بزيادة قدرها نحو 2 مليار و372 مليون جنيه بنسبة 2.6% عن العام السابق، مما يحمل الخزانة العامة بعبء تلك الزيادة ومما يرتب عليها من فوائد والتزامات بالإضافة إلى عبء خدمة الدين العام.
وقال التقرير، إن عمليات الفحص التي قام بها الجهاز المركزي لمحاسبات الحساب جاري الضمان؛ أسفرت عن العديد من الملاحظات والمخالفات، لعل أبرزها استمرار قيام وزارة المالية بإصدار تعليمات إلى البنك المركزي في 30 / 6 من كل عام لإقفال حسابات الضمان الفرعية لبعض الهيئات الاقتصادية والشركات في حساب الضمان العام، الأمر الذي يؤدي إلى إظهار الحسابات من واقع كشوف البنك علي غير حقيقتها نتيجة تصفير هذه الحسابات الفرعية في 30 / 6 من كل عام، مما يترتب عليه زيادة الرصيد لحساب الضمان العام دون مبرر، وطلب الجهاز المركزي للمحاسبات مخاطبة البنك المركزي المصري بعدم إقفال حسابات الضمان الفرعية في 30/6 في حساب الضمان العام.
وأضاف التقرير، أنه من ضمن المخالفات الظاهرة في حساب جاري الضمان استمرار بقاء المديونية المستحقة على الشركة القابضة للتشييد والتعمير والبالغة نحو 793 مليون جنيه، نتيجة قيام وزارة المالية بتسوية جانب من مستحقاتها طرف الشركة والبالغ نحو 752 مليون جنيه مع إجمالي مستحقات الشركة طرفها دون تنفيذ ذلك بنكيًا، وذلك بالمحالفة لأحكام القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة وتعديلاته.
وأشار التقرير، إلى أنه من الملاحظات التي تم اكتشافها على حساب جاري الضمان ما تبين من استمرار قيد مديونية البنوك لدى المستشفيات التي آلت تبعيتها من المؤسسة العلاجية بالقاهرة إلى وزارة الصحة والسكان؛ نتيجة عدم انتهاء اللجان المشكلة من نقل الالتزامات التي ترتبت على نقل تبعية تلك المستشفيات بالمخالفة للقرارات الجمهورية الصادرة في هذا الشأن، الأمر الذي ترتب عليه تراكم المديونيات، حيث بلغت 337 مليون جنيه، الأمر الذي أدى إلى الخصم على حساب وزارة المالية بتلك المديونية.
وبحسب التقرير الرقابي، تبيّن استمرار عدم قيام وزارة المالية بالموافقة على إدراج نحو مليار و3 ملايين جنيه ضمن مشروع موازنة الهيئة القومية للإنفاق، الأمر الذي ترتب عليه عدم سداد المديونية المستحقة على الهيئة لوزارة المالية على حساب الضمان، مما يؤثر سلبًا على حسابات الحكومة بالبنك المركزي المصري.
ووفقًا للتقرير، تبين تزايد العديد من المديونيات المستحقة طرف بعض الهيئات والشركات لحساب جاري الضمان، دون قيام وزارة المالية باتخاذ الإجراءات الجادة لتحصيلها، حيث بلغت تلك المديونيات في 4 هيئات وشركة قابضة نحو 57 مليارا و451 مليون جنيه، تتمثل في نحو 18 مليارا و228 مليون جنيه طرف الشركة القابضة لكهرباء مصر، ونحو مليار و889 مليون جنيه طرف الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، ونحو 9 مليارات و797 مليون جنيه طرف الهيئة المصرية العامة للبترول، ونحو 25 مليارا و43 مليون جنيه طرف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ونحو 2 مليار و107 ملايين جنيه طرف الهيئة القومية لسكك حديد مصر.