المستورد ظالم أم مظلوم.. لغز استمرار ارتفاع أسعار السلع رغم هبوط الدولار فى السوق السوداء
شهدت الدولة، في الآونة الأخيرة، هبوطا ملحوظا لسعر الدولار في السوق السوداء، بعد أن سجل مستويات وصلت إلى 72 جنيهًا، ليدخل «الأخضر» بالسوق الموازية في رحلة هبوط ليصل إلى 54 جنيهًا في التداولات الأخيرة، وهو ما أدى سريعًا إلى انخفاض بعض السلع بنسب لم تزد عن 5% كمتوسط رغم انخفاض الدولار بنسبة وصلت إلى 22%.
وجاء الهبوط الملحوظ في الدولار بالسوق الموازية بعد معلومات عن اقتراب دخول سيولة دولارية ضخمة، خلال الفترة القادمة، من بعض المشروعات التي يجرى تجهيزها مع بعض الاستثمارات الجديدة، وكذلك صدور قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة 2% إضافة إلى شن الأجهزة التنفيذية والرقابية حملات قوية على تجار السوق السوداء.
وبالرغم من هذا الهبوط الملحوظ في السوق الموازية، إلا أن الكثير من السلع ما زالت أسعارها كما هي بل في حالة ارتفاع مستمر، حتى وإن انخفضت فلا تنخفض بالشكل المطلوب مقارنة بهبوط الدولار في السوق الموازية، وخلال السطور التالية تحاول «النبأ» الإجابة على الكثير من التساؤلات التي يطرحها المواطنون حول الأسباب وراء استمرار هذا الارتفاع في بعض السلع رغم انخفاض الدولار؟، وما مصير الأسعار في الفترة القادمة؟، ومدى استجابة السوق المصرية بعد انخفاض الدولار في السوق السوداء؟، ومصير التجار بعد استيرادهم تلك السلع بالأسعار السابقة، وهل ستجبرهم الدولة للبيع بسعر مخفض تماشيًا مع سعر الدولار الحالي؟.
السوق لا تستجيب للانخفاض
وفي هذا السياق، قال متى بشاي، رئيس لجنة التجارة بشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، إنه من الصعب أن ينعكس التراجع الكبير في سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية، خلال تعاملات هذا الأسبوع، مقارنة بمستواه في الأسبوع الماضي، خاصة في ظل قصر مدة هذا الانخفاض حتى الآن، لافتا إلى أننا في حاجة لفترة أطول وانتظار وضوح الرؤية فيما يتعلق بتوفير الدولار ومستقبل سعر الصرف، كما أن هذا التراجع قد ينعكس في حالة استمراره في الأيام المقبلة على استقرار أسعار السلع وتحجيم أي زيادة أخرى كانت يمكن أن تحدث.
وأضاف «بشاي»، أن السوق المصرية لا تستجيب للانخفاض بقدر ما تستجيب للارتفاع، فهي سوق حساسة من ناحية الارتفاع، كما أن ارتفاع الأسعار الحالي هو ارتفاع توقعي، حيث يتوقعون سعر الدولار المستقبلي ومن ثم يحددون الأسعار وفقا لهذا التوقع، مشيرا إلى أن الصعوبة الأكبر في التراجع تكمن في أسعار الخدمات، مثل مصروفات الكشف في العيادات وغيرها من الخدمات، وهي من الصعب انخفاضها بعدما تم رفعها من قبل مقدمي هذه الخدمات.
وأكد أن السلع الأساسية معظمها يتم استيرادها بسعر الدولار الرسمي في البنوك، وبالتالي فإنها لن تتأثر بسعر الدولار في السوق السوداء، مضيفا أن الارتفاعات الحالية في أسعار بعض السلع الأساسية ترجع للممارسات الاحتكارية الضارة ولا تستند إلى أساس حقيقي.
وأشار إلى أن السوق الموازية للدولار تشهد تقلبات ترتبط بعمليات المضاربة، وتتأثر بالشائعات وممارسات المضاربين، وهذه الشائعات كانت السبب في ارتفاعه خلال الفترة الماضية ووصوله لأرقام أكبر بكثير من سعره الحقيقي، مؤكدا على استمرار نزيف الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية، خلال الفترة المقبلة نتيجة ممارسات ضارة لا تستند إلى بيانات اقتصادية حقيقية.
واستكمل رئيس لجنة التجارة بشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، أنه لكي نتعامل مع السعر الحقيقي للدولار يجب أن ننتظر إلى حين يتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، خلال الفترة المقبلة، ووضوح الأفق والرؤية الاقتصادية بصورة تدفع نحو وصول سعر الدولار الحقيقي إلى السوق، وليس سعر المضاربين.
التجار مستعدون لركود السلعة
ومن جانبها، قالت الدكتورة عالية المهدي، عميد سابق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إن الأسعار لا تنخفض في السوق المحلية، حتى وإن توفرت كل العوامل المؤهلة لذلك، نتيجة غياب ثقافة تخفيض الأسعار في السوق حال تراجع التكلفة بعكس الأسواق الأوروبية التي تتسم بالمرونة وفقًا لتكلفة التسعير الحقيقية، كما أن التجار الذين اشتروا بالأسعار السابقة صعب للغاية أن يقوموا بالبيع بأسعار مخفضة بعد هبوط الدولار.
وأضافت «المهدي»، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»: «على سبيل المثال السلع التي وصل سعرها إلى مستوى 20 جنيهًا وقتما ارتفع سعر الدولار فوق مستوى 18 جنيهًا، لن ينخفض سعرها بعدما تراجعت قيمة الدولار إلى مستوى أقل من 16 جنيهًا، بالعكس قد يرتفع سعرها حتى دون مبررات أو دوافع».
وأكدت عميد سابق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن التجار في مصر مستعدون لركود السلعة ولكن يرفضون تخفيض سعرها إلا إذا هدده شبح الإفلاس، كما يعتمد البعض على سياسة الفهلوة وليست آليات علمية ومدروسة، وهو ما يتجلى بموضوع فترات الأوكازيون، إذ يتم رفع سعر المنتج بشدة قبيل الأوكازيون بشهر، ثم يعود لسعره الحقيقى عند بدء الأوكازيون.
ضبط الأسواق
ومن جهته، قال السيد خضر الخبير الاقتصادى ومدرس الاقتصاد بمعهد الجزيرة العالى بالمقطم، إن الاتجاه إلى رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي يعد أحد الأدوات التي يمكن استخدامها لمحاصرة هبوط قيمة العملة المحلية وتقليل التضخم عند رفع أسعار الفائدة، يزيد تكلفة الاقتراض للبنوك والمستهلكين، وبالتالي يتراجع الإنفاق ويتحسن العرض والطلب على العملة المحلية.
وأشار «خضر»، إلى أنه بالنظر إلى قرار البنك المركزي برفع الفائدة 2%، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الجنيه المصري في محاولة للحفاظ على قيمته في ظل الانهيار التام في السوق السوداء، مضيفا أن دخول استثمارات تتجاوز 22 مليار دولار إلى الداخل وكذلك 10 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي إلى الاستثمار في مصر، وكذلك 7 مليارات من قرض صندوق النقد الدولي سيكون أحد الأسباب في انهيار أسعار الدولار.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أنه بالرغم من انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء ما زالت الأسعار في الارتفاع ولم تتجه إلى الانخفاض مرة أخرى؛ لأن السوق المصرية لا تستجيب للانخفاض بقدر ما تستجيب للارتفاع بسبب محتكري السلع، وقلة الرقابة.
وتابع: «نحتاج في تلك المرحلة إلى ضبط الأسواق والأسعار من قبل الحكومة والجهات المعنية بفرض عملية رقابة صارمة للحفاظ على استقرار الأسواق وضبط الأسعار في الاقتصاد، حيث تهدف هذه الجهود إلى توجيه العرض والطلب والمحافظة على استقرار الأسعار ومنع التضخم الزائد أو التراجع الحاد في الأسعار، مثل التدخل في تحديد أسعار بعض المنتجات الأساسية أو تقديم دعم مالي للشركات والقطاعات المعرضة للمخاطر، والتحكم في الصادرات والواردات ويمكن أن تستخدم الحكومة سياسات الاستيراد والتصدير للتحكم في توازن المعروض والطلب على المنتجات وتأثيرها على الأسعار المحلية، وإقرار قوانين ولوائح لحماية المستهلكين ومنع الاحتكار والتلاعب في الأسواق».
وختم السيد خضر حديثه لـ«النبأ»، قائلًا: «من ناحية أخرى، يجب أن تحدد الأرضيات السعرية حدا أدنى لسعر السلع أو الخدمات لحماية المنتجين من الانخفاض المفرط في الأسعار، وتعزيز المنافسة في السوق حيث يساعد ذلك على إبقاء الأسعار تحت السيطرة ويعزز الابتكار والكفاءة، وتطبق الحكومة قوانين مكافحة الاحتكار لمنع الممارسات الاحتكارية وتشجيع المنافسة العادلة».
مصير الأسعار
من جانبه، قال محمود قاسم عضو مجلس النواب، إن مصير الأسعار سيستمر في الارتفاع حتى بعد انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء إذا لم تلتزم الحكومة في ضبط الأسواق، ووضع أسعار استرشادية لجميع السلع وبدون أي استثناءات، ووضع هامش ربح مناسب للتجار، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والضرب بيد من حديد ضد كل من يحاول رفع الأسعار دون أي مبرر.
وأضاف «قاسم»، أن الوضع كارثي خاصة في الفترة الأخيرة بعد ارتفاع سعر الدولار المستمر في السوق السوداء خلال شهر يناير الماضي؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل مخيف، لذلك يتطلب وقفة حاسمة من الحكومة في الفترة الحالية؛ لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت حديث كل المصريين.
وتابع عضو مجلس النواب، أنه من أبرز المنتجات التي تشهد ارتفاعات كبيرة في السوق «السكر والزيت والأرز واللحوم والدواجن»، حيث تشهد ارتفاعات لحظية حسب الرصد الميداني الأمر الذي آثار استغراب الكثيرين.