الدكتور محمد حمزة يكتب: حكاية الرجل الأوحد في الآثار المصرية
هل مازال العالم في عصر الكوننة والشملنة والعولمة والعصرنة واقتصاد المعرفة أسيرا لنظرية الهيرو والبطل الأوحد والسفياني والمنصور والمهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما؟
وهذا السؤال لايقتصر على مجال واحد وإنما يمتد فيشمل جميع المجالات في هذه الحياة سياسيا ودينيا واجتماعيا واقتصاديا ورياضيا وفنيا وثقافيا وأثريا وعلميا؛ ومن ثم فإن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى عدة مجلدات من واقع استعراض التاريخ العالمي والتجربة التاريخية الإنسانية، سواء على مستوى العالم أو على مستوى العصور المختلفة للشعوب.
والاقطار وهو مانتمنى أن نفرد له العديد من البحوث والدراسات إن شاء الله.
غير أن ما يعنينا هنا وفي هذا المقام بالذات هو ما يتعلق بعلم الآثار فإنه على الرغم من وجود عدد كبير من العلماء والباحثين في كليات واقسام الآثار والإرشاد السياحي بالجامعات المصرية، إلا أن المعروف منهم على مستوى الميديا والإعلام لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ نظرا لوجود أولا الحارس الأوحد والرجل الأبرز والمرجعية العالمية الذي يشار إليه بالبنان، وغير ذلك من الأوصاف والألقاب التي يخلعها عليه رجال الإعلام وآخرها حارس الجبانات المصرية وصاحب القول الفصل ( ومش عارف إزاي وفي علم يغلب عليه منهج أيظن أن مافيش حقيقة مطلقة) وكأن نساء مصر قد عقمت عن أن يلدن علماء أفذاذا غيره؛ ومن ثم نراه مقررا في كل البرامج والمحافل والنوادي والجامعات؛ ومستشارا لكل القضايا الأثرية؛ ورئيسا لكل اللجان الحاسمة وعضوا في لجان أخرى؛ ومرشدا للنخبة والايليت والخاصة؛ والخلاصة هو المرجعية التي لامرجعية بعدها فهل يعقل هذا ومصر مليئة بالكفاءات والمهارات الأثرية ولكن لا أحد يعرف عنها شئ أو يلتفت إليها ؛ وانا واثق تمام الثقة إنه لو تمت مناظرة علمية موضوعية وحيادية وبدون مجاملات أو خجل أو احراج لرجحت كفة هؤلاء العلماء وأولئك الباحثين؛ وثانيا نظرا لوجود غير المتخصصين من الأطباء والمحامين والمهندسين والمفكرين والهواة وغيرهم الذين تتهافت عليهم وتتكالب وسائل الإعلام المختلفة حتى أصبحوا يمثلون ظاهرة وجوها مكررة ؛ مع أن الكثير من مَعلوماتهم مكررة وسطحية ومنقولة ومليئة بالأخطاء بل وتشكك في الثوابت وتهدم الرموز وتثير الشبهات وكأنها تعبر عن اتجاه معين وغرض معين مقصود لذاته وموجه بل ومبرمج.
والمهم أنه عندما تحدث مشكلة أثرية أو قضية أثرية وتراثية معينة خلال السنوات الأخيرة (عهد الوزير السابق والأمين الحالي) ومنها على سبيل المثال قضية شطب وهدم الآثار، وقضية المقابر التراثية بمحور صلاح سالم (الفردوس والإمام الشافعي) وقضية تقليص مساحة حرم هرم ميدوم _بني سويف؛ وكذلك قضية بناء مسرح مكشوف على حرم سور مجري العيون بمصر القديمة؛ ومشكلة مشهد ال طباطبا بعين الصيرة؛ ومشكلة الممشى السياحي بالمتحف المصري الكبير والهرم؛ وأخيرا قضية مشروع القرن وهدية مصر للعالم نرى أولا وثانيا يسكتون ويصمتون ولا يعلقون؛ وعندما يتحدثون يمسكون العصى من النصف ومنهم من لا ينطق على الإطلاق كما هو الحال عندما اطلق السيد الأمين العام مشروع القرن وهدية مصر للعالم في يوم25يناير 2024م فلم نجد لاي منهم صوتا أو ردا الابعد مرور خمسة أيام وتحديدا في يوم30 يناير عندما قامت الدنيا ولم تقعد وبدأت وسائل الإعلام المصرية والعربية والعالمية؛ فضلا عن الصحافة ووكالات الأنباء تركز على الموضوع وتنبه إلى خطورته على اقدم وأهم منطقة أثرية على مستوى العالم؛ وهي منطقة هضبة الاهرام؛ والتي ماتزال تحتفظ بالاعجوبة الوحيدة من عجائب الدنيا السبع القديمة وهي هرم خوفو جد منكاوورع الذي أثار هرمه الأصغر هذه المشكلة وتلك القضية.
فرغم أن الكل ادان السيد الأمين العام ؛ إلا أن د زاهى حواس فى المصري اليوم وفي التليفزيون لم يستطع أو يجرؤ (رغم محاولات المذيع المتكررة) ان يوجه إليه اي إدانة أو خطأ وإكتفي بالقول إنه تسرع؛ ولم يقف عند ذلك الحد بل غير الدفة ليبعد عنه الإدانة وأصابع الاتهام فأشار إلى أن من آثار الأزمة وكان وراءها هي السيدة عبده مشتاقة للوزارة من خلال تغريدة لها؛ وظل يردد هذا الكلام حتى بعد أن قدمت اللجنة تقريرها للسيد الوزير يوم 15فبراير 2024م وذلك في مداخلته على قناة On مع الإعلامي خالد أبو بكر وفي لقائه وحواره مع الاعلامي شريف عامر على Mbc مصر.
وبعد أن قام الوزير بتشكيل لجنة تحت رئاسته لم تعلق اللجنة على ما فعله الأمين العام، ولم توجه إليه أي لوم أو إدانة رغم أن هناك قرار للجنة الدائمة للآثار المصرية بالموافقة على المشروع المشترك بين المجلس الأعلى والبعثة اليابانية وهو الترميم المعماري لهرم منكاورع أي أن ما فعله الأمين العام يوم 25 يناير كان بعد موافقة اللجنة الدائمة اللي هو رئيسها على المشروع فكيف لا توجه اللجنة ورئيسها اي إدانة أو اهمال أو خطأ ولا سيما بعد حصولهم على قرار اللجنة الدائمة المشار إليه؛ وكذلك رفضت اللجنة الجزء الأول من المشروع وهو المتعلق بتكسية الهرم بالاحجار الجرانيتية ووافقت على الجزء الثاني وهو استكمال الحفائر بعد تقديم خطة علمية شاملة تعرض على اللجنة؛ وبعد تقديم قرار اللجنة إلى السيد الوزير تلقفت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء رئيس اللجنة د زاهى حواس للحديث عن الموضوع وكانت اجابته في كل أن وحين آن الأمين العام تسرع في الاعلان وان التقرير الذي سلمه للجنة كان ناقصا وأضاف ان الرجل معملش حاجة وهواثري ممتاذ ومعه دكتوراة( علما إنه حصل عليها عام 2014م من جامعة سوهاج) ومش لازم نذبحة فهل هذه أمانة علمية وموضوعية وكلمة الحق التي يجب ان يتحلى بها الرجل الابرز وصاحب القول الفصل كما وصفة الاعلاميون
في مثل هذه القضية التي خرجت من نطاق المحلية إلى العالمية؛ واعتقد كما اعتقد آخرون إنه لم يرد ان يتهم تلميذه وصديقه ويحمله اي خطأ حتى يبقى في مكانه أو على الاقل تتم ترقيته إلى منصب أعلى حتى ولوكان شرفيا حتى لايفتح باب التحقيق في الكثير من ملفات المجلس الأعلى قبل ملف مشروع القرن؛ وبالتالي على د زاهى أن يبعد رسميا عن المشهد حاليا ويترك المجال لغيره وهم كثر.
وبعد؛؛
فإنه يجب اولا أن تكون هناك وقفة جادة ضد كل من يهمل أو يخطئ أو يقصر أو يفسد أو يرتشي أو يسئ استعمال سلطته أو يغلب مصلحته الخاصة على العامة من خلال الشو والتريند والفرقعة الاعلامية وماشابه ذلك؛ حتى ولو كان المدافع الأول والوحيد هو الهيرو أو الرجل الابرز في مجاله؛ ويجب ثانيا إنتقاء المعايير في اختيار القيادات الكفء ذات الخبرة والمهارة في شتي الوزارات والمؤسسات والهيئات والجامعات وغيرها ومش عايزين دائما تطبيق قاعدة شالو الدو وجابو شاهين و
المهيمن على الاثنين واحد.
وبالتالي ستظل ريما تمارس عادتها القديمة؛ اي لا امل ولا إصلاح ولا رؤية ولا تقدم ولا تطوير؛ وخلينا محلك سر.
وختاما فإن نظرية أو اسطورة الهيرو والرجل الابرز والعالم الأوحد الجهبذ لا بد أن تسقط؛ لأنها لم تعد صالحة ونافعة في زمننا هذا ؛ لانه_ اي زمننا_ يحتاج إلى الجميع والي المجموع وليس الفرد ولكن وفق أسس ومعايير دقيقة صارمة تعتمد على التخصص والكفاءة والمهارة وتغليب المصلحة العامة على الخاصة؛ فضلا عن الرؤية والتخطيط والادارة الحديثة والمراقبة والمتابعة؛ وان يزداد المكان بالشخص ولا يزداد هو بالمكان والقابه؛ دون انجاز اوبصمة تحسب له.
وعلى وسائل الإعلام الا تركز على أصحاب الوجوه المكررة من غير المتخصصين وكفانا ماحدث؛و غالبيتهم محتاجين إنتقاء أيضا وثقافة رفيعة.
وبعد فإن كل من ادي دوره وواجبه في اي منصب قيادي
في الوزارة أو الجامعة أو غير ذلك؛ لايستطيع ان يحكم علي
نفسه ايجابا وسلبا؛ ولكن من سيحكم عليه هو التاريخ بوثائقه ومستنداته وادلته المادية الباقية؛ وبالتالي فعلي هؤلاء الا يتدخلوا في مصير الاجيال القادمة فهم قد أدوا دورهم وكفى ومش لازم يدافعوا ويغطوا ويبرروا أخطاء تلامذتهم واتباعهم على حساب المصلحة العليا؛ ومن ثم يجب عليهم أن يتركوا غيرهم من غير تلامذتهم وأتباعهم يستكملوا المسيرة ويودوا هم الآخرين دورهم وبرضه التاريخ هيحكم عليهم؛ وهكذا دواليك.
وختاما فالتغيير في المجلس الأعلى للاثار بات ضروريا وحيويا بل ومطلبا قويا من الكافة بل من داخل المجلس نفسه( ولو تم فتح باب التحقيق لكشف المستور في حاجات كثيرة)؛ ولكن وفق الأسس والمعايير التي تحدثنا عنها والتي لا تتحقق بصورة جيدة وسليمة إلا من خلال قاعدة بيانات سليمة صحيحة؛ وبدون تدخل من احد حتى ولو كان الرجل الأوحد والابرز أو غيره كل في مجاله. اللهم قد بلغت اللهم فإشهد.
حفظ الله مصر أرضا وشعبا وهوية ودستورا وقانونا وقيادة وجيشا وشرطة وحكومة رشيدة وقوة ناعمة وعلماءا وخبراءاوتاريخا وأثارا وحضارة وثقافة وتراثا إلى أن يشاء الله وحتى يرث الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين.