منى زكي تهرب من "تحت الوصاية" إلى عالم "الست".. هل تنجح في تقديم زاوية جديدة لحياة كوكب الشرق أم كلثوم أم تقع في فخ التكرار؟
في عالم الفن والثقافة، تظل بعض الشخصيات رموزًا خالدة تعبر الأجيال وتحتفظ بمكانتها الراسخة في قلوب الناس مهما طال الزمان، أم كلثوم "كوكب الشرق"، هي واحدة من هذه الشخصيات التي لا تزال تعيش بيننا من خلال إرثها الفني العظيم وهو ما يجعلها محل الاهتمام طوال الوقت.
في مشروع فني طموح يجمع بين الإبداع المصري والدعم السعودي، تأتي الفنانة المصرية منى زكي لتجسد شخصية أم كلثوم في عمل سينمائي جديد يحمل عنوان "الست"، في تعاون فني مصري سعودي ينذر بإضافة جديدة للسينما العربية.
الفيلم يعتبر ثمرة أول تعاون فني بهذا الحجم بين مصر والسعودية، حيث يأتي ضمن سلسلة من المشاريع التي يدعمها صندوق Big Timeالاستثماري، برعاية تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفية، مما يشير إلى الأهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا العمل على مستوى الإنتاج والدعم.
وفي هذا الجزء من التقرير، سنغوص في تفاصيل العمل الفني، مسلطين الضوء على الجهود المبذولة في الإعداد والتحضير لهذا الفيلم الضخم، من كتابة السيناريو عن طريق الروائي أحمد مراد إلى اختيار الأدوار والتحضيرات الفنية من خلال المخرج مروان حامد، وهو ما يجعل "الست" ليس مجرد فيلم يضاف إلى رصيد السينما العربية، بل مشروع يهدف إلى إعادة تقديم شخصية أم كلثوم برؤية معاصرة تعيد كتابة التراث التراث وتضيف إليه.
أحمد مراد، الروائي والسيناريست المصري المعروف، هو من تولى مهمة كتابة السيناريو لهذا العمل الفني، وهو الذي اشتهر بأعماله التي تجمع بين العمق الثقافي والتشويق الروائي، يعتقد أنه رغم تناوله لشخصية تاريخية تم تقديمها في أعمال فنية عدة، سيقدم رؤية مختلفة وجديدة تحتفي بإرث كوكب الشرق بطريقة تليق بمكانتها.
منى زكي، التي تقوم بدور البطولة في هذا العمل، ليست غريبة عن تقديم أدوار معقدة وعميقة، واختيارها لتجسيد شخصية أم كلثوم يأتي كتأكيد على قدرتها الفنية العالية والمرونة في التعبير عن شخصيات متنوعة.
ورغم تألقها الدائم إلا أنها توهجت خلال السنوات الأخيرة في عدة مسلسلات ناجحة مثل "آسيا" و"أفراح القبة" و"لعبة نيوتن" و"تحت الوصاية" التي حققت نجاحًا ساحقًا، ومؤخرًا فيلم "رحلة 404" الذي حقق إيرادات لافتة وحصد إشادات واسعة، وهذا التوهج يعكس حالة النجاح المستمر التي تعيشها منى، مما يجعل من دورها في تجسيد شخصية أم كلثوم محطة مهمة قد تضيف بعدًا جديدًا لمسيرتها الفنية.
وعلى الرغم من ذلك فإن بعض النقاد أثاروا تساؤلات حول اختيار منى زكي لتجسيد شخصية أم كلثوم، معبرين عن قلقهم إذا ما كانت زكي تستطيع التعبير عن عمق وشخصية هذه الأيقونة الغنائية ذات المكانة الأسطورية وقوتها الصوتية الفريدة والتي قد تتطلب تجسيدًا أكثر تخصصًا يشمل تقليدًا أعمق أو نهجًا فنيًا مختلفًا.
على الرغم من موهبة منى زكي الكبيرة ونجاحها في العديد من الأدوار المركبة، إلا أن بعض النقاد والجمهور رأوا أن أدائها في مسلسل "السندريلا" لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب لتجسيد شخصية سعاد حسني، الانتقادات تمحورت حول صعوبة ملء الفراغ الكبير الذي تركته أيقونة السينما المصرية، وتحدي تقديم شخصية معقدة ومحبوبة بالقدر ذاته من السحر والكاريزما، وهو ما يثير المزيد من المخاوف بشأن نجاحها في "الست".
على الجانب الآخر، هناك من أشاد باختيار منى زكي لتجسيد شخصية أم كلثوم، بسبب موهبتها التمثيلية الكبيرة وقدرتها على تقمص الشخصيات المعقدة، بجانب أن خبرتها الطويلة في السينما والتلفزيون تؤهلها لتقديم أداء يليق بشخصية بحجم أم كلثوم، وأن تضفي منى لمسة فنية مميزة قد تعيد تقديم كوكب الشرق برؤية جديدة تجذب الأجيال الجديدة.
الناقدة الفنية ماجدة خير الله، عبر حسابها على موقع "فيسبوك" أشارت إلى التحديات التي قد تواجهها منى زكي في تجسيد شخصية أم كلثوم، معتبرة الدور مغامرة كبيرة، مشيرة إلى الفروق الجلية بين الاثنتين من حيث المظهر والصوت، معبرة عن شكوكها في النجاح الفني للمشروع حتى مع استخدام أقصى درجات الدعاية، كما أشارت إلى اعتقادها بأنه سيتم الاستعانة بصوت آمال ماهر لأداء أغاني أم كلثوم في الفيلم لتكون فرصة للصلح - تقصد مع تركي آل الشيخ- بعد الجدل الكبير طوال الفترة الماضية.
من جانبها انتقدت الروائية الكبيرة سلوى بكر، الجدل القائم حول الاستعداد لتقديم فيلم يجسد السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، والذي من المقرر أن تقدمه الفنانة منى زكي، الأمر الذي تسبب في هجومًا كبيرًا أصاب الوسط الفني خلال الأيام القليلة الماضية، لاعتراض الكثيرين على ذلك الاختيار، مبررين ذلك بعدم وجود تشابه بين شكل وشخصية مني زكي، وأم كلثوم.
وقالت سلوى بكر إنه لا توجد أية أسباب حول كل هذا الكم من الهجوم، خاصة وأن العمل مازال فكرة، ولا يوجد عمل على أرض الواقع حتى يتم انتقاده أو إبداء أسباب بناءة للقبول أو الإشادة.
وأكدت في تصريحات خاصة لـ "النبأ" أن اختيار أبطال العمل ونجاحه وفشله يخص أصحاب العمل، وليس المنتقدين الذين يتعمدون إثارة الجدل دون داعي، مشيرة إلا أنه لا توجد مشكلة أن يطرح عمل يجسد السيرة الذاتية لكوكب الشرق ويفشل، ومن بعدها نقوم بعمل آخر يقدم الشكل الناجح والصحيح لسيرتها، فالتعلم من الأخطاء ليس بمشكلة، ولكن المشكلة هو التمادي في ذلك الخطأ، الأمر الذي يجعل التجربة متاحة أمام الجميع وليس حكرًا على أحد.
وعن اختيار الفنانة منى زكي لتجسيد شخصية الراحلة أم كلثوم، قالت سلوى بكر إن كوكب الشرق كانت مطربة في المقام الأول ولكنها أثبتت جدارتها في التمثيل، فمن الأفضل أن يتم اختيار مطربة وممثلة لتجسيد العمل، لكي يظهر بشكلًا جيد وأكثر مصداقية.
وأشارت إلى أن منى زكي فنانة سينمائية ودرامية من طراز رفيع، وأنا أثق فيما تقدمه، وفي قدرتها على تقمص الشخصيات وإتقانها بشكلًا بارعًا، ولكن هذا لا يعفيها من الانتقاد إذا لم تستطيع تقديم سيرة كوكب الشرق بشكل جيد، فمن حق الجمهور أن يبدى رأيه فيما يشاهد، ولكن بعد أن يطرح العمل، وليس وهو مجرد فكرة.
وأضافت أنها لا تهتم بالرد على منتقدين مجهولين كجمهور الفيس بوك ورواد السوشيال ميديا، لأنها لا تعرف مع من تتحدث وما هي خلفيته الفنية والثقافية حتى يكون قادرا على الهجوم من عدمه.
وتابعت أنها توافق على تقديم السيرة الذاتية لأم كلثوم أكثر من مرة، ولكن يجب أن يتناول كل عمل زاوية مختلفة عن حياتها، فمنهم من يرصد حياة الفتاة الريفية القادمة إلى المدينة والتي تحولت لأيقونة فنية عالمية، ومنهم من يرصد الجانب السياسي في حياتها، وغيرها من الجوانب التي تتيح تقديم سيرة أم كلثوم عشرات المرات دون كلل أو ملل.
وأوضحت شكسبير تم تقديم أعماله عشرات المرات سواء بالدراما أو المسرح دون أن ينتقد أحد ذلك، وهو ما يبرهن أن التكرار مسموح ومعترف به دائمًا، ولكن اختلاف الزوايا وطرق طرح العمل هو الأساس في ذلك التكرار، لأن لكل أحد منظوره ووجهة نظره المختلفة التي تعتبر بصمة تُفرق كل شخص عن الاخر.
التصوير المتوقع أن يبدأ قريبًا سيركز على محاكاة الأجواء التي عاشت فيها أم كلثوم، ليس فقط من خلال الديكورات والأزياء، بل أيضًا من خلال تقنيات التصوير التي ستعيد إحياء ذلك العصر الذهبي، والإخراج سيلعب دورًا كبيرًا في كيفية تقديم القصة للجمهور، حيث من المتوقع أن يجمع بين الأسلوب السينمائي الكلاسيكي واللمسات العصرية التي تجذب المشاهد الحديث.
لا يمكن الحديث عن أم كلثوم دون ذكر الموسيقى التي ستكون أهم العناصر الرئيسية التي يتم التركيز عليها بعناية فائقة، لضمان أن يعكس الروح والجوهر الأصيل لأغاني أم كلثوم، ستكون الموسيقى التصويرية وإعادة تقديم الأغاني الكلاسيكية جزءًا لا يتجزأ من السرد القصصي للفيلم، مما يضمن تجربة غامرة للمشاهدين.
ومع الدعم الكبير الذي يحظى به الفيلم من صندوق Big Time وتركي آل الشيخ، هناك توقعات عالية بأن يحدث "الست" تأثيرًا ملموسًا في صناعة السينما العربية، وأن يقدم قصة أم كلثوم بطريقة لم يسبق لها مثيل.
و "الست" يعد أكثر من مجرد عمل سينمائي؛ إنه استكشاف ثقافي يهدف إلى إحياء تراث أم كلثوم وإعادة تقديمه للأجيال الجديدة، من خلال تجسيد منى زكي لهذه الشخصية، يتم تقديم فرصة فريدة للجمهور للتواصل مع جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية العربية، مما يجعل الفيلم مهمًا ليس فقط كعمل فني بل كحامل للذاكرة الثقافية.
والتعاون الفني بين مصر والسعودية في إنتاج هذا الفيلم يمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين وفي المنطقة العربية بشكل عام، ويظهر هذا العمل كيف يمكن للفن أن يكون جسرًا للتواصل والتفاهم المشترك، مما يعزز العلاقات الثقافية والفنية عبر الحدود، ومن المتوقع أن يكون للفيلم تأثير كبير على صناعة السينما في المنطقة، ليس فقط من خلال جودة الإنتاج ولكن أيضًا من خلال تقديم نموذج لكيفية التعامل مع الشخصيات التاريخية والثقافية بحساسية وإبداع وليس مجرد إضافة جديدة إلى سجل الأعمال السينمائية التي تناولت حياة أم كلثوم، بل هو محاولة جادة لاستكشاف وتقديم هذه الشخصية الأيقونية بطريقة تلامس القلوب وتثري الوعي الثقافي.
قالت جيهان الدسوقي، حفيدة شقيقة أم كلثوم إنه حتى الآن لم يعرض على عائلة الراحلة تفاصيل العمل الفني الذي تم الإعلان عنهزويرصد الحياة الفنية للسيدة الراحلة.
وأضافت أن صناع العمل دائما ما يلقون الضوء على نقاط معينة في حياة الراحلة منذ طفولتها وانتقالها من القرية إلى المدينة ودورها في المجهود الحربي ومراحل معينة في حياتها، مؤكدة أنهم لا يلتفتون إلى شيء آخر في حياة الراحلة.
وأوضحت أن أم كلثوم توفيت عام 1975، وهي من مواليد 1898 إذا فهناك عشرات الأعمال التي يمكن أن ترصد تاريخ أم كلثوم، ولكن يجب إخبارنا كأسرة الراحلة لأننا لدينا العديد من التفاصيل عن حياتها الفنية.
وتمنت حفيدة أم كلثوم خروج العمل للنور بصورة تليق بقيمة وتاريخ كوكب الشرق أم كلثوم، وأنا أثق في أن تركي آل الشيخ، سيحرص على تقديم عمل فني ثري، وسيكون بمثابة توثيق لأحداث عاشتها أم كلثوم.
وأتصور أن ترشيح منى زكي نال إعجاب العديد من صناع الفن، فهي فنانة لديها أدواتها، وتمتلك رصيدا كبيرا، وتستطيع التعامل مع أي دور بسهولة ويسر، وأتمنى لها التوفيق من كل قلبي.
وعن الانتقادات التي وجهت للنجمة منى زكي، بسبب الإعلان عن تجسيدها لحياة أم كلثوم، قالت جيهان: هل كان يتوقع أحد أن الفنانة صابرين ستنجح في تجسيد شخصية أم كلثوم في المسلسل التليفزيوني الذي عُرض عام 1999 وحقق نجاحًا كبيرًا، لافتة إلى أن: " الهولوجرام الذي يجسد أم كلثوم وسافرنا معه العديد من الدول استعان بالفنانة صابرين لتجسد حركات أم كلثوم مرة أخرى واستعانوا بتعبيرات وجهها لوضعه على جسد أم كلثوم لإتقانها الشخصية.. ومنى زكي فنانة كبيرة ونحن نحبها جدا وإن شاء الله سوف تبدع في هذا العمل".
وأخيرًا وعلى مر العصور تعددت الأعمال الفنية التي سعت لاستكشاف حياة ومسيرة أم كلثوم، ومن بين هذه الأعمال، يبرز الوثائقي "أم كلثوم.. صوت يشبه مصر" الذي استعان بصوت عمر الشريف لرواية قصة حياتها، مقدمًا لمحات عن بداياتها الفنية وتأثيرها الثقافي، كما قدمت شيرين نيشات فيلم "البحث عن أم كلثوم"، محاولةً إلقاء نظرة معاصرة على حياة الفنانة، وإن كان الفيلم قد واجه تحديات في تقديم صورة شاملة تليق بعظمة شخصيتها، أيضًا المسلسل المصري "أم كلثوم" ببطولة صابرين، تناول بتفصيل أكبر مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية، وحظي بتقدير كبير لجهوده في تقديم سيرة ذاتية متكاملة لكوكب الشرق، هذه الأعمال وغيرها تعكس الإعجاب والاحترام العميقين لأم كلثوم، ولكنها أيضًا تسلط الضوء على التحديات الفنية في تجسيد حياة شخصية بهذا القدر من التأثير والعمق، فهل يقدم فيلم "الست" رؤية أقوى ويترك أثرًا أكبر.. هذا ما ستجيب عنه الأيام وما سيحكم عليه الجهور.