«التعويم» ورفع سعر الفائدة يزيد الطلب على الجنيه الرقمي
تسعى الدولة في الفترة القادمة، إلى إطلاق تحويل التعاملات التقليدية بالعملات الرقمية، وفقًا لخطة عالمية تسير على خطاها منذ سنوات، وكانت من أهم الخطوات المتبعة إعلان البنك المركزي في بيان أصدره عقب اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية رفع سعر الفائدة 6% دفعة واحدة على الإيداع والإقراض، وارتفع سعر الفائدة لدى المركزي بعد الزيادة إلى 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، كما قرر السماح لسعر صرف الجنيه أن يتحدد وفق آليات السوق يأتي ذلك لتحقيق الدور المنوط به لحماية متطلبات التنمية المستدامة لـ2030.
وأكد البنك التزامه بالحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط، والتحول نحو إطار مرن لاستهداف التضخم، وذلك من خلال الاستمرار في استهداف التضخم كمرتكز اسمي للسياسة النقدية مع السماح لسعر الصرف أن يتحدد وفقا آليات السوق.
وشدد البنك على أن توحيد سعر الصرف إجراء بالغ الأهمية، حيث يساهم في القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي، في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمي والموازي.
ويعمل تحويل التعاملات الورقية إلى رقمية على تقليل العملات الورقية، وللقضاء على السوق السوداء والتضخم، وتحقيـق الاستقرار السعري وله فوائد عديدة ترتكز الدولة على إبرازها في الآونة الأخيرة.
تحقيـق الاستقرار السعري
في السياق، قال الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن إطلاق الجنيه الرقمي يأتي لتعزيز القدرة التنافسية للعملة الوطنية، وتحسين كفاءة وفعالية السياسة النقدية، بحيث تتوافق هذه الخطوة الاستراتيجية مع التزام مصر بالاستفادة من فرص التحول الرقمي لدفع قطاعها المالي إلى الأمام.
وأضاف «السيد»، أن البنك المركزي يستهدف من تلك الخطوة دعـم تنافسـية العملـة الوطنيـة وزيـادة كفـاءة السياسة النقدية، وتحقيـق الاستقرار السعري في إطار سياسة اسـتهداف التضخم وخفـض معدلاته إلى ما يزيد عـن 5% بحلول عام 2030، مؤكدا أنه في اتجاه لهذه الخطوة وذلك بإعلانه رفع سعر الفائدة لـ 6% للحفاظ على استقرار الأسعار والقضاء على السوق السوداء.
وأكد أن الحكومة تستمر في التركيز على زيادة مستويات كفاءة الإطار التشغيلي للسياسة النقدية، وتبنـي سياسـة مرنـة لسـعر الصـرف لتعزيـز مرونـة الاقتصاد فـي مواجهـة الصدمـات لتعزيـز مرونــة الصــادرات، والإبقاء على مســتويات منخفضــة لعجــز ميــزان المعاملات الجاريــة إلــى الناتــج المحلـي الإجمالي لا تتجــاوز 2%، لافتا إلى أن هذا يهدف إلى مواصلـة تطويـر القطـاع المالـي واستغلال الفـرص التـي يتيحهـا التحـول الرقمـي لرفـع نسـبة الشـمول.
وتابع«مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية»، أن الجنيه الرقمي يعتبر النسخة الرقمية من الجنيه الورقي، ويتم التعامل به على منظومة الدفع الإلكتروني، مشيرا إلى أن الجنيه الرقمي أحد أهداف الدولة الأساسية في الفترة القادمة، لتقليل استخدام المعاملات النقدية الورقية.
القضاء على السوق السوداء
ومن جانبه، قال السيد خضر الخبير الاقتصادي ومدير مركز الغد للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، إنه في حالة اتجاه الدولة نحو الجنيه الرقمي، سيكون هناك عدة فوائد محتملة ستعود على الدولة، ومنها زيادة الكفاءة المالية، وتقليل التكاليف المرتبطة بإصدار وإدارة العملة الورقية، وتسهيل العمليات المالية، حيث إنها تتيح عمليات مالية أسرع وأكثر سهولة وأمانا، بالإضافة إلى مكافحة الاحتيال والتهرب الضريبي، وتعزيز الشمول المالي من خلال توفر فرصة للأفراد الذين ليس لديهم حسابات بنكية للمشاركة في النظام المالي والاستفادة من الخدمات المالية.
وأكد «خضر»، أن استخدام الجنيه الرقمي سيفتح الباب أمام فرص جديدة للابتكار المالي وتطوير الخدمات المالية الرقمية، مثل الدفع عبر الهواتف المحمولة وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتعزيز التعاملات الحدودية، وتجاوز القيود المرتبطة بالعملات التقليدية ويعتمد ذلك على السياسات والإجراءات التي ستتبعها الدولة في تنفيذ هذا القرار، لافتا إلى أن الجنيه الرقمي سيكون محل النقد الورقي بشكل جزئي أو كلي.
وتابع أن بدء تطبيق الجنيه الرقمي ودوره في القضاء على السوق السوداء يعتمد على القرارات والخطط التنفيذية التي يتبعها البنك المركزي والحكومة، ويأتي ذلك تماشيا مع رفع سعر الفائدة وفقا لقرار البنك المركزي لـ 6 %، مضيفا أن تحول النظام المالي إلى العملة الرقمية يتطلب وقتا وجهودا للتخطيط والتنفيذ.
وأشار «خضر»، إلى أن هناك بعض التحديات والمخاطر المحتملة ترتبط بتبني الجنيه الرقمي ومنها أمن البيانات، حيث يتطلب استخدام العملات الرقمية حماية قوية للبيانات المالية والشخصية للأفراد، كما يمكن أن يتعرض النظام للاختراقات الإلكترونية وسرقة الأموال، والاستقرار المالي، حيث يواجه الجنيه الرقمي تحديات في الحفاظ على استقرار قيمته، لأنه سيتأثر قيمته بتقلبات الأسواق المالية وتغيرات الطلب والعرض، بالإضافة إلى التمويل الإرهابي من حيث منع استخدامه في عمليات تبييض الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية، وذلك يتطلب تطبيق آليات مراقبة صارمة للمعاملات، والتبديل الكامل، حيث يعتبر إجراء تبديل العملة الورقية بالعملة الرقمية تحولًا كبيرا، كما أن الجمهور سيواجه تحديات في تبنيه والتعامل معه، إضافة إلى الأمان التكنولوجي، فعند حدوث عطل في النظام أو انقطاع في الخدمة سيؤثر في القدرة على القيام بالمعاملات والوصول إلى الأموال.
وتابع أن رفع الفائدة لـ 6% يمكن أن يؤثر على الاتجاه إلى استخدام العملات الرقمية بعدة طرق منها جاذبية الاستثمار في العملات التقليدية مثل الدولار أو اليورو، وتقليل الاهتمام بالعملات الرقمية، حيث يتجه المستثمرون إلى البحث عن عوائد أعلى في الأصول التقليدية،إضافة إلى أن رفع الفائدة يزيد تكلفة الاقتراض، وهذا قد يؤثر على الشركات والأفراد الذين يعتمدون على الاقتراض للاستثمار في العملات الرقمية.
وأكد «الخبير الاقتصادي»، أنه إذا زادت تكلفة الاقتراض، فقد يكون من الأكثر جدوى لهم تأجيل أو تقليل استثماراتهم في العملات الرقمية، كما أن الطلب على العملات الرقمية كملاذ آمن في ظل اضطرابات في الأسواق المالية التقليدية إذا رفعت الفائدة وتسببت في تقليل الاستقرار في الأسواق المالية التقليدية، فقد يزيد الطلب على العملات الرقمية كوسيلة لحماية الثروة وتفادي التقلبات،ويؤثر رفع الفائدة على تكاليف التعدين إذا زادت تكاليف التعدين وتحسنت العوائد على الاستثمار في الأصول التقليدية، فقد يقلل ذلك من جاذبية التعدين ويؤدي إلى تراجع في الاتجاه نحو استخدام العملات الرقمية.
إصدار الجنيه الرقمي
ومن جهته، قال سيد على أحمد مدير ائتمان بإحدى فروع البنك المركزي، إن البنك المركزي يبحث إصدار الجنيه الرقمي بدعم من جهات دولية، بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وذلك لسعيه لتعزيز التحول إلى الاقتصاد الرقمي وتوسيع نطاق المدفوعات الإلكترونية الفورية بين الأفراد والشركات دون الحاجة للوساطة.
وأضاف «سيد»، أنه سينضم بذلك إلى أكثر من 100 عملة رقمية صادرة عن بنوك مركزية تمر بمرحلة البحث أو التطوير، واثنتان صدرتا بشكل كامل، وهما «eNaira» في نيجيريا، التي أُصدرت في أكتوبر 2021، و«ساند دولار» في جزر البهاما، الذي ظهر لأول مرة في أكتوبر 2020.
وتابع، أن إصدار العملة الرقمية في مصر يأتي ضمن مساعي البلاد لزيادة الشمول المالي وتوسيع نطاق المدفوعات الإلكترونية ولمواكبة التحول العالمي، لافتا إلى أن الدولة أطلقت شبكة المدفوعات اللحظية في مارس 2022، وهي منظومة وطنية تربط كافة البنوك العاملة داخل البلاد ببنية تحتية رقمية، بحيث يربط تطبيق على الهاتف يسمى «إنستا باي» الحسابات لدى البنوك المختلفة، ويتيح التحويل اللحظي بينها.
وأكد «مدير الائتمان»، أن رفع سعر الفائدة سيعمل على الحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط، والتحول نحو إطار مرن لاستهداف التضخم.