روشتة إسلامية من 7 بنود لمواجهة غلاء الأسعار
روشتة إسلامية من 7 بنود لمواجهة غلاء الأسعار
الإسلام نهى عن الاحتكار وتربص التجار بالمواطنين فى أوقات الغلاء
دراسة إسلامية تحذر من حب الترف: سبب رئيسى فى فساد الأمم وسقوطها
حث المسلمين على التزام الشرع وعدم البذخ في الأفراح والإفراط فى سرادقات العزاء
مقاومة الاستغلال والابتعاد عن الإسراف أبرز نصائح القرآن والسنة للتعامل مع موجات الغلاء
عبير بدوي
يعاني المصريون من ارتفاع الأسعار خاصة أسعار السلع الغذائية، ووصل بهم الأمر إلى حد الشعور بالاكتئاب والضجر، لا سيما أن غالبية أصحاب الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل والفقيرة أصبحوا يعيشون معاناة كبيرة في سبيل توفير أبسط متطلبات الحياة وهي الأكل والشرب.
ولم تكن أزمة غلاء الأسعار بعيدة عن معالجة الدين الإسلامي الحنيف، سواء في القرآن أو السنة النبوية أو سنة الصحابة والسلف الصالح، وتنوعت أساليب ومراحل علاج الإسلام لأزمة الغلاء في أساليبه وخطاباته.
من ذلك وجوب إنظار المعسرين والترغيب في التصدق عليهم، قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}.
وحث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على السماحة في البيع والشراء والاقتضاء، وقال النبي: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"، والحديث في صحيح البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
كما نهى الإسلام عن الاحتكار وتربص أوقات الغلاء، فقد جاء في صحيح مسلم: أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر فهو خاطئ.
وقال النووي: قوله -صلى الله عليه وسلم- (من احتكر فهو خاطئ) وفي رواية (لا يحتكر إلا خاطئ) وقال أهل اللغة الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثم.
وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار، قال أصحابنا الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه.
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إيمان المرء لا يكمل إلا بحبه للمسلمين ما يحبه لنفسه، قائلًا صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، متفق عليه عن أنس رضي الله عنه.
وليس الترغيب في السماحة مقتصرا على البائع والدائن فحسب، بل هو للمدين أيضا، وروى الشيخان عن أبي هريرة: «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهم به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، ثم قال: أعطوه سنا مثل سنه، قالوا: يا رسول الله إنا لا نجد إلا أمثل من سنه، فقال: أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء».
الترف من أسباب الغلاء
وكشفت دراسة بعنوان «غلاء الأسعار وكيف عالجها الإسلام»، للدكتور بدر عبد الحميد هميسة، أن الإسلام عالج غلاء الأسعار بروشتة مكونة من 7 بنود شافية.
وأوضح أن حب الترف والحرص عليه من أهم أسباب هذا الغلاء، ومن هنا فقد حذرنا الإسلام تحذيرًا شديدًا من الترف والحرص عليه لأن الترف سبب لفساد الأمم ومن ثم هزيمتها وسقوطها، بل وأشد من ذلك من الركون إلى الدنيا ورغبتها عن الآخرة.
وورد الترف في القرآن في مورد الذم والاقتران بالكفر والعصيان، قال تعالى: "فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) سورة هود.
وأشارت الدراسة إلى أن غلاء الأسعار له حلول في شريعة الله -عز وجل-، منها:
1- تربية الضمير على التقوى والمراقبة:
الدليل على ذلك قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) "الأعراف 96"، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ) "المائدة 65، 66"، فالتقوى هي سبب لسعة الأرزاق والبركة فيها، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) "الطلاق"
2- كثرة الاستغفار والدعاء:
الدليل: قول الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) "نوح"، قال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن البصري الجدوبة فقال له: استغفر الله وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله/ وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله تعالى يقول في سورة نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) تفسير القرطبي 18/302.
3- التكافل الاجتماعي وأداء الزكاة والصدقات
الزكاة عون للفقراء والمحتاجين، تأخذ بأيديهم لاستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين، وتساعدهم على ظروف المعيشة إن كانوا عاجزين، فتحمي المجتمع من الفقر والدولة من الإرهاق والضعف، وعدم إخراج الزكاة سبب من أسباب البلاء والغلاء، ومن أسباب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع لغياب التكافل فيما بينهم، أما إخراج الزكاة فهو سبب البركة وسبب المحبة والمودة بين أفراد المجتمع، قال صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له" ( صحيح: صحيح الجامع 6497).
4 – التربية على الرضا والقناعة بما قسم الله تعالى
قال صلى الله عليه وسلم: "وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" (حسن: صحيح سنن الترمذي 1876)، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة بن الزبير: «ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار يعني لا يطبخون شيئًا قال عروة: فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء» (رواه البخاري 6459، ومسلم 2973).
ورَوَى جَابِرٌ قَالَ رَأَى عُمَرُ لَحْمًا مُعَلَّقًا فِي يَدِي فَقَالَ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: اشْتَهَيْتُ لَحْمًا فَاشْتَرَيْتُهُ، فَقَالَ أَوَ كُلَّمَا اشْتَهَيْتَ اشْتَرَيْتَ يَا جَابِرُ؟ أَمَا تَخَافُ هَذِهِ الْآيَةَ:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا} ابن مفلح: الآداب الشرعية 3/341.
وقال الخليفة هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد الله بن عمر عند الكعبة: سلني حاجتك، فقال: والله إني لأستحي أن أسأل في بيته غيره، فلما خرج من المسجد قال هشام الآن خرجت من بيت الله فاسألني، فقال: من حوائج الدنيا أم الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا، فقال سالم: ما سألتها ممن يملكها، فكيف أسالها ممن لا يملكها، ( الصفدي: الوافي بالوفيات 15 / 54).
5- التربية على الاعتدال ونبذ الترف والإسراف
ومن الترف المستشري في المجتمع الإكثار من الأطعمة كما ونوعا، وقد ذكر بعض أطباء المسلمين أن الله تعالى جمع الطب في نصف آية وهي قوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) سورة الأعراف.
وقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَالبَسُواْ وَتَصَدَّقُواْ في غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلا مَخِيلَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَالبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ. الألباني في صحيح النسائي (2399).
والسرف المذموم في الأكل والشرب نوعان: التخليط والتنويع في الطعام والإكثار منه والسمنة الناتجة عنهما.
فأما التخليط والتنويع في الطعام فقد ورد ذمه بصيغ شتى، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من أقوام همهم بطونهم وشهواتهم فيكثرون من التنويع في الأطعمة والأشربة فقد روى الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:\"سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ، وَيُلْبِسُونَ أَلْوَانَ اللِّبَاسِ، وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلامِ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي\".صحيح الترغيب والترهيب 2/232.
وقال تعالى: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء 26، 27، فلو أن كل مسلم التزم شرع الله تعالى في أفراحه لتغلب على غلاء الأسعار على الأقل على مستوى أسرته، ولو أن كل مسلم التزم شرع الله تعالى في أحزانه ولم ينفق الأموال الطائلة على إقامة السرادقات واستئجار المقرئين وغير ذلك لتغلب على مشكلة غلاء الأسعار على الأقل على مستوى أسرته.
6- مقاومة الاحتكار والاستغلال
الاحتكار معناه: تخزين السلع والبضائع الخاصة بأقوات الناس حتى تنفد من السوق ويرتفع سعرها، ثم يبيعها بأضعاف أضعاف سعرها الأول، وهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ".
7 ثقافة التعامل مع الغلاء
جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاؤوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. بل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يطرح بين أيدينا نظرية أخرى في مكافحة الغلاء، وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس، قال: غلا علينا الزبيب بمكة، فكتبنا إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.