رئيس التحرير
خالد مهران

إهمال أم ماس كهربائي؟.. نيران صديقة تحرق استديوهات مسلسلات رمضان

حريق استديو الأهرام
حريق استديو الأهرام

شكوك حول وجود شبهة جنائية.. والحكومة تعد بإعادة كل شىء كما كان

 

محمود قاسم: تكرار هذه الحوادث غير طبيعي.. والإهمال وسوء الإدارة هما السبب

 

ألسنة لهب تتصاعد في كل مكان، تُحول شكل السماء الهادئة إلى كتلة دخان سوداء، نيران كثيفة مرتفعة تفرض سيطرتها، فزع وهلع وهرج ومرج، يسيطر على الجميع، الذين يُفسحون الطريق لسيارات الإسعاف والإطفاء.

أشجار متساقطة على الأرض، وأسياخ حديدية متناثرة، وبقايا أقمشة وألواح خشبية محروقة، لوحة حزينة ارتسمت، على مدار الفترة الماضية، في أكثر من استديو، نشبت فيهم الحرائق المتكررة، ليتحول 3 أماكن، في غضون ساعات قليلة، إلى «كوم» تراب، بعدما كانوا مليئين بالفن والإبداع والجمال.

البداية بـ«المزاريطة»

بدأت القصة باشتعال النيران في منزل «الكبير» أحمد مكي، بالمزاريطة، بمنطقة المنصورية بالجيزة، وتحديدًا «الدوار والمزرعة»، وذلك أثناء تصوير عدة مشاهد بالجزء الثامن من مسلسل «الكبير أوي»، والذي يعرض على قناة ON E.

التهم الحريق جزءًا كبيرًا من الديكور المصنوع من الأخشاب، حتى دفعت الأجهزة الأمنية، بـ4 سيارات إطفاء و3 سيارات إسعاف، للسيطرة على الوضع.

وبالفعل، نجحت في إخماد النيران ومنع امتدادها إلى المجاورات، دون وقوع أي خسائر بشرية.

واضطر المخرج أحمد الجندي إلى إيقاف التصوير لمدة أسبوعين، حتى تم تحضير «لوكيشن» داخلي جديد، وهو ما جعل نجوم المسلسل، مستمرين، حتى الآن، في التصوير.

واستغل فريق العمل، هذه المدة، في تصوير بعض المشاهد الخارجية، وهو ما أجبر المؤلفون على إجراء تعديلات في السيناريو، بسبب استبدال مشاهد منزل «الكبير» بغيرها.

استديو الأهرام 

وبعد أيام ليست بكثيرة، تكرر الحادث باستديو الأهرام، الذي يقع بشارع خاتم المرسلين بالعمرانية، إلا أن الوضع، هذه المرة، كان أصعب وأبشع، إذ أضرمت النيران في 3 بلاتوهات كاملة، إحداها الذي يضم ديكور مسلسل «المعلم» للفنان مصطفى شعبان.

طالت النار مخزنًا للأخشاب، وديكورات فوم، وموقع تصوير حارة واحدة، بها «شادر السمك»، الذي يشهد تصوير أغلب مشاهد المسلسل، كما امتد الحريق إلى 6 عقارات سكنية ملاصقة للاستوديو، ما تسبب في تضرر أكثر من 45 شقة، ما بين تفحم كامل محتوياتها أو جزء منها.

الاستديو، الذي تأسس عام 1944، والذي شهد تصوير قائمة عريقة من أبرز وأشهر الأعمال الفنية قديمًا وحديثًا، يبلغ عددها 500 فيلم ومسلسل تقريبًا، عاش كل من حوله ليلة أشبه بالجحيم، بفعل نيران لم يشهدها من قبل، امتدت على مساحة 7 أفدنة.

«40 سيارة إطفاء، و4 خزانات بسعة مختلفة، وشبكة خراطيم مياه على الأرض»، كانت هي أسلحة رجال الحماية المدنية، الذين بذلوا مجهودًا خارقًا للتحكم في الحريق، حتى تمكنوا، بفعل العناية الإلهية، من السيطرة عليه، قبل وصوله إلى مخزن «تنر»، يقع بين بيوت الأهالي، ليمعنوا كارثة حقيقية من الوقوع.

أما عن الخسائر البشرية؛ فـ لم تحدث أي وفيات، لكن تعرض 12 شخصًا للاختناق، جراء الدخان؛ بينهم 3 أفراد من فريق الإطفاء؛ أصيب اثنان من بينهم بكسر في القدم وخلع بالكتف، أثناء سقوط سلم إطفاء، وقت محاولاتهم في السيطرة على الحريق، بجانب خسائر مادية تقدر بالملايين الطائلة.

سبب الحريق، الذي استمر لمدة 6 ساعات متواصلة، غير معروف حتى الآن؛ فـ أهالي المنطقة، الذي بلغ عددهم حوالي 30 أسرة، والذين أصبحوا، بين ليلة وضحاها، بلا مأوى، بعد خسارتهم لمنازلهم، قالوا إن مشهدًا تمثيليًا وراء كل ما حدث، ووصفوه بأنه أشبه بـ«أهوال ليلة القيامة»، إلا أن المخرج مرقس عادل نفى هذه الرواية تمامًا، وأكد أن وقت الحريق كان التصوير انتهى منذ أكثر من ساعة، وأن النجوم غادروا الاستديو قبل حدوث أي شىء.

كارثة بفعل فاعل

المصادر الأمنية، نفسها، انقسمت حول السبب؛ فـ واحد منهم برر الحريق بأنه ماس كهربائي، إلا أن عدة مصادر أخرى، ألمحت إلى أن شكل النيران وحجم الخسائر، لا يمكن أن يكون بسبب مجرد «ماس»، في إشارة خفية إلى أنه «بفعل فاعل»، مضيفين أن المباحث والمعمل الجنائي ما زالوا يحققون.

وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني للحريق، انتقل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، برفقة كل من: الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، ونيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، واللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، واللواء أحمد راشد، محافظ الجيزة، وعدد من المسؤولين، إلى مكان الحادث، وتجولوا فيه، وذلك للوقوف على حجم الضرر، وإعداد مقايسات هندسية تضمن الوقت اللازم، لإصلاح التلفيات.

كما شدد «مدبولي» على تحمل الحكومة، تكلفة إعادة الوضع كما كان، ووجهت «القباج» بصرف إعانات فورية لجميع الأسر المتضررة.

أما عن استكمال تصوير المسلسل، فـ كان يتبقى لـ فريق العمل 4 حلقات فقط، اُستأنف تصويرهم عقب توقف لمدة 3 أيام بعد الحريق، في ديكور مختلف، بحبكة درامية جديدة.

اللعنة تصيب مدينة الإنتاج الإعلامي 

لحقت لعنة الحرائق بديكور الحي الشعبي بمدينة الإنتاج الإعلامي، بأحد المحلات، التي يصور بها عدة مشاهد من مسلسل «جودر» للفنان ياسر جلال، إذ تمت السيطرة عليه، دون وقوع خسائر في الأرواح، واقتصرت الخسارة على بعض ديكورات المسلسل.

وأكد المؤلف أنور عبد المغيث، أن التصوير أوشك على الانتهاء، وأنه سيتم إعادة بناء «اللوكيشن»، الذي نشبت به النيران، مرة أخرى.

من ناحيته، قال الناقد محمود قاسم لـ«النبأ»، إن تكرار حدوث هذه الحرائق بشكل متكرر وفي وقت قصير، أمر غير طبيعي، مشيرًا إلى أنه ربما الإهمال في تأمين الاستديوهات، وسوء الإدارة، هما السبب فيها، وأن ما جرى، يعد جريمة في حق الفن.

وأضاف أن، قديمًا، كان التصوير يتم في فنادق أو غرف ومخازن كبيرة، قبل بناء الاستديوهات، وأن أدوات الأمان كانت بسيطة وبدائية، موضحًا أن التطور الحالي في أنظمة التأمين، من المفترض، أن يمنع وقوع هذه الحوادث بهذه الطريقة.

وأكمل «قاسم» أن استديو الأهرام، مساحته تزيد عن 27 ألف متر، وأنه تأسس منذ 80 عامًا، وأن كل معداته السينمائية مصرية الصنع، واصفه بأنه مبنى تاريخي، وأن خسارته ليست سوى دليلًا على التراخي والتقاعس في تأمين مثل هذه الأماكن.

وكشف أحد خبراء السلامة والصحة المهنية، رفض ذكر اسمه، في تصريح خاص لـ«النبأ»، عن أن اندلاع 3 حرائق في أقل من شهر، يدل على أننا لم نتعلم شيئًا من أخطائنا.

وأضاف أنه يجب أن تكون أنظمة التأمين والحماية في الاستديوهات، على أعلى مستوى، نظرًا لأنها تحتوي على أقمشة وأخشاب، ومواد قابلة للاشتعال سريعًا، منوهًا بأنه يجب أن يكون هناك وسيلة للحفاظ على الأفلام والشرائط السينمائية، بشكل آمن، غير تواجدها في الاستديوهات فقط، للحفاظ عليها، باعتبارها سجل فني حافل.

وأكد أن الاستديوهات لا تهتم بالصيانة الدورية، ولا تفكر في إصلاح أي شىء يتلف إلا بعد وقوع المصيبة.

ووجه «الخبير» عدة نصائح لتفادي حدوث مثل هذه الحرائق، منها: عدم التدخين في الاستديوهات، وتواجد سيارة إطفاء وسيارة إسعاف بشكل ثابت بجانب أو بالقرب من كل استديو، لضمان التدخل السريع في حال حدوث أي كارثة، والاستعانة بأسلاك كهرباء حالتها جيدة، وعدم ترك الكهرباء بعد انتهاء العمل بالمكان.