تعرف علي رآي جمهور الفقهاء في مسألة اعتكاف المرأة
تكثر الأسئة حول اعتكاف المرأة ، خاصة مع العشر الأواخر من رمضان، وعن تفاصيل ما يتعلق بعتكاف المرأة ،
اعتكاف المرأة في البيت
قالت دار الإفتاء في بيان حكم اعتكاف المرأة في البيت أن الاعتكاف لا يكون إلَّا في المسجد؛ لأن العكوف إنما أُضيف إلى المساجدِ لأنها من شرطه، كما سبق بيانه؛ ويُحمل قول مَن أجاز للمرأة الاعتكاف في بيتها على قصد حصول الثواب لها، فيما تطلعتْ إليه نفسها من الطاعة، وليس حصول الاعتكاف بمعناه الشرعي، وهذا كله مع مراعاة ترتيب الأولويات حتى تعمَّ السعادة والطاعة لله تعالى، فقيام المرأة بواجباتها هو امتثالٌ لأمر الله تعالى وطاعته في المقام الأول حتى تنال أجر ذلك كله.
واختلف الفقهاء في اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة ؛ فيرى جمهور الفقهاء أنَّ المرأة كالرَّجُل في اشتراط المسجد لصحة اعتكافها، وذلك على صفة المسجد التي تتحقق بإقامة الصلوات الخمس فيه؛ مع الاتفاق على أفضلية المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة.واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187].
وبما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يعتكفَ، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبيةٌ: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، رضي الله عنهن، فقال: «آلبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟!» ثم انصرف، فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال" متفق عليه.
رآي جمهور الفقهاء في مسألة اعتكاف المرأة
على ذلك تواردت نصوص جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو المختار للفتوى.
قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 535، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا تعتكف المرأة في مسجد بيتها، وقاله ابن حنبل خلافًا (ل "ح" و "ش") محتجين بما في الموطأ: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فلما رآها سأل عنها، فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ!» ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال"، وجوابه: أنه حجة لنا من جهة فعلهن لذلك، فدل على أنه معلوم عندهم، وإنكاره صلى الله عليه وآله وسلم لم يصرح فيه بأنه للمسجد، بل لكونهنَّ قصدنَ القرب منه غيرة عليه، فخشي عليهنَّ ذهاب الأجر، ولأنه شرط للرجال فيكون للنساء] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 480، ط. دار الفكر): [لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد، ولا يصح في مسجد بيت المرأة ولا في مسجد بيت الرجل، وهوالمُعتَزَل المهيَّأ للصلاة، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 190-191، ط. مكتبة القاهرة): [وللمرأة أن تعتكف في كلِّ مسجد... وليس لها الاعتكاف في بيتها... ولنا قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، والمراد به: المواضع التي بنيت للصلاة فيها، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يُبْنَ للصلاة فيه، وإن سُمِّيَ مسجدًا كان مجازًا، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية؛ كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا»، ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد، فأذن لهن، ولو لم يكن موضعًا لاعتكافهن، لَمَا أذن فيه، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لَدَلَّهُنَّ عليه، وَنَبَّهَهُنَّ عليه، ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حقِّ الرجل، فيشترط في حقِّ المرأة؛ كالطواف، وحديث عائشة رضي الله عنها حجة لنا؛ لما ذكرنا، وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال، حيث كثرت أبنيتهن، لما رأى من منافستهن، فكرهه منهن، خشية عليهن من فساد نيتهن، وسوء المقصد به، ولذلك قال: «أَلْبِرّ تُرِدْنَ» منكرًا لذلك، أي: لم تفعلن ذلك تبررًا، ولذلك ترك الاعتكاف؛ لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه، ولو كان للمعنى الذي ذكروه، لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن، ولم يأذن لهن في المسجد] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 352، ط. دار الكتب العلمية): [(وللمرأة... الاعتكاف في كلِّ مسجد) لعموم الآية (إلا مسجد بيتها وهو ما اتخذته لصلاتها) لما تقدم عن ابن عباس؛ ولأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكمًا، ولو جاز لفعلته أمهات المؤمنين ولو مرة تبيينًا للجواز] اهـ.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلَّى" (3/ 431، ط. دار الفكر): [وقد صحَّ أن أزواجَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكفن في المسجد، ولا مخالفَ لهنَّ من الصحابة] اهـ.
بينما يَرَى الحنفية أنَّه لا يشترط المسجد لصحة اعتكاف المرأة، فلها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو: المكان المُعَدُّ لصلاتها الذي يستحب لها اتخاذه.
قال كمال الدين ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 394، ط. دار الفكر): [قوله (أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها) أي: الأفضل ذلك، ولو اعتكفت في الجامع أو في مسجد حَيِّها وهو أفضل من الجامع في حقِّها جاز] اهـ.
وقد نُسب القول بذلك أيضًا إلى الإمام الشافعي في القديم، وأنكر المحققون من أصحابه نسبته إليه.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 265، ط. دار الكتب العلمية): [ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها -وهو المُعتَزَلُ المهيأُ للصلاة- لم يصح على الجديد، ويصح على القديم... قلت: قد أنكر القاضي أبو الطيب وجماعة هذا القديم، وقالوا: لا يجوز في مسجد بيتها قولًا واحدًا، وغلَّطوا مَن قال: قولان] اهـ.