لأسباب سياسية أم اقتصادية؟..
لغز موافقة صندوق النقد على شريحتين رغم عدم التزام مصر بـ 8 شروط
على مدار الـ8 سنوات الماضية، عاني المواطن المصري من الآثار الجانبية لخطة الاصلاح الاقتصادي، بسبب الديون والاقتراض من صندوق النقد الدولي، والتي من المقرر استمرارها على الأقل حتى عام 2027، حسب خبراء في الاقتصاد.
ووافق صندق النقد الدولي، عقب قرار تحرير سعر الصرف بداية مارس الماضي، على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، بدلًا من 3 مليارات نهاية عام 2023.
وكانت مصر تسلمت 820 مليون دولار قيمة الشريحة الأولي من قرض صندوق النقد الدولي شهر مارس الماضي عقب أتمام المراجعتين المؤجلتين من مارس وسبتمبر الماضيين على برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأيضًا الشريحة الثانية بقمية 820 مليون دولار، شهر إبريل المقبل.
ومن المقرر أن ستتسلم 820 مليون دولار قيمة الشريحة الثالثة من القرض مع صندوق النقد الدولي خلال شهر ينيو المقبل بعد استكمال المراجعة الثالثة.
ورغم حصول مصر شريحتين، من صندوق النقد، إلا أن هناك 8 شروط لم تلتزم بها مصر داخل البرنامج، وفقًا لتقرير الخبراء الخاص بأول مراجعتين من برنامج تمويل مصر.
وربط بعض الخبراء، موافقة صندوق النقد على الشرايحتين، بعد عدم الالتزام ببعضها، ما هو إلى أسلوب سياسي بعد موقف مصر من القضية الفلسطينية.
استوفت 7 معايير هيكلية و8 شروط لم تلتزم
وأكد تقرير خبراء الصندق، أن مصر استوفت 7 معايير هيكلية من إجمالي 15 معيار تم وضعها في إطار برنامجها للإصلاح الاقتصادي، من ضمنها نشر وثيقة سياسة ملكية الدولة للشراكة مع القطاع الخاص، وتعديل بعض من قانون المنافسة الذي يحكم عمليات الاندماج والاستحواذ، رغم أنه لم يتم الموافقة بعد على اللائحة التنفيذية للتعديلات من قبل مجلس الوزراء، وتوسيع نطاق عدد الأسر المؤهلة للحصول على المساعدة الاجتماعية، وتحديد تدابير السياسة الضريبية لموازنة السنة المالية 2023-2024، والامتناع عن منح إعفاءات للبنوك التجارية التي تخالف صافي حدود مراكز العملات الأجنبية المفتوحة، بالإضافة إلى الامتناع عن تقديم خطط الإقراض المدعمة من خلال البنك المركزي المصري.
وأوضح التقرير أن الشروط الـ 8 التي لم تلتزم بها مصر مع برنامج صندوق النقد هي:-
1- نشر جميع عقود المشتريات العامة التي تزيد قيمتها عن 20 مليون دولار على بوابة المشتريات الحكومية الإلكترونية، بما في ذلك إذا تم منح العقود عبر مناقصة العمليات وإيضاح كافة المعلومات عن جميع العطاءات المقدمة، والعطاء الفائز وأسماء مقدمي العطاءات، على أن يتم نشره على الموقع خلال 30 يومًا من نهاية العطاء، والتأكد من أن الجميع يمكنه أن يصل إلى تلك المعلومات.
2- استمرار تطبيق مؤشر أسعار الوقود بالتجزئة آلية وفقًا للصيغة المتفق عليها.
3- نشر أحدث 3 تقارير سنوية من الجهاز المركزي للمحاسبات مع تقديم شرط ملزم لضمان النشر في الوقت المناسب والمضي قدمًا بالالتزام بالنشر.
4- نشر تقرير سنوي شامل عن النفقات الضريبية، بما في ذلك تفاصيل وتقديرات الإعفاءات الضريبية، والإعفاءات الضريبية مقسمة حسب التصنيف متضمنة الشركات في المناطق الاقتصادية الحرة وجميع الشركات المملوكة للدولة سواء شركات القطاع العام، أو الشركات المملوكة للقوات المسلحة أو حتى المشاريع المشتركة.
5- اعتماد نهج قائم على المخاطر في الإجراءات الجمركية والحد من الوقت اللازم للإفراج عن الواردات في ميناء الإسكندرية، ووفقًا للتقرير فقد تم تجاهل ذلك في المراجعة للتركيز على الأولوية للإصلاحات الأكبر.
6- الانتهاء من تحويل كافة السجلات الحكومية إلى إلكترونية لتعزيز كفاءة التحصيل الضريبي.
7- قيام وزارة المالية بمراقبة متأخرات الدفع والإبلاغ عنها، بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة، على أن تنشر التقرير خلال 90 يومًا من نهاية السنة المالية عن أرصدة الالتزامات والمدفوعات المتأخرة والمتأخرة، بالإضافة إلى كافة المعاملات، وإجمالي الالتزامات والمستحقات، والمدفوعات من وإلى وزارة المالية مع الهيئة العامة للبترول، والهيئة العامة للسلع التموينية، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهيئة الوطنية للبريد، والهيئة القومية لسكك حديد مصر، وبنك الاستثمار القومي، والبنك المركزي المصري، وشركة الكهرباء القابضة، والشركة القابضة للمياه والصرف الصحي، ومصر للطيران.
8- إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المالية العامة بما في ذلك العناصر الرئيسية لتقويم الميزانية، والموافقة على ورقة الاستراتيجية المالية، وفصل خط الأساس والمبادرات الجديدة، وتعهدات لأنشطة المناخ.
الضغط على ورقة حساسة لمصر
وفي هذا السياق، قال مدحت الشريف، وكيل اللجنة الاقتصادية في البرلمان السابق، واستشاري الاقتصاد السياسي، إن صندوق النقد الدولي وضع على مصر مجموعة من الشروط منذ تعامله مع البلاد عام 2016، ومع كل اتفاق جديد يزيد شروطه، لاعتماد برنامجه مع مصر، والدليل على ذلك تعليق الشرائح الأخيرة لعدم تطبيق مصر للاشتراطات من وجهة نظره.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن القيمة المادية التي سيعطيها الصندوق، ليست مهمة من وجهة نظر الحكومة، وما هي إلا شهادة ثقة للبدء في طروحات سندات وأذون خزانة لتغطية التزامات مصر في خلال الفترة من 2024 إلى 2027، وهو رقم ضخم يصل إلى 92 مليار دولار من ديون خارجية ومتوسطة وطويلة الأجل و25.7 مليار دولار قصيرة الأجل بعد استبعاد ودائع الإمارات أي بإجمالي 118 مليار دولار تقريبا وفقا لبيانات البنك المركزي.
وأشار «الشريف»، إلى أن التزامات مصر خلال عام الجاري 2024، تصل إلى 42 مليار دولار، وتم سداد بالفعل أجزاء منها الشهور الماضية، ومنهم سداد 845.3 مليون دولار لصندوق النقد في الأيام المقبلة.
وحول ما أعلنه الصندوق عن الأزمات الساسية في رفح سبب لموافقته على الشرائح بالرغم من عدم التزام مصر بـ8 شروط، أكد مدحت الشريف، أن صندوق النقد والبنك الدولي، ما هما إلا ذراعين لبعض الدول الغربية لفرض برامج سياسية واقتصاديًا معينة على معظم دول العالم تصب في صالح هذه الدول، حيث تكون سيطرتهما اقتصاديًا عن طريق استغلال تعثر هذه الدول والتى تتجه بدورها إلى الاقتراض من الصندوق والبنك الدولي، حيث تغير شكل الاحتلال العسكري على مستوى العالم وأًصبح صورته اقتصادية، بما يعني فقد الإرادة السياسية نسبيًا، بمقابل مده بدعم مادي».
وواصل: «بالفعل الأمر مع الصندوق له جزء سياسي، حيث تطالب بعض الدول الغربية من مصر بتنازلات، وعلى سبيل المثال التهجير القسري لأهالي غزة، واستيعاب جزء من الفلسطينيين داخل مصر، وهي جميعها وسائل للضغط على البلاد في مقابل إقناع الصندوق بالتنازل على بعض اشتراطاته وتمرير الموافقة على قروض عاجلة لمصر».
وأوضح وكيل اللجنة الاقتصادية في البرلمان السابق، أن مسيرة التعويم ببرنامج صندوق النقد لن تتنهي فهو يستهدف التحرير الكامل لسعر الصرف وهو ما يعد مخاطرة شديدة غير محسوبة النتائج، متابعًا: «هناك أوقات يكون فيها خفض سعر الصرف للعملة الوطنية أمر ضروري للإصلاح الاقتصادي في ظل أزمات حادة تتعرض لها اقتصادات الدول، مثل عام 2016 كان الاقتصاد المصري على حافة الهاوية في ظل أزمات اقتصادية نتجت عن الانفلات الأمني وتدهور شديد في موارد مصر من النقد الأجنبي ومن وجهة نظرى كان قرار التعويم في هذا التوقيت أمر لا بد منه».
واستكمل: «لكن تحركات الحكومة لإصلاح الاقتصاد عقب تعويم 2016، لم تكن تسير في الطريق الصحيح حيث برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة المصرية كان يشتمل على 3 محاور وهو الإصلاح المالي والنقدي، وإعادة الهيكلة الاقتصادية وعادة يكون الاصلاح المالي والنقدي، هما علاج طارئ ووقتي للسيطرة على الأزمات الاقتصادية وتصحيح المسار، وقد أولتهما الحكومة اهتمًا كبيرًا في حين أن المحور الثالث وهو الهيكلة الاقتصادية والأهم من حيث الأستدامة لم يحظي بالدعم الكافي من الحكومة نظرًا لأنه يحتاج لمعالجلات طويلة الأجل وقرارات جذرية لتتخلص من مخاطر الاقتصادي الريعي والاعتماد على الإنتاج والتصدير ومكافحة حقيقية للفساد، وكل ما أخشاه أن نكرر ما اتجهت إليه الحكومة بعد عام 2016، باستخدام ورقة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كشهادة ثقة، في الحصول على عشرات المليارت الدولات كالقروض من مؤسسات تمويل أخري، ولجذب مقامري الأموال الساخنة للاستثمار في سندات وأذون الخزانة التي تصدرها مصر وهو ما أدي إلى انخفاض في سعر الدولار حينها نتيجة توافر المعروض منه، وكان غير معبرًا عن تنمية اقتصادية حقيقة لذلك زادت ديون مصر الخارجية من 2016 بأرقام تتجاوز 50 مليار دولار حتى بدايات 2019».
وتابع: «ومع أول أزمة دولية انسحبت عشرات المليارات من الأموال الساخنة من أسواق المال المصرية، وهو ما أدي إلى ما نعيشه الآن من تأثيرات حادة لتوالي الأزمات الدولية المؤثرة على الاقتصاد المصري، ولكن على الحكومة أخذ خطوات لدعم الإنتاج والتصدير بشكل مباشر وإحلال المنتجات المحلية بديل للاستيراد، وتخفيف الأعباء الضربيية على المصدرين وتقليل من الاستيراد بشكل ينمي موارد مصر الدولارية ودعم حقيقي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وكسب إدخارات المصريين العاملين في الخارح بأوعية إدخارية جديدة».
وبالنسبة لشروط الصندوق التي لم تتطبقها مصر، بيّن استشاري الاقتصاد السياسي، أن هناك بعض البنود تم وضعها كنوع من الشفافية من جانب الحكومة، مثل نشر جميع عقود المشتريات العامة، ونشر أحدث 3 تقارير سنوية من الجهاز المركزي للمحاسبات، ونشر تقرير سنوي شامل عن النفقات الضريبية، على البوابات الحكومة الإلكترونية، قائلًا: «هذه البنود كان يجب تطبيقها دون تعليمات من صندوق النقد؛ لتعزيز الشفافية ومنع الفساد».
وأكد أن باقي الشروط سواء التي لم تلتزم بها مصر أو ألتزمت، هي تدخل للصندوق في أمور الدولة من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، مثلما حدث في قرار إلغاء مبادرات البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومشروعات الصناعة، بالإضافة إلى القرارات الأخيرة من تدبير العملة لمستوردي جميع السلع حتى الاستفزازية والهامشية منها والتى لها بدائل محلية، وهذه الشروط تعبر وبوضوح عن توجيهات الدول المتقدمة إنتاجيًا في أن تظل الدول المقترضة من الصندوق والبنك الدولي أسواقًا لدعم منتجاتها في ظل التضييق على عناصر الإنتاج الوطني في هذه الدول.
وختم: «بالإضافة إلى شرط تخارج الحكومة من الاقتصاد؛ لدعم دور القطاع الخاص، ورغم أهمية هذا الشرط إلا أنه لا يجب تنفيذه بالإسراع في إجراءات بيع أصول وحصص الحكومة في الشركات الناجحة كما يحدث حاليًا، حتى لا يتم البيع باثمان بخسة، وعلى الحكومة التعلم من دروس الماضي في تعويم في 2016، ومراعاة أن الصندوق يضغط على ورقة حساسة في مصر وهي الآمن والسلامة المجتمعية».