صبري الموجي يكتب: مصطفى أمين.. حسرة علي زمن فات!
لم يكن غريبًا على من تربى في بيت زعيم الأمة "سعد زغلول" أن ينشأ مُحبًا لوطنه، حريصًا على إدخال السرور على قلب أبنائه من خلال هدايا رمزية، ومبالغ عينية قليلة القيمة، إلا أنها كبيرة الأثر، تصنع الفارق في قلوب مُستحقيها ممن فازوا بها، ونالوا شرف لقائه.
يُعد الكاتب الكبير مصطفى أمين، علامة بارزة في تاريخ الصحافة المصرية بعدما أنشأ هو وأخوه علي أمين مؤسسة أخبار اليوم، التي سبقها عملهما في روزاليوسف، وآخر ساعة، فارتويا بفن العمل الصحفي حتى الثمالة، وكتبا عمود "فكرة" المُعبر عن آلام الشعب وآماله، والذي تعلق به القراء بعدما لامس مشاعرهم، وعبّر عن أحاسيسهم.
جلستُ إلى جوار د. ناصف الشبراوي، طبيب صدر حاذق، وأديب متميز، في إحدى المناسبات، فأخذ نَفسًا عميقًا، جاءت في عقبه زفرةُ تأوه على زمن مضى حاملًا معه أجمل الذكريات، حيث تذكر لقاءه بالعملاق مصطفي أمين، حينما ولىّ وجهه شطر أخبار اليوم، هو وثلة من أقرانه، صاروا جميعًا نجومًا بارزة في ميدان الطب والجراحة منهم د. بدر الخولي ( الجبرتي)، وخبير الأنساب، ود. عادل القطان أديب متميز، وكاتب رصين حاملين إثباتات أحقيتهم في معونة "ليلة القدر"، التي يمنحها الكاتب الكبير في احتفال سنوي، تتزاحم فيه مشاعرُ الفرح المصحوب بالدموع، وتتوافد عليه الجموع من كل أنحاء مصر.
يتذكر د.ناصف ذلك الجسم الضخم، الذي أضفى على صاحبه مهابة، لم تخلُ من حلم وأناة، وكلمات تخرج بعد صمت وفكر، فتكون ترياقا يواسي الجراح.
" سنة أولي سجن " إهداء إلى صديقي ناصف الشبراوي.. بهذا الإهداء ملك العملاق مصطفى أمين قلبَ الطالب ناصف الشبراوي، حيث كانت فرحتُه به أكبر من فرحته بمبلغ "ليلة القدر" نفسه، الذي كان رغم ضآلته منحة تشرئب إليها أعناقُ الكثيرين من طلاب الجامعات؛ لتخفف الحمل بعض الشيء عن عاتق أولياء أمورهم.
ابتكر الراحل مصطفى أمين -برّد الله مضجعه- العديدَ من النشاطات الخيرية، أدخلت السرور على قلوبٍ ران عليها الحزن، وعانت قسوة الحرمان، كان "ليلة القدر" أحد هذه النشاطات، وكذلك عيد الأم، وعيد الأب، وعيد الحب.
جاءتْ البشرى بمشروع "ليلة القدر" عقب مقال نشره في أخبار اليوم ١٥ فبراير ١٩٥٤م قال فيه: "في قلب كل إنسان أمنية صغيرة، تطارده في حياته، وهو يهرب منها إمّا لسخافتها، أو لارتفاع تكاليفها، فما هي أمنيتك المكبوتة؟
اكتب لي ماهي أمنيتك، وسأحاول أن أحققها لك، سأحاول أن أدلك علي أقصر الطرق لتحقيقها بشرط ألا تطلب مني تذكرة ذهاب، وإياب إلى القمر".
وابتكر كذلك جائزة مصطفى وعلي أمين للتفوق الصحفي، والتي أسعدت الكثيرين من الصحفيين، ورسامي الكاريكاتير، وسكرتارية التحرير الفنية، وحتى من الفنانين.
كتب الراحل مقالاتٍ أوقعته في كثير من الإشكاليات، سواء مع صناع القرار من الحكام والساسة، وكذلك مع الفنانين، منها مقال بعنوان " أكتب لكم من سرير فاتن حمامة "، الذي أشعل حربًا بينه وبين الفنانة الراحلة، حيث أسرعتْ الخطى إلي دار أخبار اليوم، وهي تكاد تميز من الغيظ، ترغي وتزبد، بعدما قرأت ذلك العنوان، الذي يُشهّرُ بسمعتها، ولم تخمد صولتها إلا بعدما عرفتْ أنه يقصد سرير المستشفي، وليس سرير غرفة نومها!.
قدّم الراحل كنزًا ثريًا من المؤلفات، التي تستحق الدراسة والتأمل والتصفح الطويل منها: سنة أولى سجن، تحيا الديمقراطية، من عشرة لعشرين، من واحد لعشرة، ٢٠٠ فكرة، نجمة الجماهير، صاحب الجلالة الحب، لكل مقال أزمة، ومسلسل " لا" وغيرها الكثير.
وفي ١٣ أبريل ١٩٩٧ رحل العملاق مصطفي أمين، ليلحق بتوأمه علي أمين، تاركا وراءه قراء يبكون بحُرقة علي زمن فات.
sabry_ elmougy@ yahoo.com