صبري الموجي يكتب: الموهوبون.. وأزمة المفعول به!
سألني يومًا سائل عن سبب بُعدي عن الأضواء في بلاط صاحبة الجلالة رغم أنني -حسب قوله- أملكُ أدوات الكاتب الجيد من حُسن العبارة، وجودة السبك، والقدرة علي التعبير، وغيرها من صفات، لا أود الاستطراد في ذكرها؛ حتى لا يُفهم أنه مدحٌ للذات من طرْفٍ خفي، فأجابته بأنه يُسأل عن ذلك غيري من ذوي القرار، الذين صاروا (فاعلًا)في الجملة، طبعا لا أقصدُ الجملة الفعلية، بل أقصدُ جملة صناعة الأحداث، بينما نحن فيها مُجرد مفعول به، أو معه أو فيه، ولم نصل حتي لدرجة المفعول لأجله!.
وليستْ الصحافةُ وحدها، هي ما تعاني تلك الأزمة، أو قل الطامة -طامة الاستعانة بذوي الولاء، وليس الخبرة- والتي يشيبُ لها الولدان، وتضع بسببها كلُّ ذات حمل حملها، بل هى أزمةُ معظم - إن لم يكن -كلِّ مؤسسات ومصالح مصر المحروسة.
إذ صار مسوغُ الاختيار أن يكون المُختار من ذوى الولاء وليس الكفاءة، حتى، وإن هوتْ الدولةُ إلى أسفل سافلين!، فصرنا، نرى على رأس المؤسسة أو المصلحة مسئولًا شهاداته محل نظر، وآخرَ مرتشيًا، وثالثًا، عرف من أين تؤكل الكتف، فركب موجة حمله إلى برِّ الأمان، وانطلق كالسّهم من الرمية، يصنع لنفسه ثروة ومجدًا، لم يكن يحلم به هو ولا أبوه، ولسان حاله: إنما أوتيته على علمٍ عندي.
ونتيجة ذلك كله، ألفينا سقوطًا مدويًاعلى كلّ الأصعدة.
ففي الرياضة ما زال يُطاردنا (صفر المونديال)، والدليل الحضورُ غير المشرف في دولة الألعاب الأولميبية بفرنسا، والتي سيطرت على مشاركات اللاعبين فيها مجاملاتٌ رخيصة، من مظاهرها مشاركةُ لاعبة حامل في الشهر السابع، وقطعًا هناك آخر عنده تمزقٌ عضلي، وثالث يعاني عِرق النّسا، ورابع من اللومباجو، وهلمّ جرّا، ومن ثم صار الفوزُ بميدالية من صفيح أمنية بعيدة المنال، لن نراها حتي يبلغَ الجملُ سمَّ الخِياط، أو يخرج (العجل من بطن أمه).
وفي الفن، انسحق الفنُ الراقي أمام الأصوات النشاز، ومناظر العري، والإباحية، والتي تدعمها الشللية والواسطة، ولا عزاء للمُعترضين، حتى وإنْ ماتوا بغيظهم!.
وفي الإعلام، صرنا نجد مذيعا ألثغ، ومذيعة بكماء، وثالثا، يعاني التأتأة، ورابعا لا يكف عن الجعجعة، والصوت العالي، ونسى أنَّ أنكرَ الأصوات صوتُ الحمير!.
حتى المؤسسات الدينية، لم تسلم من سوس الخراب، فظهر فيها عاطلون يبحثون عن الشاذ، والاستثناء، ويريدون جعله أصلا، وهو ما يضرب الدين في مقتل، ويثير البلبلة والفتن!.
وأخيرا أقول: إننا لو قارنا أنفسنا بأجيال مضت، نجد أن الفارقَ بيننا وبينهم، يكمن في الانتماء، والعمل من أجل رفعة الوطن، والإخلاص للهدف؛ لذا استحقوا - عن جدارة- وصف الجيل الذهبي، الذي لم ينفك عن القراءة والمطالعة والتحصيل، بينما سقطنا نحن في بئر الثرثرة الفارغة، والمجاملات الرخيصة، فتسوّر المحراب قطّاعُ طرق، وشيوخ منصر، وأولاد ليل، ولك الله يا مصر.
Sabry_ [email protected]