على الهواري يكتب: الملحد وشفرة دافنشي و Agora
حالة من الاستياء والغضب والهياج سيطرة على المنتمين للتيار العلماني المتطرف من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد قرار تأجيل عرض فيلم الملحد في دور العرض المصرية.
فكتب المفكر العلماني الدكتور إسماعيل حسني على صفحته على فيس بوك قائلا:« فيلم " الملحد " للأستاذ العظيم إبراهيم عيسى كان المفترض بعد يومين يبدأ عرضه، والفيلم حصل على كافة التصريحات القانونية، لكن للأسف الفيلم اتوقف عرضه دون أي سبب قانوني.. عايز تطعن في دين وإيمان المفكرين والمثقفين ماشي..عايز كمان تشوه سمعتهم بالتلفيق والكذب بردو ماشي.. عايز تقول " تكوين " بتنشر الإلحاد عيوني.. اعمل كل شيء .. بس فقط سيب الفكرة تتقال وتوصل.. لعلها يا سيدي تكون مفيدة بأي شكل ..ما يحدث قتل لأي أمل في أي شيء».
وعلق إبراهيم عيسى على تأجيل عرض الفيلم من خلال تدوينة نشرها عبر حسابه الرسمي في منصة إكس قائلا: "الفن أقوى من المنع، ومن الرصاص، بل ومن الموت".
ويناقش الفيلم ظاهرة الالحاد الديني، ويدور حول الطبيب يحيى الذي يتمرد على أفكار والده، لذلك يقرر الإلحاد، وهو ما يدخله في صدام شديد مع والده.
الفيلم من بطولة، أحمد حاتم ومحمود حميدة وحسين فهمي وصابرين، وتأليف الكاتب إبراهيم عيسى، وإخراج محمد العدل.
وكتب مخرج الفيلم محمد جمال العدل، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلا "المنع مش حل".
يقول الناقد الفني طارق الشناوي، أن أزمة فيلم "الملحد"، واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى تفكير عميق كما يظن البعض، فبعد أن حصل منتج الفيلم على تصريح من الرقابة بالعرض، قرر أحد المسؤولين منع عرض الفيلم، نظرًا للهجوم الذي حدث عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي فور طرح الإعلان التشويقي له.
وكشف الشناوي، أن المنتج أحمد السبكي لن يعرض فيلم الملحد خارج مصر، كما أنه لن يقدم على خطوة بيعه إلى المنصات الإلكترونية العربية أو العالمية، لأن ذلك الأمر سيأتي بنتائج عكسية بعد ذلك، خاصة أن الفيلم تم تصويره بشكل كامل داخل مصر، ومازال حتى الآن في المعامل الفنية المصرية، وإذا عُرض خارج مصر سيحدث أزمة كبيرة.
يرسخ لفكرة الشرك بالله
وكان عدد من المحامين، قد تقدموا بدعوى قضائية مستعجله أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، لإلغاء وسحب فيلم الملحد، ووقف عرضه من جميع دور العرض، سواء على الشاشات المرئية بدور العرض، أو المسموعة، أو صفحات السوشيال ميديا، مع إلزام أحمد السبكي صاحب شركة السبكي للإنتاج الفني بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وقال المحامون في دعواهم، إن الفيلم يرسخ لفكرة الشرك بالله لشباب الوطن الذين هم بناة المستقبل، وثمرة مصر في تقدمها وازدهارها وأنه من الواضح أن هذا الفيلم يرسخ لحرب ممنهحة ضد الدين الإسلامي، وشباب الوطن.
وتنظر محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة المصرية يوم السبت 24 أغسطس/آب الجاري في الدعوى التي قدمها رئيس نادي الزمالك السابق المستشار مرتضى منصور لوقف وسحب تراخيص الفيلم داخل مصر وخارجها.
واتهم المحامي المصري في الدعوى كلا من وزير الثقافة أحمد فؤاد ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية خالد عبد الجليل ومؤلف الفيلم الكاتب إبراهيم عيسى والمنتج أحمد السبكي بالتحريض على الإلحاد وهدم ثوابت الدين الإسلامي وحمل الرسائل السلبية لهدم كل القيم الدينية في المجتمع.
وجاءت الدعوى بالتزامن مع حملات عبر منصات التواصل الاجتماعي تطالب بمنع عرض الفيلم.
أحد الأفكار المسمومة التي يتم الترويج لها
ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر الشريف، أن الإلحاد سواء بالتسبب أو المباشرة، يعد جريمة مكتملة الأركان وتحرمها الشرائع السماوية.
ولفت كريمة، إلى أن كل أسرة عليها دور في التوعية، مؤكدا أنه لا يحق لرب الأسرة أن يقوم بقتل الشخص الملحد، فإذا فعل ذلك يُعاقب.
ويقول الدكتور محمد عمر أبو ضيف القاضي -الأستاذ بجامعة الأزهر وعميد كلية البنات الأسبق، أن هذه الحملات تستهدف بشكل خاص الفئات الشابة التي تعتبر الأساس في بناء الدول، موجها انتقادات حادة للكاتب إبراهيم عيسى مؤلف فيلم الملحد، متهمًا إياه بالكراهية للدين الإسلامي ومحاربة شعائره ورجاله، والإشادة بأخلاق الغرب المتحررة، حيث كتب القاضي قائلا: "كُتّاب كبار في العالم العربي يتم تمويل برامجهم، ودعايات بالملايين، كما هو معروف، الكاتب إبراهيم عيسي، والذي صار معروفا بكراهته للدين الإسلامي،... ومحاربته لرجاله، بدءًا من الصحابة إلي علماء العصر، ومحاربته لعقيدة الإسلام، وشعائره، وعباداته، بل ونقد معاملاته، وأخلاقياته، والإشادة بأخلاق الغرب، بما تحوي من تحلل وفجور وانحلال بدعوى الحرية...! وكل أفكاره تدور حول هذا، مهاجمة الدين الإسلامي، ومدح الغرب والتبشير به، ومن أحدث بدعه و«افتكاساته» وليس أخرها فيما يبدو، فيلم:الملحد"
ولفت القاضي إلى أن فيلم "الملحد" أحد الأمثلة على الأفكار المسمومة التي يتم الترويج لها، حيث يعرض الفيلم قصة شاب ابن شيخ سلفي يجبره والده على حفظ القرآن وكتب الحديث مما يؤدي به إلى الإلحاد والانحلال الأخلاقي -حسب رواية مؤلف الفيلم-.
وأكد القاضي أن هذا الفيلم يحاول تصوير الوسطية في الإسلام على أنها انحلال وفجور، داعيًا إلى مقاطعة الفيلم كحد أدنى للرد على هذه الحملات، مشيدا بموقف الفنان الراحل مصطفى درويش الذي رفض المشاركة في الفيلم، معتبرًا ذلك من توفيق الله وحسن خاتمته.
ودعا القاضي المسلمين إلى التمسك بدينهم والمحافظة عليه، ومحاربة هذه الحملات الفكرية والأخلاقية بشتى الوسائل، مشددًا على ضرورة توعية الشباب والأبناء بخطورة هذه المخططات والوقوف ضدها بكل قوة.
يذكر أن الفنان الراحل مصطفى درويش أعلن الاعتذار عن الفيلم، والانسحاب من التصوير، احتجاجا على إنكار إبراهيم عيسى، مؤلف الفيلم لقصة الإسراء والمعراج.
وكتب درويش، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "قررت أنا مصطفى درويش مقاطعة أي برنامج لإبراهيم عيسى، والاعتذار عن فيلم الملحد اللي صورت فيه أربع أيام بسبب أن مؤلف القصة هو إبراهيم عيسى لأن واضح أن الحرب دي ممنهجة وأنا مقبلش أبدا أكون أداة للحرب ضد ديني ولو الثمن هيكون إيه".
ونشر درويش مع تعليقه صورة لصحيفة محلية تتضمن صورة للكاتب المصري إبراهيم عيسى، وأسفلها عنوان يقول: "إبراهيم عيسى: قصة المعراج وهمية طبقا لكتب السيرة والتاريخ والحديث".
أفلام تم منعها لأنها تسئ للدين المسيحي
ليست المرة الأولى التي يتم فيها منع عرض أعمال فنيه تسئ للأديان السماوية، ففي 2006، قررت مصر مصادرة كتاب "شفرة دافنشي" ومنع دخول الفيلم المأخوذ عنه لإساءتهما للدين المسيحي.
وفيلم "شفرة دافنشي" مأخوذ عن كتاب بنفس العنوان للكاتب الأمريكي دان براون جاء فيه أن المسيح تزوج مريم المجدلية وأنجب منها طفلا.
وقال فاروق حسني وزير الثقافة حينها في بيان في مجلس الشعب، أن الوزارة ستصادر الكتاب وتمنع دخول الفيلم.
وكان حسني يتحدث خلال مناقشات أجراها مجلس الشعب بناء على طلب نواب مسيحيين، وتضامن مع مقدمي الطلب أعضاء المجلس ورئيسه فتحي سرور، وحضرت النائبة جورجيت صبحي إلى جلسة المناقشة ومعها نسختان من الكتاب احداهما ترجمة عربية له، وقالت وهي تلوح بالنسختين "الكتاب يتضمن إساءة بالغة، يتضمن إساءة للمسيح ويسيء للدين المسيحي والدين الاسلامي."
وأدان الفاتيكان الفيلم والكتاب وطالب المسيحيين في العالم بمقاطعتهما، كما أدانته جماعات مسيحية في عدة دول، وقال رجال دين مسلمون في أكثر من دولة انهم يتضامنون مع المحتجين على الكتاب والفيلم.
وصادرت الأجهزة المصرية المختصة في مطار القاهرة 300 نسخة من كتاب "شفرة دافنشي" الذي حظرت وزارة الثقافة المصرية تداول الفيلم المقتبس عنه باعتباره يمس بالديانة المسيحية.
وفي 2010، تم منع عرض فيلم « Agora »، حرصا على مشاعر الأقباط، بعد أن أثار استياء شديدا من جانب العديد من القطاعات المسيحية القبطية التي اعتبرته "مسيئا" للديانة المسيحية وطالبت بحظر عرضه في دور السينما.
ويدور فيلم Agora حول قصة حياة الفيلسوفة والفلكية وعالمة الرياضيات اليونانية "هيباتيا" التي عاشت في مصر وتحديدا في مدينة الإسكندرية القديمة في القرن الرابع الميلادي عندما كانت مصر لا تزال تابعة للإمبراطورية الرومانية.
وقد شهدت تلك الحقبة اشتباكات عنيفة على صلة بالتعصب الديني بين الرومان والمسيحيين هددت بتدمير مكتبة الإسكندرية، وسعت خلالها "هيباتيا" لإنقاذ معارف العالم القديم بمساعدة طلابها، إلا أنها اتهمت بدعم الوثنية من جانب متطرفين مسيحيين واغتيلت بوحشية على يد أتباع البابا كيرلس الأول عام 415 ميلادية.
وتم تصوير الفيلم في مالطا وتكلفت ميزانيته 73 مليون دولار وقامت ببطولته الممثلة البريطانية «ريتشيل ويز» التي تجسد دور «هيباتيا» وقد لقي ترحيبا كبيرا من جانب النقاد والمشاهدين لدى عرضه في دور السينما الإسبانية والأوروبية.
الملحد – أزمة قانونية
قدم المؤلف والمخرج نادر سيف الدين إنذارا رسميا للمنتج أحمد السبكي لتغيير اسم الفيلم قبل عرضه تجاريا، إذ سبق أن عرض فيلم بعنوان "الملحد" من تأليفه وإخراجه عام 2014، ويقوم سيف الدين باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لإيقاف عرض الفيلم.
وقال سيف الدين في بيان "قمت بتوجيه إنذار رسمي على يد محضر للمنتج أحمد السبكي قيد برقم 21576 بتاريخ 30 يوليو/تموز الماضي لوقف عرض الفيلم بعد الاستيلاء والتعدي الصارخ على حقوق ملكيتي الفكرية لاسم الفيلم وفكرته".
وأوضح خلال البيان أن سيناريو "الملحد" مسجل رقابيا باسمه منذ 11 فبراير/شباط 2013، وقام بتجديد الرخصة مرة أخرى بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول 2013، وذلك في ملفات الرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة.
وتقدم أيضا بشكويين، الأولى للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة التي قيدت فيلمه برقم وارد 354 بتاريخ 31 يوليو/تموز الماضي، وقدم شكوى أخرى إلى نقابة المهن السينمائية قيدت برقم وارد 916 بتاريخ الأول من أغسطس/آب 2024 ضد كل من المنتج أحمد السبكي والمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج ماندو العدل.
الدولة مسئولة عن حماية الأديان والقيم
تنص المادة الثانية من الدستور المصري على «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
كما تنص المادة الثالثة من نفس الدستو على «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية».
أما المادة الرابعة من الدستور المصري فتنص على «الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية. وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون.»
أما المادة السادسة من الدستور فتنص على « يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى، والمواطنة التى تسوى بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة، والتعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحرياته؛ وذلك كله على النحو المبين فى الدستور. ولا يجوز قيام حزب سياسى على أساس التفرقة بين المواطنين؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدين».
وتنص المادة العاشرة على « الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأ ة المُعيلة والمطلقة والأرملة».
هذه النصوص الدستورية تؤكد على أن الدولة مسئولة عن صون الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، والحفاظ على القيم العليا للمجتمع، وبالتالي من حق الدولة منع أي عمل فني يسئ للأديان السماوية الثلاثة، أو يهدد قيم المجتمع.