رئيس التحرير
خالد مهران

علي جمعة: المصيبة تعلمنا حقيقة الدنيا

النبأ

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه عندما ينزل بالمؤمن البلاء يحتاج إلى أن يرجع إلى الله ليعرف حكمة البلاء‏،‏ ويعرف كيف يتعامل معه عندما ينزل‏.‏ وما البرنامج الذي يسير عليه حتى يخفف عنه المصيبة وتنزل السكينة على قلبه ويتمتع بنور الصبر‏،‏ ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بقراءة الوحي ‏(الكتاب والسنة).

قال تعالى‏: (الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ‏)،‏ وقال تعالى‏: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

ويؤخذ من هذا أن نزول البلاء امتحان، وأن هذه المحن معها منح ربانية من الجزاء الوفير والغفران التام‏،‏ وأن الموت سنة من سنن الله في كونه، ولكنه مع ذلك ليس فناء بل هو انتقال من دار إلى دار‏،‏ من دار الدنيا إلى الآخرة‏،‏ ومن دار العمل إلى دار الجزاء‏،‏ ومن دار الفناء إلى دار البقاء‏،‏ ولذلك وبهذا الفهم قد كان أبو ذر الغفاري رضي الله تعالي عنه‏،‏ لا يعيش لديه ولد‏،‏ فسئل في ذلك فقال‏:‏ الحمد لله الذي يأخذهم مني في دار الفناء ليدخرهم لي في دار البقاء‏.

قال ﷺ فيما أخرجه الترمذي‏: (‏إن عظم الجزاء مع عظم البلاء‏،‏ وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم‏،‏ فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط‏)،‏‏ وقال ﷺ ‏:‏ (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته‏:‏ قبضتم ولد عبدي‏،‏ فيقولون‏:‏ نعم‏،‏ فيقول قبضتم ثمرة فؤاده‏،‏ فيقولون‏:‏ نعم‏،‏ فيقول‏:‏ ماذا قال عبدي؟‏،‏ فيقولون‏:‏ حمدك واسترجع‏،‏ فيقول الله‏:‏ ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) ‏[الترمذي‏].

فالروح باقية لا تفنى ولذلك عند رحيل الأحبة نستمر في عمارة الدنيا ونزيد من العمل الصالح ونهب ثواب أعمالنا إلى من رحل صغيرًا كان أو كبيرًا‏،‏ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي ﷺ ‏:‏ إن أبي مات وترك مالًا ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال‏:‏ نعم. ‏[‏مسلم].

والمصيبة تعلمنا حقيقة الدنيا وأنها فانية وأنها متاعٌ قليل‏،‏ قال تعالى‏:  ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة حيث مات أبناؤه وأحباؤه في حياته وفي كل الأعمار حتى قال عندما مات إبراهيم‏:‏ « تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ ».[صحيح مسلم]، ومات حمزة وجعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم وكانوا أحب الناس إليه فعلمنا كما علمنا القرآن‏: (‏إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏) وراجعون تبين أن الموطن الأصلي للروح هو عند الله فمن هناك أتت تفضلًا ومنة‏،‏ وإليه عادت حكمةً وفضلا.