شيركو حبيب يكتب: الديمقراطي الكردستاني و78 سنة من النضال
فى تاريخ الأحزاب السياسية وحركات التحرر بالمنطقة، سير لا ينكرها منصفون، وقادة لا يتآكل حضورهم بمرور الزمن، تظل أعمالهم داعمة لبقاء كيانات مؤثرة في الساحة السياسية مدعومة بسند جماهيري وتيار شعبي يؤمن بأفكارها وعدالة قضاياها وصواب طرحها.
هكذا الحال في مصر متى تذكرت ظهور الوفد، ثم الاتحاد الاشتراكي بعد يوليو 1952، كمثالين لكيانين مؤثرين فى الحياة السياسية بها خلال عقود متلاحقة، وهكذا الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، والذي آمن المواطنون كافة بأفكار وكانوا ظهيرا شعبيا له، خلال مسيرة تقترب من ثمانية عقود تعدد خلالها أشكال النضال وتنوعت فيها أدوات التأثير.
لم يكن الأمر وليد صدفة أو حدثا عابرا، تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني قبل 78 عاما، وتحديدا في 16 آب/أغسطس 1946، بزعامة الأب الروحي للشعب الكردي الجنرال ملا مصطفى بارزاني، بل كان ضرورة حتمية لقيادة نضال شعب كردستان وتثبيت أسس الديمقراطية في العراق وبناء دولة مؤسساتية ضامنة لحقوق جميع مكوناته.
جاء تأسيس الحزب الديمقراطي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار جمهورية كردستان (مهاباد) وزيادة الوعي القومي لدى الشعوب المضطهدة من أجل نيل حرياتها، لذا كان تأسيس الديمقراطي الكردستاني ضرورة حتمية، فأصبح الحزب جماهيريا مؤيدا من قبل جميع مكونات العراق لإيمانهم بشعاره (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) وإيمان زعيم الحزب بالديمقراطية التى اقتنعت الجماهير بأنها نهجه الذي لن يحيد عنه.
خلال مسيرته النضالية استطاع الحزب تسجيل أروع البطولات والملاحم وقيادته ثورةً شعبية انطلقت شرارتها في كردستان سميت بثورة أيلول في الحادي عشر من سبتمبر عام 1961، ورغم أن شرارتها الأولى كانت في كردستان إلا أنها سرعان ما أصبحت ثورةً عراقية تدافع عن جميع العراقيين.
ورغم كل الظروف والجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الكردي، إلا أن قيادة الحزب وزعيمه فضلوا المفاوضات والحوار مع الحكومات العراقية بدلا عن القتال والدمار، وقد حاول البعض تغيير مسار الصراع ليكون بين الشعبين العربي والكردي، إلا حكمة وكاريزما الزعيم الخالد مصطفى بارزاني أفشلت كل تلك المحاولات، مع التحاق العديد من أبناء القوميات الأخرى بالثورة انتصارا منها للديمقراطية وعدالة القضية.
علاقات قوية مع مصر والدول العربية
يحتفظ الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ تأسيسه بعلاقات جيدة مع الأحزاب والقوى الوطنية والإقليمية والدولية فأصبح حزبا دوليا حقيقيا، له علاقات جيدة مع العرب وخاصة في جمهورية مصر العربية، منذ أن استقبل الزعيم الراحل خالد الذكر جمال عبدالناصر الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني بالقاهرة في أكتوبر عام 1958، وعبد الناصر كان مؤيدا قويا للحقوق القومية للشعب الكردي ضمن العراق، معارضا استعمال القوة ضد الكرد، ويعتز الشعب الكردي بهذا الموقف المصري المشرف الذي استمر مع تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل نحو خمس سنوات على أنه مع الحقوق القومية للشعب الكردي، وذلك خلال مؤتمر الشباب بمدينة شرم الشيخ، وقد قدمت مصر مع الأردن مشروعا داعما للعراق وكردستان قبل سنوات على كافة المستويات، والمملكة الأردنية الهاشمية أيضا للحزب الديمقراطي الكردستاني علاقات جيدة معها، وكذلك دول الخليج العربي.
وعلى صعيد العراق؛ فالحزب الديمقراطي يصر دائما على حل الخلافات بالحوار والمفاوضات واللجوء إلى الدستور، وكان للحزب الديمقراطي دور بارز وهام في إجراء انتخابات كردستان، عندما أعلن الزعيم مسعود بارزاني في مدينة كويسنحق إجراء انتخابات حرة نزيهة، وكان ولايزال للحزب دور بارز في دعم حكومة الإقليم وإشاعة المساواة والتعايش السلمي بين جميع مكونات كردستان وهذا ما يصر عليه الزعيم بارزاني الذي وهبه الله للشعب الكردي في نفس يوم تأسيس الحزب الديمقراطي الذي ترعرع في كنف عائلة وطنية يشهد لها بالنزاهة والاستقامة والعدالة.
والزعيم مسعود بارزاني له كاريزما يستمدها من كونه أحد أبرز الشخصيات الداعية للسلام والتآخي عالميا، ورغم كل العوائق التي تعرض لها الحزب إلا أنه استطاع بكل جدارة الانتصار على الذين حاولوا تهميش دوره، فأصبح حزبا عالميا له احترامه وتقديره على المستوى الدولي.
إن قدرة الكيانات السياسية على البقاء مرهونة بالتفاعل المستمر مع قضايا الوطن والالتحام بالجماهير والتداخل مع قضاياها، وتؤكد سيرة ومسيرة الحزب الديمقراطي الكردستاني أنه كان عند حسن ظن المواطنين العراقيين كافة، بما قدمه من نضال مشرف، وما أثرى به الحياة السياسية من حضور، ولو شاء التاريخ لكتب أنه أعرق وأقدم أحزاب المنطقة كلها، وأحد أبرز الدعاة للحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة، ولكل الساسة المنصفين أن يفخروا بتأثيره فى مجريات الأحداث وحضوره بين المواطنين في عراق نحلم به دولة تقود مستقبلها.