سر غضب إثيوبيا من إرسال مصر قوات عسكرية إلى الصومال
توترت الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، خاصة بعد وصول أول طائرتين عسكريتين مصريتين محملتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الأراضي الصومالية، مما أثار غضب إثيوبيا، بل إن هناك مخاوفا كثيرة لا سيما بعد أزمة سد النهضة، مما دفع الخارجية الإثيوبية إلى إصدار بيان حاد، معبرة فيه عن قلقها البالغ واعتبرت أن هذا التعاون العسكري تهديدا لأمنها القومي.
وتقاربت مصر والصومال هذا العام بعد أن وقعت إثيوبيا اتفاقًا أوليًا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية تحصل بموجبه أديس أبابا على حق انتفاع بأراضٍ ساحلية في ميناء بربرة مقابل الاعتراف المحتمل باستقلالها عن الصومال، ووصفت حكومة مقديشو الاتفاق بأنه اعتداء على سيادتها، وقالت إنها ستعرقله بكل الوسائل الضرورية.
وتضمن الاتفاق بين أديس أبابا وأرض الصومال، حصول إثيوبيا على إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر منفذ بحري تستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عامًا، فضلًا عن إنشاء قاعدة عسكرية ومرافق تجارية، وفي المقابل ستحصل أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية.
ووقعت الصومال، مطلع هذا العام، على بروتوكول أمني مع مصر، والتي هي على خلاف مع إثيوبيا لسنوات بشأن بناء أديس أبابا لسد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية على منابع نهر النيل "سد النهضة"، تخشى من تأثيره على حصتها المائية.
وتصر مقديشو على أن أرض الصومال، التي لم تحصل على اعتراف دولي رغم تمتعها بالحكم الذاتي العملي لأكثر من 30 عامًا، جزء من الصومال.
وأصدرت الخارجية الإثيوبية بيانًا تعبر فيه عن غضبها بعد اتفاقية التعاون العسكري بين مصر والصومال، قائلة: "الصومال تتواطأ مع جهات خارجية تهدف لزعزعة استقرار إثيوبيا".
وأعربت الحكومة الإثيوبية عن قلقها من التشكيل الجديد لبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ الأمن في الصومال والذي جاء بعد إرسال مصر معدات عسكرية إلى الصومال.
وقالت إثيوبيا، إنها لن تقف خاملة تجاه ما يهدد أمنها القومي، وأنها تراقب عن كثب التطورات في المنطقة، مضيفة أنها ظلت تتجاهل التصريحات العدائية، والمحاولة المستمرة لتقويض تضحيات قوات الدفاع الإثيوبية في حفظ السلام في الصومال.
وأشارت إلى أن أديس أبابا لن تتسامح مع الأعمال التي تهدد المكاسب التي تحققت ضد الجماعات الإرهابية الإقليمية والدولية، مؤكدة أنها ستظل ملتزمة بالحل السلمي للخلافات وبالعمل مع شعب الصومال والمجتمع الدولي لتجنب المخاطر التي تهدد السلام والاستقرار في المنطقة.
وفي تطور جديد أعلنت إثيوبيا، تعيين مندوب لها بدرجة سفير بأرض الصومال (غير المعترف بها دوليًا)، وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا والإقليم الانفصالي.
تهديد قناة السويس
وفي هذا السياق، قال اللواء الدكتور سمير فرج، المفكر والخبير الاستراتيجي والعسكري، إن مصر أرسلت طائرتين من نوع سي 130 محملتين بمعدات عسكرية للصومال، في ضوء اضطلاع القاهرة بمهمة إعادة تدريب وتنظيم الجيش الصومالي لرفع كفاءته ليواجه الإرهاب وحركات الانفصال.
وأضاف "فرج"، أن اتفاقية مصر والصومال بروتوكول عسكري تتعهد فيه مصر برفع كفاءة وتدريب وتسليح الجيش الصومالي ليكون قادر على تحقيق الأمن القومي، والقضاء على منظمة شباب الصومال الإرهابية الإسلامية المتطرفة، ومعاونة الصومال في استعادة باقي الأراضي التي انفصلت عنها وهي صومالي لاند، وأن يكون لها موقف قوي وأن لا تكون أحد عناصر تهديد مدخل باب المندب مثلما كان في العهد الماضي.
ولفت إلى أن مصر تدفع قواتها ضمن قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية بهدف دعم الجيش الصومالي، موضحًا أن سبب غضب إثيوبيا يرجع إلى أن مساعدة مصر للصومال سيعمل على تقوية جيشها واستعادة صومالي لاند، لافتًا إلى أن الصومال ترفض الاتفاق مع إثيوبيا لإنشاء ميناء لمدة 50 عامًا.
وأكد اللواء سمير فرج، أنه في حالة دعم مصر للجيش الصومالي واستعادة الصومال لأرضها سيخسر إثيوبيا المدخل الوحيد على البحر الأحمر، مضيفًا أن هذا التوتر الأخير لا يؤثر على مصر بشيء؛ لأننا ندعم الصومال ونهتم باستقرارها، لافتًا إلى أن ذهاب القوات المصرية إلى الصومال ليس إجبارا بل هو طلب منها.
وأشار إلى أنه لا شك أن إثيوبيا تقتنع بأن مصر تفعل ذلك لحرمانها من الوصول للبحر الأحمر، أو تأديبًا لما تفعله في أزمة سد النهضة، مؤكدًا أن هدف مصر ألا تصل إثيوبيا لمدخل البحر الأحمر لأنها تهدد قناة السويس، بالإضافة إلى توحيد الصومال لأراضيها.
حماية القرن الإفريقي
ومن جانبه، قال الدكتور محمد صادق إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية، ومدير المركز العربي للدراسات السياسية والاقتصادية، إن إثيوبيا تحاول خلخلة الأمن في شرق القارة الإفريقية ومنطقة القرن الإفريقي تحديدًا من خلال تحالفها مع الصومال لاند أو الصومال الجديد، وما زالت تخترق القانون الدولي الإنساني وسيادة الدول، وذلك بعد افترائها على دولة الصومال الدولة المستقلة ذات السيادة.
وأضاف "إسماعيل"، أن هناك أكثر من مشكلة تواجه إثيوبيا، أولها التدخل في شؤون الدول الأخرى، وزعزعة الأمن والاستقرار في الصومال، وخلخلة الأمن في البحر الأحمر والسيطرة على جزء منه يتبع الصومال نفسها.
وأشار إلى أن تحالفا مصر سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية هو "حق مشروع"؛ لأن من حقوق الدول التحالف مع الدول الأخرى، وبالتالي قامت بالتحالف مع الصومال، وجزء من هذا الاتفاق يأتي في إطار منظمة الاتحاد الإفريقي التي سعت إلى حفظ الأمن الصومالي، وبالتالي أرسل قوة إلى الجيش الصومالي لحفظ أمنها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن إثيوبيا تحتاج إلى التفكير مرة أخرى، فمصر تقوم بدورها لحماية القرن الإفريقي وللحفاظ على سيادة الدول والعلاقات الإفريقية.