خبير بالشأن الإيراني لـ"النبأ": استبعد قصف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية رغم التقارير الأجنبية
بينما يشتد التوتر بين إيران وإسرائيل، التقت "النبأ" بالدكتور هاني سليمان، الخبير في الشأن الإيراني ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات، لاستكشاف الأبعاد الاستراتيجية لهذا الصراع.
في هذا الحوار، نتناول جاهزية إيران لأي تصعيد عسكري وتأثير الأزمات الداخلية على خياراتها العسكرية، كما سنبحث في دور القوى الكبرى في تشكيل المعادلات الإقليمية وكيف يمكن أن تؤثر هذه الديناميكيات على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، مما يسهم في فهم أعمق للتحديات المستقبلية.
كيف ترى تأثير التطورات بعد اغتيال حسن نصر الله والرد الإيراني على إسرائيل؟ هل تعتبر هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة من التصعيد؟
إطلاق إيران بعض الصواريخ على إسرائيل يمثل تحولًا نوعيًا في الصراع؛ حيث أصبحت الصواريخ تصل بشكل أسرع من الهجمات السابقة، في غضون ربع إلى ثلث ساعة. رغم أن هذه الصواريخ لم تُحدث أضرارًا كبيرة، إلا أنها تحمل دلالة رمزية على قدرة إيران على اختراق القبة الحديدية وإثارة القلق داخل المجتمع الإسرائيلي ولكن هو رد نسبي مهم ولكن لم يحقق أهدافه. ومع ذلك، الرد الإيراني الحالي لا يتناسب مع حجم الخسائر التي تكبدتها ميليشياتها في حماس وحزب الله وبعض المليشيات الإيرانية.
أما بالنسبة لطبيعة العلاقات بين إيران وإسرائيل، فرغم الخطاب الإيراني المستمر بدعم فلسطين والقدس، إلا أن إيران لم تتدخل عسكريًا بشكل مباشر منذ بدء العدوان على غزة. يبدو أن إيران تُفضّل تحريك أدواتها مثل الحوثيين وحزب الله ضمن حسابات معقدة، دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. هذه الأحداث كشفت عن استغلال إيران للقضية الفلسطينية كأداة تخدم مصالحها الخاصة بعيدًا عن القيم التي تروج لها.
كيف ترى تأثير ذلك على حزب الله؟ وهل تستطيع إيران دعم الحزب في ظل هذه الظروف الصعبة؟
أعتقد أن حزب الله يمر بمرحلة تاريخية صعبة لم يشهدها من قبل. صحيح أنه تم اغتيال عباس الموسوي، المسؤول الثاني والأمين العام السابق للحزب، لكن الظرف والسياق حينها كانا مختلفين. لم يكن الموسوي يتمتع بنفس درجة التأثير أو الكاريزما التي كان يتمتع بها حسن نصر الله، ولم يكن في منصبه لفترة طويلة.
حزب الله مر بتجارب مشابهة، لكن ليس بنفس العمق أو السياق. حجم الاختراق الأمني والاستخباراتي داخل الحزب بلغ مستوى كبيرًا، مما مكن الأطراف المعادية من الوصول إلى حسن نصر الله واغتياله، بالإضافة إلى استهداف أجهزة الاتصالات الخاصة بالحزب. هذا الاختراق يمثل ضربة كبيرة لقيادات الحزب.
الوضع الحالي أثر نفسيًا على الحزب، مما جعله يشعر بالخسارة حتى قبل دخول الحرب. اغتيال حسن نصر الله وقيادات أخرى، مثل فؤاد شكر، يُعتبر هزة كبيرة جدًا. نحن في مرحلة شديدة التعقيد والحساسية.
أما عن مستقبل الحزب، أعتقد أنه سيظل موجودًا، ولكن في أي سياق إقليمي ودولي ومع أي آليات وأدوات. الوضع صعب للغاية، وقد يكون من مصلحة حزب الله أن تُعطى له فرصة لالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب أوراقه. لكن إسرائيل ونتنياهو يحاولون استغلال الموقف لتقليص نفوذ الحزب، خاصة مع تدخل بعض الأطراف لمحاولة معالجة الوضع من خلال انتخاب رئيس للبنان، مما قد يؤدي إلى تقليل نفوذ الحزب على المستويات السياسية والأمنية.
إيران لن تقبل بسهولة بتراجع حزب الله، لأنه يُعتبر الذراع الأساسية للتعبير عن مصالحها وقد استثمرت فيه بشكل كبير. من المحتمل أن تتحمل إيران جزءًا من المسؤولية عن الوضع الحالي نتيجة للتردد في إدارة الأمور. لذا، أرى أن إيران ستسعى لمساعدة الحزب والحفاظ على وجوده في المشهد اللبناني، رغم الضغوط الكبيرة والتغيرات القاسية. حزب الله قد يبحث عن قيادة جديدة، خاصة في ظل الضغوط التي استهدفت الشخصيات القيادية مثل عاشم صفي الدين، الذي يُعتبر الخليفة المحتمل لحسن نصر الله.
إيران تواجه ضغوطا دوليا بسبب البرنامج النووي هل يوفر التصعيد الحالي فرصة للولايات المتحدة أو إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية؟
إيران تواجه ضغوطًا دولية متزايدة بسبب برنامجها النووي، وكانت هناك محادثات دامت لسنوات طويلة، ولكن بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، استمرت محادثات فيينا لشهور دون جدوى، وشهد الملف جمودًا، خاصة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ومن بعدها الحرب في غزة.
استغلت إيران هذا الوضع لتزيد من إجراءاتها المتعلقة بنسبة التخصيب، حيث رفعت نسبة التخصيب في بعض المنشآت لتصل إلى حوالي 85% - 88%، وقد تكون قامت بتركيب أجهزة طرد مركزي من طراز IR-5 وIR-6 في منشأة نطنز، مما يقرّبها من إمكانية إنتاج قنبلة نووية. بالإضافة إلى إلأ نشطة الإنشطارية في منشآت غير معلنة، والتي رصدتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما أدى إلى تصعيد الملف النووي الإيراني.
بعد الضربة الإيرانية لإسرائيل في 13 أبريل، حاولت الولايات المتحدة إرضاء إسرائيل من خلال زيادة الضغوط عبر مجلس الأمن والوكالة الدولية للضغط على إيران لتقديم المعلومات والعودة إلى الشفافية. لكن تصعيد الأوضاع في غزة ولبنان أدى إلى تراجع التركيز على الملف النووي.
أرى أن الأوضاع وصلت إلى مفترق طرق، حيث انخفضت الضغوط الغربية والأمريكية نوعًا ما، ومع ذلك، لا يزال الملف النووي الإيراني قابلًا للعودة إلى الواجهة.
أعتقد أن التصعيد في المنطقة قد يوفر فرصة لإسرائيل لبحث خيار استهداف المنشآت النووية الإيرانية، كما أشارت بعض التقارير الأجنبية والمسؤولين الإسرائيليين. لكن هذه الخطوة لن تكون سهلة، لأنها قد تدفع إيران إلى الدخول في معركة شاملة وواسعة.
أعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة ستفكران جيدًا قبل اتخاذ هذا القرار، خاصة مع اقتراب انتهاء فترة ولاية جو بايدن، الذي قد يفضل ترك هذا القرار للإدارة الجديدة، والتي قد تكون بقيادة دونالد ترامب. في الوقت الحالي، قد نرى تصعيدًا في استهداف منشآت نفطية أو عسكرية إيرانية، لكن خيار استهداف المنشآت النووية يبقى مطروحًا، لوإن كنت أعتقد أنه سيؤجل لبعض الوقت نظرًا لعدم مناسبة الظرف وعدم وصول إيران لدرجة الخطورة في هذا التوقيت
كيف تتوقع أن يكون رد إيران في حال قامت إسرائيل بتصعيد عسكري وخاصة فيما يتعلق بالمنشآت النووية؟
إذا حدث ذلك، سنكون أمام تصعيد خطير وسريع، حيث يُعتبر هذا الإجراء تجاوزًا لقواعد الاشتباك السابقة التي تحكم العلاقات بين الدولتين.
التوترات السابقة بين إيران وإسرائيل كانت تتمثل بشكل رئيسي في اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين (منذ عام 2009 وحتى 2022) واستهداف قيادات الحرس الثوري وفيلق القدس، سواء في سوريا أو في مواقع أخرى، بالإضافة إلى ضربات محدودة على مراكز الطاقة والمنشآت العسكرية، مثل استهداف منشأة "ناطنز" للطاقة ومنشآت أخرى.
في المقابل، ردود إيران كانت تركز على التحرش بالسفن الإسرائيلية، الهجمات السيبرانية، واستخدام الميليشيات لتنفيذ هجمات بطائرات مسيرة من داخل سوريا. رغم هذه المناوشات المستمرة، فإن استهداف المنشآت النووية سيشكل تصعيدًا غير مسبوق، خاصة إذا تم استهداف منشآت حيوية مثل "ناطنز"، أو "فوردو"، أو "أراك" التي تعمل بالماء الثقيل، مما يضع البرنامج النووي الإيراني في خطر.
لكن الحديث عن رد إسرائيلي قد لا يصل إلى حد استهداف المنشآت النووية، بل قد يركز على ضرب مواقع عسكرية أو منشآت نفطية، مثل مصافي النفط. هذا الرد قد يحقق أهداف إسرائيل من دون استهداف مباشر للبرنامج النووي، لكنه سيستفز إيران بشكل كبير، وقد يؤدي إلى تصعيد أوسع في المنطقة
إيران لديها أدواتها التي قد تستطيع استخدامها بشكل مباشر، وخاصة المليشيات الموجودة في العراق التي دخلت على الخط مؤخرًا واستهدفت إسرائيل والأهداف الأمريكية. وقد تؤثر تلك العمليات على إنتاج النفط، مما يؤثر على العالم بشكل غير مسبوق إيران قد ترد بتعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز أو تهديد التجارة الدولية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة ويخلق أزمة عالمية وبناء على ذلك يمكن ان نبني الرد الإيراني
ما مدى جاهزية ايران لخوض حرب شاملة مع إسرائيل في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية الداخلية التي قد تؤثر على موقفها العسكري؟
أرى أن إيران ليست قادرة على خوض حرب مفتوحة، وهناك عوامل عديدة تؤثر على هذا الموقف، منها الأوضاع الاقتصادية والأعباء الكبيرة على النظام الإيراني. الشعب الإيراني لا يستطيع تحمل هذه الظروف، والنظام يخشى أن تؤدي حرب واسعة إلى شلل في الاقتصاد، خاصة أن الأوضاع في إيران وصلت إلى مستويات من التدهور لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإيراني.
تراجعت العملة بشكل غير مسبوق، وارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير، كما تزايدت معدلات الفقر مع تراجع الدعم الحكومي ورفع الدعم عن البنزين والعديد من السلع الأساسية. الاحتجاجات تجاوزت الحواجز المفروضة والقدسية الدينية المرتبطة بالمرشد الأعلى والنظام، ما يدل على أن الغضب الشعبي يمتد ليشمل الجميع وليس فقط الأقليات غير الفارسية.
أما بالنسبة لمدى جاهزية إيران لخوض حرب شاملة مع إسرائيل، أرى أنها غير جاهزة للدخول في معركة شاملة، ولكن قد تجد نفسها مضطرة لخوض هذه الحرب أو التدخل بطرق معينة حسب مجريات الأحداث أو عند تعرض خطوطها الحمراء أو أمنها القومي للخطر.
لكن في الظروف الطبيعية، لا أرى أن من مصلحة إيران الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لأن الأمر لا يتعلق فقط بإسرائيل، بل أيضًا بالدعم العسكري المباشر من الولايات المتحدة، الذي يُعتبر ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية.
هل سيكون للحليف الروسي دور حال دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر لدعم إسرائيل؟
اعتقد لن يكون الأمر كما هو متوقع ليست هذه المعركة هي المعركة الأساسية لروسيا. لا أعتقد أن روسيا ستدخل في مواجهة مباشرة لدعم إيران ضد الولايات المتحدة، حيث تركز حاليًا على معركتها في أوكرانيا ومواجهة العقوبات الغربية.
رغم وجود تعاون عسكري بين إيران وروسيا، خصوصًا فيما يتعلق بدعم إيران لروسيا من خلال تزويدها بطائرات مسيرة من نوع "شاهد 36"، والتي كانت لها دور مهم وحاسم في العمليات داخل أوكرانيا، هناك حالة امتنان روسي لإيران، يقابلها دعم وتعاون معين بين الطرفين. أرى أن كلا الطرفين مستفيدين من هذه العلاقة.
ومع ذلك، فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل يختلف تمامًا عن الدعم الروسي لإيران. روسيا لن تدخل في حرب مباشرة في مواجهة مفتوحة من أجل إيران. على الرغم من أن إيران وروسيا تشتركان في العداء للولايات المتحدة.
هل ترى أن العالم على مشارف حرب شاملة في الشرق الأوسط؟
النظام العالمي الحالي يعاني من ضعف واضح وعجز في حل الأزمات الكبرى، مثل الحرب في غزة والتصعيد مع حزب الله، إضافةً إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
ورغم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، سواء في الحرب التجارية أو النزاع حول تايوان، وبين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا، هذه الأزمات لا تزال تُدار من خلال وسطاء وليس عبر مواجهات مباشرة.
القوى الكبرى مثل روسيا والصين ستتحرك فقط لحماية مصالحها الخاصة، وليس هناك تحالفات واضحة قد تؤدي إلى حرب شاملة في الوقت الحالي.
تعتقد أن الدول العربي مصلحتها التعاون مع إيران أم اتخاذ الجانب الأمريكي؟
الدول العربية تواجه مأزقًا بين العداء لإسرائيل وحالات التطبيع، حيث يبقى هناك حاجز شعبي ورسمي. رغم الحديث عن التعاون، فإن الاستقرار العربي مرتبط بسلوك إسرائيل وانتهاكاتها. لذا، تظل المعادلة قائمة بين الهدوء والتصعيد.
أما مسألة الاختيار بين الولايات المتحدة وإيران، فهي ليست بسيطة، فالدول العربية ترفض السياسات الإسرائيلية وتؤكد على حقوق الفلسطينيين، لكن بعض الحركات مثل حماس وحزب الله قد تعكس تبعية لإيران. هذا يثير الشكوك لدى بعض الدول العربية.
ستسعى الدول العربية لتهدئة الأوضاع ودعم الاستقرار، ولكن ليس بالتضامن مع إيران في تحركاتها العسكرية، لأن إيران تستخدم القضية الفلسطينية كغطاء لتحركاتها. كما أن هناك عداء كبير بينها وبين الدول العربية، خاصة الخليجية والسعودية، رغم محاولات التهدئة.
أيضًا، فإن العداء الأمريكي ليس واضحًا بسبب المصالح الضاغطة، فالدول العربية ترفض الممارسات الإسرائيلية، ولكنها لن تدعم إيران أو تكون في صف إسرائيل. لذا، ستبقى الدول العربية في منطقة وسط، أقرب للقضية الفلسطينية ولكنها ليست متحالفة مع أي من الطرفين.
الموقف العربي مرتبط بتأثير الولايات المتحدة، إذ تُعد القوة الكبرى القادرة على التأثير. علاقات العداء والصداقة ليست قوية مع أي من الطرفين، بل هناك محاولة للحفاظ على خطوط الاتصال للوصول إلى حلول.
هل تعتقد أن هناك دورًا لجواسيس داخل النظام الإيراني أسهم في تصاعد الأحداث من اغتيال إسماعيل هنية وأيضًا حادثة طائرة الرئيس الإيراني السابق؟
مسألة وجود اختراق أمني واستخباراتي في الحرس الثوري أو داخل حزب الله كانت دائمًا موجودة، ولكن أن يصل الأمر إلى هذا المدَى كانت المفاجأة. الجديد هو اختراق حزب الله اللبناني بهذا الشكل، خاصةً أن الحزب ظل لسنوات طويلة منغلقًا على ذاته، مع اتباع نظام أمني واستخباراتي شديد التعقيد، مما أدى إلى فشل أي محاولات لاستهداف حسن نصر الله في مراحل سابقة.
لكن الإشكالية، في رأيي، تتعلق بعدد من الأخطاء المركبة. أولها انفتاح حزب الله على قيادة وتدريب والقيام بأدوار مختلفة في الداخل السوري، سواء لتدريب الميليشيات أو التنسيق معها. وهذا الانفتاح ساهم في تسلل أو اختراق الحزب بشكل ما.
ثانيًا، حسن نصر الله في أحد خطاباته، أو ربما في التعليمات التي وجهها لقادة الحزب، حذرهم من استخدام أجهزة المحمول في الاتصالات، مما أشار إلى إدراك إسرائيل أنها ستستخدم أجهزة اتصالات لاسلكية خاصة. من ثم، تمكنت إسرائيل من تعقب هذه الأجهزة، ربما عبر اختراق الشركة المصنعة أو أنظمة التشغيل، مما أدى إلى ارتفاع حرارة الأجهزة وانفجارها بشكل أو بآخر.
هذا تطور مهم يؤكد أننا أمام معركة جديدة، معركة بين التكنولوجيا وقدرات الذكاء الاصطناعي، والأطر التقليدية المتعلقة بالحماسة الثورية والولاء.
خطأ ثالث يتمثل في تركيب أجهزة تعقب لإشعارات الذبذبات المتعلقة بالطائرات دون طيار وبعض التكنولوجيات العسكرية الإسرائيلية. هذه الأجهزة وُضعت في سيارات القيادات، مما أتاح لإسرائيل تتبع الإشارات الخاصة بها واستهداف القيادات بشكل أكثر دقة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك تجنيد لبعض العناصر كنوع من الجواسيس الذين تم زرعهم على مستويات مختلفة، وهذا وارد في ظل نشاط إسرائيل عبر الموساد والشباك. وبالتالي، اغتيال إسماعيل هنية كان ناتجًا عن وجود جواسيس في الداخل الإيراني، وأن هؤلاء الجواسيس قد يكونون قريبين من قيادات النظام. أعتقد أن اغتيال هنية لم يكن مجرد رسالة موجهة لحماس، بل رسالة تحذير بأننا قادرون على الوصول إلى القيادات الإيرانية.
هذا يعيد التفكير في ما حدث مع طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. أعتقد أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الحادثتين، لكن لم يُبرز ذلك وقت الحادثة نظرًا لعدم وجود أدلة واضحة. ربما إيران لم تكن مرتاحة لفكرة الإعلان عن مسؤولية إسرائيل في هذا الاستهداف، لأنه يعتبر اختراقًا شديدًا للنظام، مما قد يحرجه إذا لم يستطع الرد بشكل متوازن. لذلك، أثر الصمت أو تجاهل هذه الرواية حتى لا يحرج النظام. ولكن ما تحقق بعد ذلك من اغتيال إسماعيل هنية والأحداث الأخرى في لبنان يؤكد أن أيادي إسرائيل لم تكن بعيدة عن هذه العمليات، مما يشير إلى اختراق إسرائيلي لأبعد المستويات.
ما تعليقك على من يقول إن ما يحدث مسرحية بين إيران وأمريكا وإسرائيل؟
تتردد بعض الأقاويل حول وجود مسرحية بين إيران وإسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، وهذا الكلام يحمل بعض المبررات. إذ أن ما يحدث في المنطقة عادة ما ينتج عنه تبعات وخسائر تعاني منها العديد من الدول، وليس إيران وحدها. على سبيل المثال، التحركات الحوثية في اليمن والبحر الأحمر، التي تُديرها إيران، لا تؤدي إلا إلى الإضرار بإيرادات مصر من قناة السويس، دون أن تستفيد المنطقة من ذلك.
هذا الوضع أدى إلى استدعاء القوات الأمريكية إلى المنطقة عبر "تحالف الازدهار" و"عملية سبيدس"، مما يعزز الخطر الأمني والتواجد العسكري الغربي، وهو أمر لا يخدم المنطقة. كما يؤثر على الأسعار الدولية وسلاسل التوريد، مما ينعكس سلبًا على دول المنطقة، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق، حيث تركت فراغًا ملأته إيران، مما أدى إلى بروز ميليشيات ونفوذ إيراني كبير.
فيما يتعلق بالخطاب الإيراني العدائي تجاه إسرائيل، فهو في الأساس سياسي ووجداني، دون أن يصل إلى مواجهات ميدانية مباشرة. لم يصل "فيلق القدس" إلى القدس، ولم يحدث أي صراع مباشر بين إيران وإسرائيل. هذه المواجهات، رغم بعض مؤشرات العداء، تُعزز في النهاية النفوذ الإيراني وتخدم أهداف إسرائيل.
أعتقد أن العداء بين الطرفين موجود، ولكنه لا يرتقي إلى مستوى التهديد الوجودي. الأولوية لإيران تبقى في بناء الدولة الفارسية وتحقيق أهدافها الأيديولوجية والطائفية. وفي النهاية، لم تخض إيران حربًا شاملة مع إسرائيل ألحقت بها خسائر كبيرة، ورغم بعض المواجهات السابقة، فإنها لا تتناسب مع الخطاب التاريخي الذي تبنته إيران على مدار سنوات، وعندما جاء وقت الاختبار، لم تقم إيران بأي شيء ملموس.