علي جمعة يشرح معجزات النبي محمد
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه إذا كانت حياة القلوب والأرواح نبعت من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك نبع الماء الذي هو سبب حياة الأبدان من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله. قال: فلقد رأيت الماء ينبغ من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: “قضية نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم تكررت منه صلى الله عليه وآله وسلم في عدة مواطن، في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة، يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من المتواتر المعنوي، ولم يسمع بمثل هذه المعجزة من غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه”.
وقد استجاب الحجر لضربته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق، ولم يعص حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فصار له رملا متفتتا، وقد عجز أصاحبه أن يفتتوا منه جزءا يسيرا، فعن أيمن المخزومي رحمه الله قال: «أتيت جابرا رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نزال ثم قال، وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل ـ أو أهيم».
معجزة الشاة
ونطقت الشاة بعد ذبحها وشيها محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وخوفا عليه، فأخبرته أنها مسمومة، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه برفع أيديهم عنها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألها عن ذلك ؛ فقالت: أردت لأقتلك. قال: ما كان الله ليسلطك علي»، وفي حديث جابر رضي الله عنه: « قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهودية، فدعاها. فقال لها: أسممت هذه الشاة ؟ قالت اليهودية: من أخبرك ؟ قال: «أخبرتني هذه في يدي» للذراع.
وقد تكرر إخبار الشاة بعد ذبحها وطبخها كذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خوفا عليه، وحبا له؛ حيث خشيت أن يدخل جوفه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم طعام فيه شبهة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة، واتخذت لهم طعاما، فلما رجع قالت: يا رسول الله، إنا اتخذنا لكم طعاما، فادخلوا فكلوا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وكانوا لا يبدؤون حتى يبتدئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقمة فلم يستطع أن يسيغها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلها، فقالت المرأة، يا نبي الله، إنا لا نحتشم من آل سعد بن معاذ، ولا يحتشمون منا، نأخذ منهم ويأخذون منا».
كما كانت الحيوانات تجل ذكره، وتهابه وتحبه حتى في عدم حضرته، فعن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ركبت البحر، فانكسرت سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحا من ألواحها، فطرحني اللوح في أجمة فيها الأسد. فأقبل إلى يريدني. فقلت: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فطأطأ رأسه وأقبل إلي، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة، ووقفني على الطريق، ثم همهم، فظننت أنه يودعني، فكان ذلك آخر عهدي به»