تعليق دار الإفتاء على واقعة طبيبة كفر الدوار
في أول رد من جانب المؤسسات الدينية على واقعة طبيبة كفر الدوار وسام شعيب، والتي آثارات جدلًا كبيرًا، بعدما نشرت مقطع فيديو تضمن وصفًا لحالات حمل سفاح لفتيات، بينهن طفلة 17 عامًا، في شهرها الثامن، وأن أسرتها حاولت إجهاضها، وفيديو آخر تحدث عن سيدة لجأت إلى الزواج العرفي من شاب أصغر منها لتسجيل الطفل باسمه، مؤكدة أن الطفل نتاج علاقة غير شرعية من رجل آخر.
وقالت دار الإفتاء، إن احترام خصوصياتِ الآخرين واجبٌ شرعيٌ وأخلاقيٌ، ومِن مظاهر احترامِ خصوصية الآخرين، -عدم نَشْر المقاطع المُصوَّرة أو المسموعة عن تفاصيل حياتهم وما يصنعونه -سواء كان هذا الصَّنيع مُبَاحًا أو لا-، فالشرع الشريف نَهَى عن نَشْر وإشاعة ما يُعيَّب به المرء؛ لأنَّ فيه تتبُّعًا للعورات.
لا تغتابوا المسلمين
واستشهدت الإفتاء في فتوى لها، في إجابتها عن سؤال: «كيف حث الإسلام على احترام خصوصية الآخرين؟» بقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يَدخُل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتِهم، فإنَّه مَن اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومَن يتبع الله عورته يَفْضَحه في بيته» (رواه أبو داود).
أمر بالستر
وتابعت دار الإفتاء: إن الشرع الشريف أمر بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعيوبهم، وعدم تتبع عوراتهم، وعدم التشهير بهم؛ لئلا يكون سببًا في نشر السوء من وجه، وسترًا وعونًا على التوبة وإصلاح النفس من وجه آخر؛ فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وواصلت الإفتاء: وفي رواية أخرجها الإمام ابن ماجه في "سننه": «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ»؛ قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 638، ط. دار الحديث): [من ستر مسلمًا اطلعَ منه على ما لا ينبغي إظهارهُ من الزلاتِ والعثراتِ، فإنه مأجور بما ذكره من سترهِ في الدنيا والآخرة؛ فيسترهُ في الدنيا بألَّا يأتي زلةً يَكْرَهُ اطلاعَ غيرهِ عليها، وإن أتاها لم يُطلعْ الله عليها أحدًا، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك].
وأكملت: قد حرص الإسلام على احترام خصوصية الإنسان، وهو أمر داخل في مقصد حفظ العرض، وهو أحد المقاصد الكبرى للشريعة، وشرع الله عزَّ وجلَّ لأجل ذلك من الأحكام والتشريعات ما يحفظ به للإنسان حقه في الخصوصية، في هيئته وصورته، وهذا ليس مقصورًا على أن يخترق الإنسان سترًا مسدلًا أو أن ينظر إلى عورةٍ، بل هو نهيٌ عن عموم اختراق خصوصية الآخرين بغير علمهم وبغير ضرورة لذلك.
وكان قد رفض الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، تصريحات الطبيبة وسام شعيب، التي أفشت فيها أسرار المرضى، قائلًا: «إشاعة الأسرار أو كشفها أو كشف الأمور الخاصة التي يُعيَّر بها الإنسان يحرم البوح بها تحريمًا مؤكدًا لا سيما ما يتعلق بأمن الوطن».
ونبه الدكتور أحمد كريمة في تصريح له، على أنَّ هناك أسرارًا شخصية وأخرى عامة، وأن كل ما هو متفق عليه أو اقتضى العرف عدم البوح أو الكلام عنه فلا يجوز أن يتم إفشاؤه.
وشدد على أنَّ الأسرار الأمنية أو العلمية أو العسكرية يحرم تمامًا على الإنسان أن ينشرها، لكونها تضر بالوطن والأمن المجتمعي، كذلك بالأمر بالنسبة للأسرار الشخصية.
منهج الإسلام هو الستر
وأشار أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى أن منهج الإسلام هو الستر والاستتار، كما جاء بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سَتَر مسلمًا سترَهُ اللَّهُ في الدُّنيا والآخرةِ» (رواه مسلم)، موضحًا أن هذا الأمر يشمل المجتمع الإنساني بأسره وليس فقط المسلمين.
وختم: إن كل فعل فيه إشاعة الأسرار أو كشفها أو كشف الأمور الخاصة التي يُعيَّر بها الإنسان فيحرم البوح بها تحريمًا مؤكدًا، لا سيما ما يتعلق بأمن الوطن.