الدكتور وائل كامل يكتب: نظم التقييم واستقلال الجامعات
حسنا فعل المجلس الأعلى لـ الجامعات بإلغاء قرار تعميم نظام الاختيار من متعدد بالامتحانات، وإصداره قرار بضرورة وجود أسئلة مقالية بجانب الاختيار من متعدد.
العديد من الجامعات الأوروبية، مثل جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، تعتمد بشكل رئيسي على الأسئلة المقالية في تقييم الطلاب، حيث تهدف إلى تقييم الفهم العميق والتحليل.
وفي المقابل يعتمد النظام التعليمي في بعض الجامعات الأمريكية على استخدام الاختيار من متعدد في بعض المواد، ولهذا فان النظم التي تركز على الأسئلة المقالية تعد الطلاب بشكل أفضل لسوق العمل الذي يتطلب مهارات التفكير النقدي والإبداعي، بينما النظم التي تعتمد على الاختيار من متعدد قد تهيئ الطلاب للمعلومات السطحية دون تطوير مهارات التفكير المعمق.
ومن المتعارف عليه فرق القوة التعليمية بين التعليم الاوروبي والتعليم الامريكي في جودة خريجيه.
وبالرغم من أنها خطوة جيدة إلا ان هناك تدخل واضح من قبل المجلس الاعلى للجامعات في تنظيم وإشراف الامتحانات.
فعلى الرغم من أن الجامعات من المفترض أن تتمتع بالاستقلالية الأكاديمية والعلمية، إلا أن تدخل المجلس الأعلى للجامعات في كل صغيرة وكبيرة بشأن نظم الامتحانات والإجراءات الأكاديمية يؤدي إلى تقليص هذا الاستقلال، مما قد يتعارض مع فلسفة التعليم الجامعي القائم على تعددية المدارس الفكرية وحريتها وضرورة تمكين الأساتذة من اتخاذ قرارات تتناسب مع تخصصاتهم. وهذا التداخل قد يؤدي إلى تبني أساليب تعليمية موحدة لا تتماشى مع احتياجات وتوجهات كل تخصص جامعي بكل جامعة على حدة.
يتعارض هذا التدخل مع مبادئ الدستور المصري الذي ينص في أكثر من مادة على ضرورة استقلالية الجامعات في الشؤون الأكاديمية والعلمية. فقد أكدت المادة 21 من الدستور المصري لعام 2014 على أن "الجامعات هي مؤسسات علمية مستقلة".
وهذا النص يُفترض أن يضمن للجامعات الحق في اتخاذ قراراتها الأكاديمية بعيدًا عن التدخلات من السلطات التنفيذية. إلا أن الواقع يشير إلى أن المجلس الأعلى للجامعات يُسيطر ويتدخل بشكل تام في كافة الأمور الأكاديمية، وهو ما يحد من قدرة الجامعات على تحقيق استقلالها الكامل.
ومؤخرا لعبت الإدارة الاستثمارية للجامعات دورًا مهمًا في نظم إدارة الجامعات تحت دافع نقص موازنات التعليم وتوفير الموارد اللازمة للتطوير وفي هذا السياق تم اقرار نظام الاختيار من متعدد كأداة تُستخدم لتقليل التكاليف الخاصة بالامتحانات، خاصة فيما يتعلق بتوفير ميزانية اوراق الاجابات والاسئله وكلفة التصحيح اليدوي على حساب جودة نظام التقييم والتقويم وجودة الخريج نفسه.
إذ يعتبر هذا النظام وسيلة لتوفير الكثير من الموارد المخصصة للامتحانات، خاصة في الجامعات ذات الكثافة الطلابية العالية.
لكن، رغم أن نظام الاختيار من متعدد قد يكون له فائدة اقتصادية في ظل ارتفاع تكاليف طباعة وتصحيح الامتحانات التقليدية، فإنه قد يطرح تساؤلات بشأن جودة التعليم ومدى فعالية هذا النظام في قياس مستوى الفهم العميق للطلاب بكل تخصص على حدة، فالإعتماد على هذا النوع من الأسئلة قد يُضعف القدرة على تقييم مهارات التفكير النقدي والإبداعي، التي من المفترض أن تكون جزءًا أساسيًا من التعليم الجامعي.
ولهذا يتضح أن هناك تحديات كبيرة تواجه استقلال الجامعات من حيث فلسفة التعليم الأكاديمي والإدارة الاستثمارية. في حين يُفترض أن تسعى الجامعات لتحقيق بيئة علمية مستقله متنوعة تتيح للطلاب والأساتذة ممارسة التفكير النقدي وتطوير العلوم المختلفة بمدارسه المتعددة.