السيد خيرالله يرصد: حبس الاطباء لمصلحة لمن ؟!
تحدثت فى وقت سابق عن أحوال الأطباء فى مصر تحت عنوان (ارفعوا أيديكم عن الأطباء)، واليوم، أتحدث عما جاء فى مشروع قانون المسؤولية الطبية- الذى تأخر كثيرًا- والذى أرسلته الحكومة إلى مجلس النواب، والذى أحاله إلى مجلس الشيوخ لإبداء الرأى.. وقد أعلنت نقابة الأطباء أنها تعترض بشدة على مواد فى مشروع القانون تبيح حبس الطبيب، وهو أمر لا وجود له فى كل القوانين المماثلة فى العالم من حولنا، فالطبيب هو ذلك الشخص الذى تتوافر لديه القدرة على كيفية تشخيص المرض وعلاجه طبقًا للمعايير العالمية المتفق عليها طبيًّا ولكنه ليس أبدًا مسؤولًا عن شفاء المريض، والذى هو بإذن الله، الذى قال فى كتابه الكريم بكل وضوح: (وإذا مرضت فهو يشفين).. وعلى الجانب الآخر من الصورة، فالطبيب هو إنسان يصيب ويخطئ، كما قال رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام: (كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون)، وفى حالة الخطأ فإنه يخضع كغيره للقانون حسب نوعية وكيفية الخطأ.. وبالقطع فلا يمكن على الإطلاق تصور وجود طبيب يتعمد الخطأ فى علاج مريضه، ومن هنا جاء ما يسمى الموافقة المستنيرة من متلقى الخدمة الطبية أو مَن يُنيبه، بعد تبصيره من الطبيب بجميع جوانب الخدمة، وعلى الأخص الآثار أو الأخطاء المحتملة من هذا الإجراء الطبى، وهو ما اتفق عليه الوسط الطبى فى كل دول العالم.
إن المفترض من هذا القانون أنه لا يهدف إلى تحميل الأطباء أعباء زائدة بقدر ما يسعى إلى وضع معايير عادلة للمساءلة تمنع الإهمال، وتحمى أرواح المرضى، دون أن تنال من ثقة الأطباء فى ممارسة مهنتهم النبيلة، ويكفيهم ما يعانونه من مصاعب ومشاكل أدت إلى هجرة الكثيرين منهم، للأسف الشديد.. وسوف أناقش بعض ما جاء فى هذا القانون:
١- تم تشكيل لجنة عليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض، تتبع السيد رئيس الوزراء، وتضم حوالى ١٥ عضوًا، معظمهم من المهن الطبية فى كليات الطب ووزارات الداخلية والدفاع والإنتاج الحربى وغيرها، ويرشح وزير الصحة عضوًا من أعضاء المهن الطبية من ذوى الخبرة البارزين والمشهود لهم بالكفاءة العلمية كما يختار وزير التعليم العالى والبحث العلمى عضوًا مماثلًا ويختار رئيس الوزراء أحدهم رئيسًا للجنة والآخر نائبًا له.. وكنت أتمنى أن يكون هذا الاختيار من مهام نقابة الأطباء باعتبارها الممثل الشرعى لجموع الأطباء فى مصر.
٢- جاء فى المادة ٢٧ من مشروع القانون أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ٦ أشهر وغرامة لا تتجاوز ١٠٠ ألف جنيه أو إحدى العقوبتين مَن يتسبب بخطئه الطبى فى وفاة متلقى الخدمة، وبالحبس مدة لا تقل عن سنة نتيجة خطأ جسيم أو كان متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند تقديم الخدمة أو امتنع وقت الواقعة عن مساعدة مَن وقعت عليه الجريمة، مع تمكُّنه من ذلك.. وهناك فرق كبير بين الخطأ الطبى والإهمال الطبى الجسيم، فالخطأ وارد مادام الطبيب ملتزمًا بكل قواعد المهنة، ويعاقب عن الخطأ بالتعويض، باعتباره مسؤولية مدنية وليست جنائية، مع ضرورة وجود صندوق للتعويض، كما أنه لا بد من الانتباه إلى المضاعفات الطبية المتعارف عليها، والتى يكون المريض على علم بها فى الموافقة المستنيرة.
٣- أتفق تمامًا مع، د. أسامة عبدالحى، نقيب الأطباء، فى أنه لا يجوز أبدًا الحبس الاحتياطى فى الاتهامات التى تُقام ضد الطبيب أثناء تأدية مهمته أو بسببها، حيث إن مبررات الحبس الاحتياطى غير متوفرة فى القضايا المهنية، وهو المعمول به فى معظم دول المنطقة.
خلاصة الأمر.. الطبيب المصرى لن يتحمل أعباء زائدة فوق التى تحيط به فى تعليمه وعمله واحتياجاته المعيشية، ولا بد من مراجعة سريعة وأمينة لهذا القانون.. وللحديث بقيه