خلف واجهات الكافيهات: عالم مظلم من المخالفات والجريمة المنظمة في مصر
بلد الـ2 مليون قهوة..
30% منها دون ترخيص.. أخطر جرائم المقاهى الشعبية والكافيهات
20% من الجرائم فى المناطق الحضرية ترتكب داخل الكافيهات والمقاهى
«أبوعمرو»: القانون لا يمنع وجود المطاعم والكافيهات تحت العمارات
خبير قانونى: بعض أصحاب المشروعات يتوسعون دون تصريح ويجورون على ممتلكات عامة
ضياع 40% من رواتب الموظفين والعمال على «قعدة القهاوى».. وإنفاق 40 مليار جنيه سنويًا على «الدخان»
تمثل الكافيهات في مصر مساحة اجتماعية مهمة، حيث يتجمع الشباب والعائلات للاستمتاع ببعض الوقت، فهى تعتبر من أكثر المشاريع ربحية أو كما يطلق على أصحابها «تجار المياه الساخنة».
إحصائيات صادمة
وفى السنوات الأخيرة تحولت العديد من المحلات التجارية إلى مقاهي وكافيهات، يمتلك بعضها صفوة المجتمع من المشاهير كنجوم الفن وكرة القدم، والبعض الآخر يمتلكه بلطجية وآخرون يلجأون للمقاهي الشعبية من أجل الربح السريع.
ولم تعد المقاهى مقصورة فقط على الراحة والاسترخاء وتقديم المأكولات والمشروبات، ولكنها أصبحت بابا خلفيا يخفي وراءه ظاهرة مقلقة وقنبلة موقوتة تتمثل في انتشار الجرائم والمخالفات منها إزعاج السكان بأصوات التلفاز المرتفعة والمشاجرات بين الزبائن التي قد تصل للقتل أحيانا، إلى جانب احتلالها الأرصفة والشوارع لتشكل تهديدا لأمن المجتمع ككل.
تشير التقارير، إلى أن 30% من الكافيهات تعمل دون ترخيص، و40% منها تسجل نسبة شكاوى مرتفعة من المواطنين.
كما أظهرت الدراسات أن 20% من الجرائم المرتكبة في المناطق الحضرية تتعلق بمرافق مثل الكافيهات.
ووفق الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يوجد 2 مليون مقهى فى مصر، وتستحوذ محافظة القاهرة وحدها على 150 ألف مقهى، ويبلغ حجم إنفاق المترددين عليها 40% من رواتبهم، كما تبلغ التكلفة الاقتصادية التى ينفقها المصريون سنويا على تدخين السجائر والشيشة 40 مليار جنيه.
وتشير الإحصائيات إلى أن الإنفاق على التدخين بكل أنواعه يصل إلى 128 مليارا من متوسط دخل الأسر، وأثبتت أبحاث أجراها المركز المصرى لأبحاث مكافحة التدخين، أن أكثر الأماكن العامة ضررًا بالصحة هى المقاهي، حيث وصلت نسبة الجزيئات العالقة بالجو إلى 775 ميكروجرامًا لكل متر مكعب وهى نسبة شديدة الخطورة وطبقًا للقيادات الأولية، فعندما يتراوح عدد الجزيئات العالقة فى الجو ما بين 66 و250 ميكروجرام لكل متر مكعب، فهذا يعنى أن الهواء المحيط بالمكان غير صحى ويعرض الأفراد الموجودين به للإصابة بأمراض الرئة والقلب.
شكاوى المواطنين
تتعدد المخالفات التي ترتكبها الكافيهات في مصر، بدءًا من عدم الالتزام بترخيص الممارسة، وصولًا إلى انتهاك معايير الصحة العامة، على سبيل المثال، يوجد العديد من الكافيهات التي تعمل دون تراخيص قانونية، مما يجعل الأنشطة التي تقوم بها غير قانونية.
بالإضافة إلى ذلك، يشكو العديد من المواطنين من عدم نظافة هذه الأماكن، وافتقارها إلى المعايير الصحية اللازمة، مثل عدم توفر مطهرات اليد، وإدارة الطعام والشراب بشكل غير آمن.
كما ورد العديد من شكاوى المواطنين من سوء تنظيم الكافيهات وازدحامها المفرط مما يؤدي إلى تكدس الزبائن وزيادة الضوضاء، ويسبب هذا الأمر إزعاجًا للساكنين بجوار هذه الكافيهات، كما تلقت الجهات الحكومية شكاوى تتعلق بالتحرش والمشاجرات، والتي أصبحت متكررة في بعض الكافيهات.
واشتكى عدد كبير من سكان أحياء محافظة الجيزة من سيطرة إشغالات المقاهى ليلا على الشوارع الرئيسية، منها: الطوابق، واللبينى، وفيصل بحى الهرم، والمطبعة، والعريش، وأحمد لطفى السيد المجاور لمبنى المحافظة، وفيصل بحى عمرانية، وشوارع عدن وسليمان جوهر بالدقى، ومدينة الإعلام خلف مسرح البالون بحى العجوزة.
ونشر المواطن باسم الصاوي استغاثة موجهة لرئيس الحى قائلا: «تم الاستيلاء على رصيف شارع حسام الدين بسيونى تقاطع مع شارع عماد حمدي بالمنطقة التاسعة مدينة نصر، وإنشاء مظلات حديد واحتلال نصف الشارع بالترابيزات لصالح "سليم كافية" وهو مستأجر من شركة مضرب الأرز (شركة مطاحن الأرز التابعة لوزارة التموين) بالمنطقة التاسعة وجاري بناء الطابق الثانى لعمل امتداد للكافية وملهى ليلي بالدور العلوي، ناهيكم عن ما يتم تداوله من ممنوعات بهذا المكان وأعمال شغب وأعمال منافية للآداب، وغلق كامل للشارع بالسيارات وكم الإزعاج والصراخ طوال الليل بمنطقة سكنية بها كبار سن وأطفال وطلاب».
المشروع السويسرى
كما تضرر أهالى المشروع السويسرى بحى مدينة نصر فى محافظة القاهرة من المخالفات الصارخة، وفتح الأدوار السفلية بالعقارات مقاهى ومحال؛ مما يسبب حالة من الإزعاج للمواطنين، وتحويل الشقق السكنية إلى تجارية وسط العديد من الشكاوى إلى الحى ومحافظة القاهرة دون أدنى استجابة.
جرائم الكافيهات
تزايدت نسبة الجرائم المرتبطة بالكافيهات بشكل ملحوظ، في السنوات الأخيرة، وكان من أبرزها جريمة مقهى أسوان بمصر الجديدة التى هزت الرأي العام في مصر.
جريمة مقهى أسوان
أثارت جريمة مقهى أسوان بالكوربة في مصر الجديدة، مؤخرا، حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي راح ضحيتها محمد عبد الرازق وشهرته «حمص» مالك المقهى الشهير، على يد المتهم «ناصر» مالك محل عصائر، بـ6 طعنات متفرقة في الجسد وجرح ذبحي بالرقبة.
وكشفت تحريات مباحث القاهرة، عن ملابسات جريمة «قهوة أسوان»، في منطقة الكوربة بمصر الجديدة، وتبيّن أن صاحب محل عصائر أقدم على قتل نجل صاحب مقهى أسوان، بسبب ادعاء المجني عليه ملكية شقة بالطابق الخامس ومحل العصير بالعقار، فنشب بينهما مشادة كلامية اعتدى خلالها المجني عليه على صاحب العقار في الشارع أمام المارة ونشب بينهما مشاجرة دموية، على إثرها أخرج صاحب محل العصير من ملابسه سلاحا أبيض«مطواة»، وسدد له 6 طعنات بالجسد فسقط على الأرض غارقًا في دمائه مفارقًا الحياة.
التحرش بالفتيات
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نشبت مشاجرة بين عدد من الفتيات المنتقبات، وعمال أحد المطاعم الشهيرة بمنطقة عباس العقاد، وقالت إحداهن إنها تعرضت للتحرش من أحد العمال، لكن إدارة المطعم أنكرت ذلك، وصرحت بأن كل ما حدث هو أن مشرف الصالة اصطدم بواحدة منهن، أثناء عودتها من دورة المياه دون قصد فسبته ووبخته، ورغم هدوء الأمر قليلًا، إلا أنه عند نزول المنتقبات على السلم للخروج قابلن المشرف وانهلن عليه بالسب والشتم، وتدخل أحد الزبائن وزوجته وأولاده فنشبت مشاجرة بينهم.
مشاجرة بسبب المشاريب
وأقدمت ممرضة على إنهاء حياة عامل بأحد الكافيهات، بطعنة «كتر» برقبته، بعد أن اعتدى على والدها بالضرب؛ بسبب وجود خلافات قديمة تكررت يوم الواقعة وتطورت إلى مشاجرة بالأيدى، لتحضر الفتاة وفى يدها سلاح أبيض «كتر»، طعنت به العامل، طبقًا لما أورده محضر التحريات الأولية.
بينما قالت أسرة المجنى عليه «رامى»، إن شقيق المتهمة كان على خلاف مع ابنهم منذ عام؛ بسبب جلوسه فى الكافيه الذى يعمل به ورفضه دفع «قيمة المشاريب»، وسبق أن اعتدى عليه بالضرب وأحدث إصابته.
توسع دون حساب
وفي هذا الصدد، قال محمد شحاتة، المحامى بالنقض، إن مدينة دمياط على سبيل المثال كانت تشتهر قديمًا بنمط المشروعات الإنتاجية من خلال الورش وأصحاب الحرف، إلا أن المدينة تحولت، مؤخرًا، إلى خدمية أكثر من كونها إنتاجية، وحلت مكان الورش الكثير من المطاعم والمقاهى والكافيهات التى أخذت فى التوسع والانتشار حتى أصبحت أسفل المنازل ووصل ضوضاؤها إلى غرف النوم.
وأكد أنه رغم حصول بعض المطاعم أسفل العمارات السكنية على تصريح من الحى، فإن بعض أصحاب هذه المطاعم يقومون بالتوسع دون استخراج تصاريح جديدة للأماكن التى قاموا بضمها، ما ينتج عنه مشادات بين أصحاب المشروع والسكان بسبب الازدحام عند مدخل البناية، وفى كثير من الأحيان تحدث تعديات سافرة على الممتلكات العامة كالأرصفة والحدائق.
وأشار «شحاتة»، إلى أنه للحد من هذه الظاهرة لا بد أن تدعم الدولة بشكل جاد المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للقضاء على ظاهرة البطالة والمرتبطة بشكل مباشر بالمقاهى والكافيهات وزحفها على المجمعات السكنية.
ملتقى السكان
وفي السياق ذاته، قال مصطفى أبو عمرو، أستاذ القانون المدنى، وكيل كلية الحقوق بجامعة طنطا، إن انتشار المقاهى ومثيلاتها يهدف فى الأساس لاستقطاب كبار السن والشباب العاطل عن العمل، بعدما انحسر دور المراكز الثقافية والأندية والمراكز الشبابية، الأمر الذى رسخ فى عقلية المستأجرين وأصحاب المشاريع المتوسطة التفكير فى افتتاح المقاهى والكافيهات، خاصة فى المناطق السكنية لتكون ملتقى للسكان بمختلف أعمارهم.
وفيما يتعلق بقانونية مثل هذه المشاريع فى المناطق السكنية، يرى «أبو عمرو» أنه بالنسبة لمحال الطعام أو المقاهى فلا يوجد فى القانون ما يمنع وجودها فى محيط المناطق السكنية أو حتى أسفل العقار، ولكن هناك ضوابط وقواعد سلامة يحددها القانون، ويجب على رئيس الحى والبلدية الالتزام بها وتطبيقها وإجبار ملاك المشاريع أو المستأجرين باتباعها.
وأشار إلى ضرورة توافر مدخنة كبيرة أعلى العقار فى حالة وجود مطعم أو كافيه أسفله، حتى لا يتضرر السكان من الأدخنة المتصاعدة، مؤكدا أنه فى حالة عدم توافرها فإن المكان يعتبر مخالفًا لقواعد الأمن والسلامة.