رئيس التحرير
خالد مهران

التسعيرة تصل إلى 200 ألف جنيه..

البزنس الحرام لـ "الاتجار بالبشر" تحت ستار «التبنى» على مواقع التواصل الاجتماعى

بيع الأطفال
بيع الأطفال

انتشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتجارة وبيع الأطفال، خلال الفترة الأخيرة، في واحدة من أكثر الظواهر رعبًا والحديثة على المجتمع؛ في زمن هانت فيه البراءة، وبات الطفل سلعة تباع وتشترى، فبدلًا من احتضانه والعيش بين عائلته في سلام، يتم عرضه للبيع من قبل قلوب متحجرة لا تعرف الرحمة لها طريق؛ من أجل جني حفنة من المال؛ ضاربين بكل معاني الإنسانية عرض الحائط.

الطفل أشبه بالسلعة المعروضة

وظهر على «فيسبوك» مجموعات بعضها سرية، تحمل أسماء مثل «تبني طفل يتيم» و«أطفال مجهولة النسب» و«كفالة طفل يتيم»، يعرض فيها أشخاص أطفالهم للبيع؛ الأمر الذي تسبب في صدمة بالشارع المصري، لا سيما أن البعض ينسب تلك الأفعال للظروف المعيشية الصعبة التي قد تدفع البعض إلى التخلي عن كافة معاني الإنسانية واللجوء إلى عرض فلذة أكبادهم للبيع، ليتحول الأمر إلى ظاهرة تزداد انتشارًا يومًا بعد يوم حتى أصبح الطفل أشبه بالسلعة المعروضة يحصل عليها من يقدر ثمنها ويدفع أكثر.

وتستعرض «النبأ الوطني»، في هذا الصدد، عددا من المنشورات عبر صفحات «فيسبوك» الخاصة بعرض الأطفال للبيع؛ من أجل تحريك المياه الراكدة، وتحرك أجهزة وزارة الداخلية لرصد هذه الحسابات والصفحات وسرعة ضبط القائمين عليها من منطلق دورها في مكافحة الجريمة بشتى صورها، فضلًا عن مناقشة هذه الظاهرة مع الخبراء والمتخصصين لمحاولة كشف أسباب ودوافع هذه الظاهرة، خاصة هناك تسعيرة للبيع والشراء تتراوح ما بين 30 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه، حسب حالة الطفل ومواصفاته.

الجرائم الأكثر رعبًا في المجتمع

ففي واحدة من الجرائم الأكثر رعبًا في المجتمع المصري؛ تجرد شخص من كل مشاعر الإنسانية والأبوة، وعرض طفلته حديثة الولادة للبيع عبر أحد الجروبات على «فيسبوك»، بمقابل مادي، تحت ستار التبني.

وجاء في منشوره الذي كتبه من حساب باسم «م.ا» في جروب «تبني طفل يتيم» التالي: «طفلة حديثة الولادة للتبني بمقابل مادي حالتها الصحية جيدة جدًا، لون البشرة بيضاء، للتبني، التواصل خاص للجادين».

بينما ذكرت سيدة عبر تعليق لها على أحد المنشورات في جروب خاص بعرض الأطفال للبيع المنتشرة على «فيسبوك»: «أنا من مصر حامل في ولد في الشهر الثامن وداخلة في التاسع وقربت أولد، محتاجة أسرة محترمة مش عندهم أطفال يتبنوه بمقابل مبلغ مالي».

الذكر سعره مرتفع عن الأنثى

وكتب حساب آخر باسم «م. ع»، بذات الجروب منشورًا يمثل صدمة جاء فيه التالي: «لدينا جميع أنواع الأطفال وكافة الأعمار، من يوم حتى 10 أعوام، جميع الأطفال بصحة جيدة والحمد لله، والذكر سعره مرتفع عن الأنثى، للطلب الجاد التواصل الخاص، والله ولي التوفيق».

وجاءت ردود أفعال رواد مواقع التواصل الاجتماعي معبرة عن صدمتهم الكبيرة، فقد علقت سيدة من حسابها الشخصي قائلة: «ده بجد حقيقي؟، وإذا حقيقي ده فعلًا يعني الناس عادي بكل بساطة كدا تتخلى عن ضناها مقابل الفلوس عادي كدا لا حول ولا قوة إلا بالله».

فيما عبرت سيدة أخرى عن استيائها الشديد من بيع الأهل لأطفالهم قائلة: «ده حتى لو مش لاقين يأكلوه أو يصرفوا عليه مكنوش خلفوه من الأول أو اتجوزوا أصلًا».

وعلقت البلوجر رانيا يحيى، عبر حسابها على فيسبوك على تلك الظاهرة، ووصفتها بأنها: «منتهى القرف والتدني»، مضيفة أنها لم تعد تستطيع التفرقة بين ما إذا كانت هذه الجروبات تم إنشاؤها من أجل الريتش أم أنها حقيقية؟

أم تعرض ابنها للتبني

وفي إطار جهود أجهزة وزارة الداخلية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، تمكن رجال مباحث القاهرة من ضبط سيدة وآخر يعرضان طفلا حديث الولادة للبيع مقابل مبلغ مالى عبر موقع التواصل الاجتماعى.

وبمواجهتهما أقرت الأولى بأنه نظرًا لسابقة زواجها «عرفيا» من الثانى، وإنجابها الطفل منه وعدم رغبته فى نسب الطفل إليه، اختمرت فى ذهنها فكرة عرض الطفل للبيع تحت ستار التبنى من خلال إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، لقيام الأخير بتهديدها بإيصال أمانة فى حالة الإبقاء على الطفل، وبمواجهة الأخير بما جاء بأقوالها أيدها، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.

أسباب ودوافع انتشار الظاهرة

بدورها، وجهت الدكتورة سحر السنباطي، رئيس المجلس القومي للطفولة والأمومة، بإحالة واقعة عرض أطفال للتبنى بمقابل مادي إلى مكتب حماية الطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين بمكتب المستشار النائب العام.

وأوضحت رئيس المجلس القومي للطفولة والأمومة، أن وحدة الرصد والتواصل الاجتماعي بالإدارة العامة لنجدة الطفل، رصدت «جروب» تم إنشاؤه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تحت مسمي «تبنِّي طفل يتيم»، وذلك لعرض الأطفال للتبني بمقابل مادي، مشيرة إلى أنه على الفور تم التوجيه باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الواقعة وإبلاغ الجهات المختصة لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية.

وكشف المجلس القومي للطفولة والأمومة، عن أسباب ودوافع انتشار هذه الظاهرة حيث يتم الإعلان عن بيع الأطفال في الغالب بسبب كونهم «أطفال سفاح» أو حالات حمل غير مرغوب فيها، بأن تلجأ الأمهات إلى التخلص من الأطفال مقابل المال، لا سيما إذا كان لديهن أسر أو علاقات اجتماعية تعرّضهن للضغوط؛ فبعض الحالات تشمل أشخاصًا يعرضون المساعدة للنساء اللاتي يرغبن في بيع أطفالهن بدلًا من التخلص منهم بطرق أخرى مثل القتل أو تركه في الشارع.

وقائع انتهاك ضد الأطفال

«وحدة رصد خط نجدة الطفل تتابع كل ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي من وقائع انتهاك ضد الأطفال»، بهذه الكلمات كشف مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفولة، صبري عثمان، تحركات وحدة نجدة الطفل لوضع مرتكبي هذه الجريمة تحت مقصلة القانون، مضيفًا أنه تم رصد بعض الجروبات تعلن عن بيع أطفال باعتبارهم سلعة قابلة للبيع.

وأضاف مدير نجدة الطفل، أن هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها التي يتم رصدها ولكن تم رصد الظاهرة بشكل متكرر على مواقع التواصل الاجتماعي سواء عبر مجموعات تحت مسمى التبني أو عبر حسابات شخصية تعلن بيع أو شراء الأطفال.

وأوضح أن المجلس القومي للطفولة والأمومة أبلغ أكثر من مرة عن وقائع مشابهة جرى التحقيق فيها والقبض على عدد من المتهمين وإنقاذ أكثر من طفل، مشيرًا إلى وجود صفحات لأصحاب الشأن أنفسهم سواء الأب أو الأم أو أحد الأقارب هم من يعلنون عن بيع الطفل، وتم ضبط أكثر من واقعة تعلن فيها السيدة عن بيع طفلها وهو لا يزال مجرد جنين.

طفل سفاح

ويكمل: «النسبة الكبيرة من هؤلاء الأطفال في الغالب تكون طفل سفاح» تريد التخلص منه، لأنها لن تتولى أمره ولا تريد أن تظهر به خاصة إذا كان لها أهلية أو أسرة فتعلن عن بيعه.

وأشار إلى أنه في بعض الحالات يكون الشخص على علاقة بالأم أو على علم بقصتها يعرض عليها المساعدة ببيع الطفل مقابل مبلغ مالي، بدلا من أن تتخلص منه أو ترميه، وفي بعض الوقائع الأخرى يعلن أشخاص عن بيع أطفال ولكن بعد ضبطهم يتبين أنه لم يكن لديهم أطفال من الأساس وأن الأمر مجرد نصب واحتيال للحصول على المال.

وأشار إلى أن النيابة العامة تعمل على إجراء التحقيقات لفحص المجموعات وتحديد مواقعها، لا سيما وأن أغلب هذه الصفحات تعمل من خارج مصر ويصعب الوصول إليها، لافتا إلى تمكن الجهات المختصة من ضبط أصحاب الصفحات التي كانت تعمل من داخل مصر، خلال الفترات الماضية.

عقوبة الاتجار بالأطفال

قال المستشار عمرو عبدالسلام المحامي بالنقض، إن القانون يجرم نسب الطفل إلى غير أهله الحقيقيين، إلا أن قانون الطفل لعام 1996 أقر ما يعرف بقانون الكفالة أو الأسر البديلة، مضيفًا أن هذا الأمر سمح قانونيًا بكفالة الأطفال وتربيتهم كأحد أفراد الأسرة، دون أن يترتب على الأسر «الحاضنة» أي نتائج تتعلق بالنسب، بإجراءات محددة ومعروفة وتحت رعاية الدولة.

وأضاف المحامي بالنقض: «ورغم ذلك لا تزال فئة من المجتمع تلجأ إلى طرق غير قانونية للحصول على الأطفال أو التبني، وهو ما يندرج تحت جريمة الاتجار بالأطفال، التي تعني أي ممارسة يتم بموجبها تسليم شخص دون الثامنة عشرة من قبل والديه أو ولي أمره لطرف ثالث مقابل مبلغ من المال أو لا، منوهًا أن الأمم المتحدة صنفت هذا الفعل بأنه عمل إجرامي ينتهك حقوق الطفل».

ويكمل: «ويعد ذلك جريمة اتجار بالبشر المؤثمة وفق أحكام قانون مكافحة الاتجار بالبشر، الصادر بالقانون رقم 64 لسنة 2010، والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه».