صبرى الموجي يكتب: المسلماني.. وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدر!
تُثبت قراراتُه الفورية، والمتوالية للنهوض بقطاع ماسبيرو، وعودتِه كسابق عهده (حضانة) لإبداع القوى الناعمة، وحراكها الثقافي والفكري، أنّ اختياره رئيسا للهيئة الوطنية للإعلام، هو اختيارٌ صادفَ أهله، وجاء عن جدارة واستحقاق، يدعمه تاريخٌ حافلٌ للرجل، سواء في بلاط صاحبة الجلالة - الذي أثرى فيه المكتبة السياسية والصحفية بمقالات، امتازت بسلاسة الأسلوب، وعمق الفكرة، وغزارة المحتوى، وهو ما يؤكد أنه كاتبٌ محترف، أو، إن جاز التعبير، (صنيعي)، لامست مفرداتُه شِغاف القلب، وتسللت تحليلاتُه لموطن الداء، فأحالت الضعف إلى قوة، والمرضَ إلى عافية، وصارت أحلامُه وتكهناتُه، القائمة على دراسة عميقة، حقائق، تراها العين، ويأنس لها الفؤاد، فاستحق وصف (فولتير الثورة المصرية)، التي أزاحت عنا حقبة عصيبة - وكذلك في قطاع الفضائيات، ببرنامجه المميز (الطبعة الأولى)، الذي امتاز فيه بحضوره السخي، ونبرته الهادئة، وتحليلات العميقة، التي تؤكد، أنه لم يكن أبدا ظاهرة (حنجورية) كآخرين، امتطوا الصوت العالي؛ للوصول لمآرب رخيصة، تحققت على أشلاء الضحايا والكادحين من أبناء هذا الشعب!.
الكاتب الكبير أحمد المسلماني، جمعتنا سويا مؤسسة الأهرام العريقة، ولم ألتقيه، ولو مرة واحدة، لكنني استعضت عن ذلك بالبحث عن مقالاته وقراءتها بتركيز، والأنس بتحليلاته، والإذعان لاستنتاجاته، المبنيّة على أسس عقلية، ومنطق سليم.
في حياة المسلماني محطاتٌ تُجبرُك على احترامه، أولها العصامية، إذ اعتمد فيما حققه من نجاح على ذاته، وإمكاناته، ولم يبحث - كغيره من أنصاف أو معدومي الموهبة - عمن ينطلق به كسرعة الصاروخ، والنتيجة ما نعانيه من ركام الغوغائية والفوضى بالفضائيات، التي يفتقر كثيرٌ ممن يبثون بها للثقافة وحسن الطلّة، فكان الله جارك أيها المشاهد العزيز !
المحطة الثانية، الإرادة، والسعي المستميت للوصول للهدف، دون امتطاء وسائل رخيصة، بل اعتمد علي موهبته وعقليته الفذّة، التي كتبت له التفوق منذ نعومة أظفاره، والفوز بالاحتفاء، والتكريم في أكثر من مناسبة.
لم أقصد مما أكتب أن أنال رضا أحد، أو أستعدي أحدا، فوالله لم يكن هذا أسلوبي يوما، ولنّ يكون أبدا - بعون الله - ولكني أردتُ شكر من مدّ يد العون، ليُقيل بلدنا من كبوتها، وهذا ما يفعله المسلماني، العاشق لكل جميل، والذي أعاد لإذاعة القرآن الكريم هيبتها؛ بمنعه الإعلانات التجارية، التي جعلت من تلك المحطة سوقا لا تنفض، وعكّرت مِزاج المستمعين لها في شتى الأنحاء.
ربما أفقدَ هذا القرار إذاعة القرآن موردا ماليا كبيرا في ظروف صعبة، ولكنّ المكسب المعنوي قطعا أكبر من أي مكسب مادي، وهذا ما فطن إليه المسلماني.
ينظر الرجلُ في خريطة البرامج التي توقفت؛ ليُعيد ما يمكن إعادته كبرنامج ( قال الفيلسوف)، الذي اعتدنا منذ نعومة أظفارنا نستقي منه الحكمة، وقوّم سلوكنا بأسلوب آسر وبسيط.
ومن تلك البرامج أيضا، التى نتمنى أن تنال رعايته: ( كتابٌ عربي علّم العالم، وكلمتين وبس، وأغرب القضايا، وإلى ربات البيوت، وحلقات بابا شارو، ولغتنا الجميلة، وغيرها الكثير ) من تراث الإذاعة المصرية الرائدة.
نعم أيها المسلماني المغوار.. طريق (الألف ميل)، يبدأ بخطوة، وقد بدأت أنت بالفعل، بجدارة وقوة، تُثبت أن مصر ولادة، متى توافرت الإرادة، وأنّ القيادة السياسية تُحسن اختيار رجالها.
تكريمك لأسرة مسلسل ( أم كلثوم )، الذي شاهدته والأسرة أمس، واستمعت فيه لكلمتك المفعمة بالصدق دليلٌ على نبلك، ووفائك لجهد فريق عمل، أسعدنا بفنه الهادف، ووقف أفراده على مسرح التليفزيون ليلة أمس يتيهون فخرا بعملهم الذي تأخر تكريمهم عليه سنوات، ولكن المهم أنه جاء علي يد المسلماني الشجاع، الذي يؤمل فيه الكثير.
امتنانُ أفراد العمل لك، والذي بدا في أعينهم، هو أعظم شكر لمن يعي.
فسر - حماك الله - ولا تلتفت للمُثبطين أعداء النجاح، فمجيئك بعد فترة ظلام طالت، انتظرنا فيها بصيص نور.. ولله در أبي فراس الحمداني: وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.