رئيس التحرير
خالد مهران

الصين تتحرك للرد على تعريفات ترامب الجديدة

الصين
الصين

بعد التعريفات العقابية الأولى التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة المكسيك وكندا والصين تحولت تهديداته الجديدة من الصلب والألمنيوم إلى رقائق الكمبيوتر والأدوية.
   وفي أحدث خطوة، قال ترامب يوم الثلاثاء إنه يعتزم فرض رسوم جمركية على السيارات "في حدود 25 في المائة" ورسوم مماثلة على أشباه الموصلات وواردات الأدوية.

الصين ترد

وقال وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو في رسالة إلى وزير التجارة الأمريكي المعين حديثا هوارد لوتنيك يوم الأربعاء " نأمل أن يتمكن الجانبان من معالجة المخاوف المتبادلة من خلال الحوار والتشاور ".

وفي الرسالة، أثار وانغ أيضا مخاوف بشأن قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية. وأكدت الصين مرارا التزامها بمعالجة الشواغل المتبادلة من خلال الحوار والتشاور مع الولايات المتحدة، مجادلة بأن زيادات واشنطن في الرسوم الجمركية من جانب واحد تعطل التعاون الاقتصادي والتجاري الطبيعي بين البلدين، وفقا لكبير المسؤولين في التجارة الصينية.
  وقال وانغ إن العلاقات الاقتصادية والتجارية تشكل ركيزة مهمة للعلاقات الصينية الأمريكية. وأضاف أنه يتعين على الجانبين السعي لتعزيز بيئة أعمال عادلة ويمكن التنبؤ بها لدعم المشاركة الاقتصادية المستدامة.

   وفي الأول من فبراير، فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 25 في المائة و10 في المائة على منتجات الطاقة المستوردة من كندا والمكسيك، وتعريفات بنسبة 10 في المائة على السلع الصينية. الدول الثلاث هي أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، والأخيرة لديها عجز تجاري مع كل واحدة منها. وهذه التعريفات وحدها ستكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة أكثر من 1200 دولار سنويا.
   وبعد محادثات منفصلة بين ترامب والرئيسين الكندي والمكسيكي، وافقت الولايات المتحدة على تأجيل فرض الرسوم الجمركية الإضافية لمدة 30 يوما. لكن التعريفات الجمركية المهددة بها على السلع الكندية والمكسيكية، إذا تم فرضها، يمكن أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل بنسبة 0.3 في المائة.

ويرى الاقتصاديون هنا أن سياسة التعريفة الجمركية العدوانية للحكومة الأمريكية لا بد أن تفشل، حيث أثبت التاريخ أن استخدام عصا التعريفة الجمركية يؤدي فقط إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم التضخم وتعطيل التجارة العالمية.

مثال على ذلك، عندما فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 50 في المائة على واردات الغسالات في عام 2018. كنتيجة مباشرة، قفزت قيمة الغسالات بنحو 12 في المائة، ودفع المستهلكون الأمريكيون حوالي 1.5 مليار دولار إضافية سنويا مقابل هذه المنتجات، وفقا لتقديرات باحثين من جامعة شيكاغو في ورقة نشرت في عام 2019.

 ناهيك عن التأثير التضخمي للتعريفات الإضافية، حيث قفز مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي بنسبة 0.5 في المائة على أساس شهري في يناير، وهو أكبر زيادة منذ أغسطس 2023. كان هذا أعلى من المتوقع، حيث يواجه الأمريكيون تكاليف أعلى لمجموعة من السلع والخدمات. وقالت شركة أيسر لتصنيع أجهزة الكمبيوتر إن سعر أجهزة الكمبيوتر المحمولة سيرتفع بنسبة 10 في المائة الشهر المقبل بسبب التعريفات الأمريكية.

ولن تؤثر التعريفات الجمركية الأمريكية سلبا على شركائها التجاريين فحسب، بل ستزيد أيضا من التكاليف على المستهلكين الأمريكيين. وستعني التعريفات الجديدة أسعارا أعلى للعائلات الأمريكية. ويمكن أن تؤدي إلى تحديات متزايدة لتجار التجزئة الأمريكيين بسبب التخزين الإضافي والتكاليف ذات الصلة، وفقا لما ذكره بيان صحفي شاركه الاتحاد الوطني الأمريكي للبيع بالتجزئة يوم الأربعاء.
  فضلا أن التعريفات الجمركية يمكن أن تؤدي أيضا إلى ارتفاع قيمة الدولار، مما يعني أنه سيكون من الصعب على المصدرين الأمريكيين بيع سلعهم إلى دول أخرى.

التأثير والنتيجة

وقبل نصف عقد من الزمان، غطت التعريفات العقابية التي فرضتها الولايات المتحدة على السلع الصينية سلعا بقيمة 396 مليار دولار، أو أكثر من 90 في المائة من إجمالي التجارة. لكن الجولة الأولى من تعريفات ترامب على السلع الكندية والمكسيكية والصينية وحدها ستغطي المزيد من السلع المتداولة بالدولار.
   وغطت الشرائح الأربع من التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على السلع الصينية في 2018-19 واردات بقيمة 360 مليار دولار. واليوم، تمثل كندا والمكسيك والصين أكثر من خمسي جميع واردات الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تغطي التعريفات الجديدة على السلع المستوردة من البلدين بالإضافة إلى الرسوم الجمركية الإضافية على السلع الصينية واردات تقدر قيمتها بأكثر من 1.3 تريليون دولار. هذا أكثر من 3.5 أضعاف القيمة التي كانت عليها قبل نصف عقد.

ويتوقع الاقتصاديون أن تفشل استراتيجية ترامب في تحقيق الأثر المرجو، حيث ستعمل الصين على تنويع تجارتها مع بقية العالم، بينما ستفقد الولايات المتحدة بشكل متزايد القدرة التنافسية لصادراتها في الأسواق الثالثة.

ومع دخول تعريفات ترامب حيز التنفيذ ضد الصين، أعلنت بكين عن حزمة واسعة من الإجراءات الاقتصادية ضد واشنطن في 10 فبراير. ومن المرجح أن يتبع ذلك المزيد من الإجراءات المضادة.

واجتمع الرئيس الصيني شي جين ببنغ قبل يومين مع كبار رواد الأعمال الخاصين في الصين، لدفع القطاع الخاص في مواجهة تعريفات ترامب الجديدة.

وأظهر الاقتصاد الصيني علامات تدريجية على الاستقرار خاصة منذ الربع الرابع من عام 2024، مع بدء تأثير إجراءات التحفيز في نوفمبر. وخلال هذه الفترة، تسارع النمو من 4.6٪ إلى 5.4٪ ليصل إلى 5.0٪ على أساس سنوي في عام 2024، مما دفع صندوق النقد الدولي إلى رفع نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين مؤخرا.
  لقد أثبت الإنتاج الصناعي في الصين مرونته على خلفية الطلب المحلي والدولي، لا سيما في السيارات الكهربائية والألواح الشمسية. الجزء الأبرز من قصة النمو هو التوسع القوي لقطاعات التكنولوجيا المتقدمة والإلكترونيات والسيارات في الصين. كما أن تيرة التطور في الروبوتات الصناعية تكاد تكون قوية ويتم تعزيز الاستهلاك.
    ويقول لي تشي، مساعد عميد المعهد الصيني لتخطيط التنمية في جامعة تسينغهوا، "قبل ثماني سنوات، حاولت الحكومة الأمريكية استخدام سلاح التعريفة الجمركية لجعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى، لكن النتيجة كانت ارتفاع الأسعار محليا، وعرقلة الاستثمار في التصنيع وتعطيل سلاسل التوريد العالمية".
  وأضاف "أثبتت الحرب التجارية التي شنتها واشنطن أنها قليلة الفائدة لمساعدتها على خفض العجز".
   ويتوقع أن يؤدي مثل هذا النهج إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، وتسريع إعادة هيكلة المشهد الصناعي والتكنولوجي وموارد الطاقة العالمية.

ولن يتوقف الأمر عند ذلك، حيث يتوقع المراقبون على نطاق واسع أن يكون لنهج الولايات المتحدة آثار مضاعفة على الاقتصاد العالمي. وهناك قلق متزايد بين الحكومات والأسواق العالمية والشركات. فالإدخال المتكرر لسياسات التعريفة الجمركية من قبل إدارة ترامب يزيد من تآكل القدرة على التنبؤ في التجارة الدولية، وهو ما يضر بشدة بالاقتصاد العالمي.